«إن راح منك يا عين»!
عنوان هذا المقال ليس بغريب على أحد، فهو اسم أغنية للفنانة شادية التي اعتزلت الفن في أوج مجدها وعظمتها كفنانة محترفة تفوقت على الكثيرات من فنانات جيلها، وكما قالت عنها الفنانة الجميلة مريم فخرالدين في لقاء تلفزيوني منذ سنوات، وهي تقارن بينها وبين شادية وفاتن حمامة: "شادية أشطر واحدة فينا إحنا الثلاثة!".ليس غريباً شهادة فنانة كبيرة في حق فنانة كبيرة، فهذه الروح كانت سائدة بين فناني العصر الجميل للفن.
معروف أن شادية مطربة محترفة ذات خصوصية وتميز "دلوعة الشاشة"، كما أنها ممثلة سينمائية في الصف الأول من العمالقة للعديد من الأفلام المهمة، وقدمت مسرحية كوميدية من علامات المسرح المصري "ريا وسكينة" مع عملاق المسرح الكوميدي الراحل عبدالمنعم مدبولي، والفنانة سهير البابلي، وأعمالها مازالت تلقى التقدير عبر "يوتيوب" والأشرطة المسجلة.تذكرني هذه الشهادة للفنانة مريم فخرالدين في حق الفنانة شادية بشهادة أخرى بشكل يحمل الكثير من الأناقة والتقدير حين قال الفنان شكري سرحان، فتى الشاشة الأول، في لقاء تلفزيوني قبل وفاته بسنوات، إنه كان البطل لفيلم "اللص والكلاب"، ولم يقبل أن يوضع اسمه في إعلان الفيلم قبل اسم الفنانة شادية، تقديراً لمكانتها الفنية، وانها "فنانة قبل أن يكون هو فنان!".ما أجمل تلك الروح الفنية العالية التي كانت تميز الكثيرين من عمالقة الزمن الجميل، إن قارنا بين ما قاله أيضاً الفنان شكري سرحان، وفي نفس المقابلة، بأنه أصيب بالصدمة حين كان بطلاً في تمثيلية تلفزيونية (لا يحضرني اسمها)، لكن إعلانها في الكادر حمل اسماً لفنان شاب حديث على الفن سبق اسمه في أعلى الإعلان!وعودة إلى اسم المقال "إن راح منك يا عين"، فإنني استمعت إلى هذه الأغنية كبقية المستمعين في أرجاء الوطن العربي عشرات المرات منذ انتشارها وظهورها في فيلم "ارحم حبي"، الذي أنتج في عام 1959، وكنت طفلاً لم أدرك معاني كلماتها إلا بعد سنوات، إلا أنني كلما سمعتها استمتعت بها، خصوصاً في سنوات المراهقة التي كنت حريصاً فيها على مشاهدة الأفلام الرومانسية لشادية وعبدالحليم وغيرهما.منذ أشهر فقط استمعت إلى هذه الأغنية مصادفة عبر شريط مصور على الـ"يوتيوب" في حفلة عامة للفنانة شادية قبل اعتزالها، وتكررت رغبتي في سماع صوتها ومشاهدتها، وهي تغنيها بشكل تملكني كلياً، استوقفني أداؤها بتلك الصورة التي حملت من التحدي والوعيد الشيء الكثير والكبير.ولا أشك أنها استوقفت كل من شاهدها تمنح من صوتها ومن قلبها شجناً كبيراً جداً تناسق مع الكلمات واللحن، وفي نظرة عينيها الدامعتين وإشارات يدها التي حملت التهديد والوعيد للذي تركها وراح بعيداً عن العين! "إياه يقسى عليَّ... إياه ينسى إللي كان... لسه الليالي جايه... وأكثر من زمان!" و"يا حيرته آه... يا ويله، من نار الشوق وويله... خليه يروح يا عين، ح يروح من قلبي... فين...!"درس في الحب وإنذار وتأكيد أن "اللي يحب مرة... ما يحبش مرتين!" إن كان الحب بسموه وصفائه ومعناه الحقيقي!ولعل هذا المعنى قد قاله أبوتمام منذ سنوات بعيدة:نقل فؤادك حيث شئت من الهوىما الحب إلا للحبيب الأوللا أشك لحظة أن اندماج الفنانة شادية في هذا الشريط المسجل لم يكن أداءً عادياً، بل كان نتيجة ما وقع عليها شخصياً من ألم وجرح، "ربما" بسبب انفصالها عن الفنان صلاح ذوالفقار في تلك الفترة، لكن الشجن في أدائها لا يمكن أن يكون عادياً لوصلة غنائية على المسرح وينتهي الأمر بالتصفيق الحار.استوقفتني مرات ومرات وأصابت مني مشاعر وأحاسيس عالية أكدت احترامي الكبير وتقديري لهذه الفنانة، التي اختارت الاعتزال عن قناعة في أوج مجدها وحب الجماهير لها، مما خلدها في ذاكرتهم فنانة مميزة وقديرة.* كاتب فلسطيني من كندا