هل يمكن استخراج الغاز الطبيعي يوماً من الجليد البحري؟
احتمال يثير حماسة البعض وقلق البعض الآخر!
تحت محيطات العالم وفي المناطق الدائمة التجمد في القطب الشمالي ثمة مصدر للطاقة العالمية ويظن كثيرون أنه سيتفوق على ثورة {التصديع} الراهنة: ثمة مخازن ضخمة من الغاز الطبيعي العالق في بلورات الثلج. تُسمى تلك الموارد «هيدرات الميثان» وتُعرف أحياناً بعبارة «جليد قابل للاشتعال».
إذا أصبح جمع هيدرات الميثان أمراً عملياً يوماً، فهو قد يغير مجدداً الخارطة الجيوسياسية للعالم. الدول التي تفتقر إلى موارد طبيعية من النفط والغاز، مثل اليابان والهند، ستصبح فجأةً من اللاعبين النافذين في مجال الطاقة.تعتبر وزارة الطاقة الأميركية أن «هيدرات الميثان قد يتفوق على محتوى الطاقة في جميع مخازن الوقود الأحفوري مجتمعةً»، كذلك «قد يوفر غازاً طبيعياً مقبول الكلفة طوال عقود ويوقف اتكال الولايات المتحدة على النفط الخارجي».
لكنّ احتمال أن يحرك الوقود الأحفوري الأنظمة الاقتصادية العالمية إلى أجل غير مسمى (حتى أكثر التوقعات تحفظاً تعتبر هيدرات الميثان هبة أفضل من جميع مصادر الغاز الطبيعي الأخرى) يثير قلق خبراء كثيرين كانوا يتمنون طوال عقود أن تؤدي ندرة الموارد في نهاية المطاف إلى وقف اتكال العالم على تكنولوجيا إنتاج غازات الدفيئة.قال ريتشارد تشارتر، مسؤول بارز في المجموعة البيئية {مؤسسة المحيط}، وهو عضو أيضاً في اللجنة الاستشارية بشأن هيدرات الميثان في وزارة الطاقة: «لا مفر من التساؤل في مرحلة لاحقة: هل سنتمسك بالوقود الأحفوري إلى أن يتفحم الغلاف الجوي بالكامل؟».اعتبرت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير أصدرته في شهر نوفمبر الفائت أن إمكانات هيدرات الميثان كمصدر للوقود ستتوقف على التقدم التكنولوجي فضلاً عن سياسات التغيّر المناخي. لتخفيف انبعاثات الكربون، لا بد من تخفيض استهلاك جميع أنواع الوقود الأحفوري، حتى تلك المشتقة من الجليد. كذلك، يُعتبر الميثان نوعاً قوياً من غازات الدفيئة عند إطلاقه في الغلاف الجوي، كما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة، ولا بد من توخي حذر شديد أثناء إنتاجه.تبرز تحديات هائلة لإنتاج الغاز الطبيعي من هيدرات الميثان. لكن تأمل اليابان أن تبتكر طرقاً لتطوير الموارد غير المستغلة خلال فترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات. فضلاً عن أن بلداناً أخرى بدأت تكثّف أبحاثها، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تملك كميات كبيرة من المواد تحت الموقع الدائم التجمد في المنطقة القطبية من ألاسكا وفي أعماق خليج المكسيك.حرارة متجمدةيتشكل هيدرات الميثان تحت ضغط هائل وعلى حرارة متجمدة، ويمكن إيجاد هذه الظروف في قعر خليج المكسيك الدافئ. سببت بلورات الثلج المشاكل في معدات شركة البترول البريطانية (BP) حين حاولت احتواء تسرب النفط الذي حصل في {أفق المياه العميقة} في الخليج. تدرك شركات النفط إمكانات تلك البلورات كموارد محتملة للطاقة لكنها تتجنبها حتى الآن أثناء عمليات التنقيب.خلال مؤتمر الطاقة في ديلويت هذه السنة، قال مدير {مختبر تكنولوجيا الطاقة الوطنية»، أنطوني كوجيني، إن كل من سيتولى منصبه في العقود المقبلة قد يتمكن من التحدث عن ثورة في طاقة الهيدرات. أضاف: «هيدرات الميثان يقدم فرصة فعلية للتخلص نهائياً من الغاز الصخري. الموارد ضخمة جداً».لكن كما حصل خلال عقود تطوير تقنيات التصديع الهيدروليكي التي أدت إلى ازدهار قطاع الغاز الصخري، يتساءل كثيرون عما إذا كان هيدرات الميثان سيصبح في أحد الأيام مصدراً فاعلاً للطاقة من الناحية الاقتصادية. قالت كارولين روبل التي تعمل على هذا الموضوع في هيئة {المسح الجيولوجي الأميركي}: {المسائل التقنية لا تطرح أكبر التحديات في الوقت الراهن. أظن أن التحدي الأكبر يتعلق بالشق الاقتصادي. هل يمكن أن نستخرج الغاز من هيدرات الميثان رغم تعدد مصادر الغاز الأخرى؟}.تشمل التحديات المطروحة كلفة إنتاج ونقل الطاقة المستخرجة من القطب الشمالي ومياه المحيطات العميقة، بحسب روبل. الأمر لا يشبه الغاز الصخري الأميركي الموجود في جميع أنحاء البلد.تملك الولايات المتحدة أصلاً كمية كبيرة من الغاز الطبيعي الرخيص الذي يُستخرج من الغاز الصخري وما من حاجة فورية إلى تطوير هيدرات الميثان. لكن تحتاج بلدان أخرى إلى مصادر طاقة مختلفة وهي تبذل قصارى جهدها لتطوير هيدرات الميثان.يدفع اليابانيون مبالغ كبيرة جداً لاستيراد الغاز الطبيعي لدرجة أن كلفة هيدرات الميثان قد تكون منطقية بالنسبة إليهم، بحسب تيم كوليت من فريق موارد الطاقة في {المسح الجيولوجي الأميركي}. بعض تقديرات الكلفة لموارد هيدرات الميثان تفوق كلفة الغاز الطبيعي التقليدي بعشر مرات أو أكثر. يأمل اليابانيون أن يخفضوا كلفة الإنتاج ويجعلوها تنافسية مع مصادر الطاقة الأخرى.مصادر طاقةكذلك، تبحث اليابان بشكل عاجل عن مصادر طاقة جديدة تزامناً مع الابتعاد عن الطاقة النووية غداة كارثة فوكوشيما، عندما ذابت ثلاثة مفاعلات نووية وتسربت مواد إشعاعية بعدما ضربتها هزة أرضية وموجات تسونامي في مارس 2011.بحسب الشركة الاستشارية في مجال الطاقة IHS Cera، قد تستعمل اليابان هيدرات الميثان خلال 15 سنة. ويمكن أن تحذو كوريا الجنوبية حذوها في المرحلة اللاحقة. فهي تُعتبر، مثل اليابان، بلداً متطوراً وثرياً من دون أن يملك موارده الخاصة من الغاز والنفط.بما أن الحاجة أم الاختراع، قد تكون آسيا مهد هيدرات الميثان بحسب الاستنتاج الذي توصّل إليه المحللون في شركة IHS في أحدث تقرير لهم.سُجّل إنجازان في مجال تطوير هيدرات الميثان في السنة الماضية. أطلق الباحثون في منحدر ألاسكا الشمالي غازاً طبيعياً من بلورات الثلج ضمن المنطقة الدائمة التجمد عبر حقنها بالنيتروجين وثاني أكسيد الكربون. امتصّت كتلة الهيدرات ثاني أكسيد الكربون وأطلقت الميثان، فقامت بشكل أساسي بتبادل الجزيئات بينما خفّض فريق البحث الضغط في البئر لاستخراج الغاز.ثم أنتجت اليابان كمية من الغاز انطلاقاً من الرواسب تحت الماء مقابل سواحلها عبر تقنية تخفيض الضغط. شملت العملية حفر بئر وضخ الماء إلى الخارج. هذا ما أدى إلى بث الغاز نتيجة اختلاف الضغط في رواسب الهيدرات تحت الأرض وفي البئر.تحدث تشارتر من {مؤسسة المحيط} عن وجود مخاطر في عملية تطوير هيدرات الميثان، وهي تشمل انفجارات وانهيارات أرضية تحت سطح البحر من شأنها أن تطلق الميثان الذي يدفئ الكوكب في الغلاف الجوي: «يمكن أن أقول في الوقت الراهن إن العملية هي في مرحلة التطوير، تماماً مثل مصابيح إديسون التي ظهرت سابقاً وانفجر نصفها».