«حي بن يقظان» في طبعة جديدة... اتحاد الإنسان بالطبيعة

نشر في 18-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 18-05-2014 | 00:01
No Image Caption
صدر حديثاً، ضمن سلسلة كتاب الدوحة الذي يصدر مع مجلة {الدوحة}، كتاب {حي بن يقظان... لابن طفيل}. الكتاب من تحقيق وتعليق أحمد أمين، وقدم له حسن حنفي. وتأتي هذه الطبعة لقصة حي بن يقظان بعد عشرات الطبعات المختلفة لدى دور النشر العربية.
حي بن يقظان قصة رمزية تتناول حياة الإنسان في بحثه عن الحكمة والوصول إلى حقيقة الوجود، وهي في ذلك نص أدبي يعتبره كثيرون أصل فنون القصّ العربية بما تحويه من لغة وسرد وخيال أدبي وفلسفي على مستوى في غاية العمق. وولادة حي بن يقظان تبقى لغزاً، ومع ذلك فإن الرواية السائدة تقول إنه قد ولد تولداً جسدياً مألوفاً من أم هي شقيقة ملك إحدى الجزر الهندية، ومن أب هو قريب لها اسمه يقظان، كانت شقيقة الملك قد تزوجته خفية عن شقيقها الذي منعها من الزواج، وعندما وضعت المرأة طفلها خشيت من نقمة شقيقها الملك، فوضعت الطفل في تابوت وألقته في البحر. حملت الأمواج التابوت حتى ألقته على ساحل جزيرة مجاورة هي جزيرة الواقواق. وصادف أن مرت في المكان الذي استقر فيه التابوت ظبية كانت تبحث عن ابنها الذي فقدته فسمعت صوت بكاء الطفل فاتجهت نحوه، وكان أن عثرت على حي الوليد فأرضعته وحضنته.

تنتمي قصة حي بن يقظان في الأصل إلى تراث ما قبل الحضارة الإسلامية ثم اختفت قرونا طويلة لتعاود الظهور على يد الشيخ الرئيس ابن سينا للمرة الأولى باللغة العربية. ثم يمر زمان حتى يعيد كتابتها ابن طفيل الذي نقلها إلى حيز الرواية مضيفا إليها أسئلة جديدة كانت تشغله كأحد أهم فلاسفة الأندلس، ثم يقدمها للمرة الثالثة تحت عنوان {الغربة الغريبة} شيخ الإشراق السهروردي الذي حمّلها مفاهيمه الصوفية معتبراً عمل ابن سينا فصله الأول الذي يكمل عليه. وكثيرون نشروا هذا القصة لغرابتها وشعبيتها، ومنها الطبعة التي تعيد إصدارها مجلة {الدوحة} القطرية. فالنافل أن الكاتب المصري أحمد أمين نشر رسالة {حي بن يقظان} سنة 1952 وأعيد نشرها سنة 1966 عن دار {المعارف} في مصر في طبعة ثالثة ضمن سلسلة {ذخائر العرب} مع رسالتي كل من ابن سينا والسهروردي اللتان تحملان الاسم نفسه. وفي مقدمة الطبعة القطرية، يشير المفكر المصري حسن حنفي إلى أنه لا يوجد نص فلسفي كُتب أربع مرات من أربعة فلاسفة مختلفين وأحياناً مع تغير العناوين مع بقاء المضمون مثل قصة {حي بن يقظان}. فهي مع أصلها اليوناني {سلامان وأبسال} قصة رمزية لابن سينا، ولابن طفيل، وللسهرودي، وابن النفيس. والموضوع واحد، كيفية الوصول إلى الحقيقة بالعقل الخالص، والعقل الخالص هو العقل الطبيعي الذي يتأمل في الظواهر الطبيعية الجمادية، والنباتية، والحيوانية، هو العقل التجريبي وليس العقل الاستنباطي، العقل البرهاني.

الأصل

للعنوان دلالة رمزية، حي بن يقظان، فالحياة بنت اليقظة، اليقظة الأصل، والحياة فرع وليس العكس، الحياة الأصل والحياة الفرع مع أنه الأكثر بداهة. فالإنسان يحيا أو ثم ينبثق الوعي من خلال الحياة. وأعطاها ابن طفيل عنواناً ثانياً {الغربة الغريبة} أو {الغربية} في مقابل الشرق أو {المشرقية في الحكمة المشرقية} كعنوان ثان مع الإبقاء على العنوان الأول الكبير حتى لو كان متكرراً {حي بن يقظان}. وابن النفيس سماها {فاضل بن ناطق} ولهذا العنوان دلالته القصوى، فالفضيلة بنت العقل، والإنسان العاقل هو الإنسان الفاضل بالضرورة، وأسماء الشخصيات أيضاً لها دلالتها مثل {كامل} في قصة ابن النفيس، فغاية الإنسان البحث عن الكمال... في نظر حنفي فإن صياغة ابن النفيس لحي بن يقظان في {فاضل بن ناطق} المعروفة باسم {الرسالة الكاملية}، ورغم قصرها فإنها مقسمة إلى أربعة فنون: الأول كيفية تكون شخصية {كامل} وكيفية وصوله إلى التعرف بالعلوم والنبوات. والثاني كيفية وصوله إلى التعرف بالسنن الشرعية. والرابع كيفية وصوله إلى معرفة الحوادث التي تقع بعد وفاة آخر الأنبياء، فواضح أن ابن النفيس يتجاوز العقل الطبيعي ويركز على العقل المقدس.

وليس ثمة اختلاف جوهري في طريقة تناول حي بن يقظان التي احتوت على مضامين فلسفية. وأول من كتب هذه القصة عربياً هو الفيلسوف ابن سينا وقد دونها أثناء سجنه، وتدور حول شخص واحد، بن يقظان، وهو الراوي والملاحظ في نفس الوقت، فالعلم لا يأتي من الرواية وحدها بل من الرواية المؤسسة على الملاحظة أي العلم التجريبي. أعاد بناءها شهاب الدين السهروردي، مع إضافة شخص عاصم، وهو الإنسان الذي لا يخطئ اشتقاقاً من اللفظ. ويبدو نصه مملوءاً بالآيات للدلالة على أنها الحكمة المشرقية. في حين تقوم رواية ابن طفيل وابن باجة على شخصيتين. الأولى تمثل العقل الطبيعي، والثانية تمثل العقل المقدس. والنتيجة هي اتفاق المصدرين معاً، وهو ما انتهى إليه جميع المتكلمين والفلاسفة والصوفية والفقهاء. وصبّ ابن طفيل في هذه القصة آراءه القائلة بعدم التعارض بين العقل والشريعة أو بين الفلسفة والدين في قالب روائي قصصي

 

روبنسون كروزو

ويشير حنفي إلى أنه قد شاعت المقارنات بين حي بن يقظان في الفلسفة العربية والإسلامية وروبنسون كروزو للروائي دانيال ديفو في الأدب الغربي، فهما القضية نفسها، الطفل الذي يكبر في الطبيعة ويعيها تدريجاً قدر تطوره، والطبيعة التي تظهر وعيه، فيحدث تآلف بين الإنسان والطبيعة في عالم واحد. وتقوم القصة على نظرية التطور، والتطور ليس فقط في الطبيعة، بل أيضاً في الإنسان باعتباره ظاهرة طبيعية من الميلاد وحتى الوفاة. والنافل أن بعض الدراسات حول روبنسون كروز وبن يقظان توصلت إلى أن صاحب روبنسون كروز تأثر بابن طفيل، ودراسات تنكر هذا التأثر وأخرى تلف حول الرأي ولا تبديه.

back to top