خديجة المحميد: الخطاب الطائفي أضرّ بالنسيج الوطني

نشر في 08-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 08-07-2014 | 00:02
No Image Caption
المراهقة الإعلامية صبَّت الزيت على النار فأحدثت الفرقة والفتن

أكدت الباحثة في الفكر الإسلامي والناشطة السياسية والاجتماعية الدكتورة خديجة المحميد أهمية تأسيس ثقافة وطنية صحيحة تقوض الخطاب الطائفي المضر بالنسيج المجتمعي، وتستند إلى العدالة والمساواة بين المواطنين لبناء دولة قوية تقوم على سواعد أفراد المجتمع كافة، رافضة المراهقة الإعلامية الهادفة إلى صب الزيت على النار وإحداث الفرقة والفتنة.
وعن المناهج التربوية في المدارس، أوضحت المحميد أن بعضها يتضمن تكفيراً لزوار قبور الأولياء والأنبياء، مطالبة بانتفاضة ثقافية اجتماعية للقضاء على العقليات التي تسعى إلى إلغاء الآخر.
وفي ما يتعلق بالأحزاب السياسية في الكويت، ترى أن وجودها بشكل منظم ومنسجم مع أسس وطنية تستند إلى قيم إنسانية معتمدة على احترام الآخر سيسهم في تحقيق رؤى مدنية عالية من منطلق المرتكزات الإسلامية. مشددة على ضرورة وضع ضوابط دقيقة لمن يتصدون للإفتاء عبر الفضائيات، وفي ما يلي نص الحوار.
شاركت في تأسيس مؤسسات مدنية أبرزها تجمع «تنامي» وجمعية «رواسي»، ما دورهما في وأد الفتنة في المجتمع؟

تأسست حركة «تنامي» في ديسمبر 2007 كحركة نسويه تهتم بالنهوض بأدوار المرأة بقيادة ثلاثية وبمبادرة من الأستاذتين نورية السداني وخولة العتيقي وأنا، كون كل واحدة منا تمثل شريحة. ثم تطورت إلى حركة جمعت شمل المجتمع المدني بهدف تنميته وتطويره عبر البحث في مشتركات بين ألوان الطيف المدني والطيف السياسي.

كذلك تأسست الرابطة الوطنية للأمن الأسري {رواسي} في يونيو 2007 وهدفها تحقيق الأمن على المستويين الثقافي والتوعوي، ثم تتبع النواقص التشريعية والمبادرة بوضع مقترحات. عملنا أربع سنوات قبل أن تشهر الرابطة في مايو 2011.

تنوع التيارات الإسلامية في الكويت، هل يعود إلى أسباب دينية أو سياسية؟

التنوع سنة الحياة وهو أمر طبيعي في أي مجتمع وليس فقط في الكويت فالتيار الإسلامي متنوع، كذلك التيار العلماني أطيافه متعددة وهو تنوع يأتي على أسس فكرية وسياسية ودينية، وأراه ظاهرة إيجابية.

ولكن ربما يحدث هذا التنوع نوعاً من التضارب والتضاد ويؤدي إلى مشاحنات ويؤثر سلباً؟

لا يأتي التضارب من التنوع وإنما من غياب ثقافة الاختلاف الإيجابي. ثمة فرق بين الاختلاف وبين الخلاف، فالأول أمر طبيعي وجيد ولو توافرت ثقافة راقية لترشيده وتهذيبه ستصل بنا إلى التكامل، وتكمل كل فئة نقص الفئة الأخرى. لكننا نفتقد إلى ثقافة التعامل مع الاختلاف بوعي واحترام.

تلاقح الحضارات

تصفين نفسك بأنك داعية فكرية اجتماعية سياسية دينية، كيف يمكن أن نحافظ على هويتنا العربية الإسلامية في ظل العولمة ومحاولات التغريب وإثارة الفتنة؟

أؤمن بتلاقح الحضارات. استفادت الحضارة الغربية من علماء المسلمين السابقين بشكل كبير وطورتها بآليات ومستجدات الحياة وابتكاراتها العلمية التي تتناسب مع عصرنا وزماننا، وكأن الحضارة الغربية تدفع لنا فاتورة إفادتها من علمائنا في العصور السابقة، فأصبحنا نستفيد منها في كثير من العلوم. لا مشكلة في أن تستفيد شعوب العالم من بعضها، ولكن الأصالة مطلوبة في من يملكون أفضل عقيدة كما يؤمنون. وطبعاً، كل فئة تتصور أنها الأفضل. أتحدث عن المسلمين باعتبار أن هذا التصور موجود عندهم أيضاً، خصوصاً أن المولى عز وجل حفظ القرآن الكريم من التحريف فعليهم أن يأخذوا من الآخرين، ولكن من موقع الأصالة. على سبيل المثال، تقوم الحضارة الغربية على تقديس الذات والأنا، لذلك إذا تصادمت الأمور تعلو نزعة الأنا، وذلك على عكسنا. نحن لدينا ثقافة التضحية والإيثار ونراها في بر الوالدين وصلة الأرحام. نعم، علينا أن نأخذ من الغرب ولكن بوعي وحرص فنتطور ونحافظ على أصالتنا، وهذا أمر يعتمد على أن تكون لدينا رؤية واضحة للكنز الموجود بين أيدينا وهو الشريعة الإسلامية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والقدوات في زمن الخلافة الراشدة.

الإسلام السياسي

يردد البعض أن الاسلام ليس لديه نظام سياسي، خصوصاً بعد تراجع تيار الإسلام السياسي والهجوم عليه في أعقاب الثورات العربية، فما مدى صحة ذلك وما هو موقف المجتمعات المدنية من الحركات الدينية؟

قُدمت بعض الصور في ربيع الوطن العربي، ولكن للأسف كانت صوراً لقطع الرؤوس وهتك الأعراض وقتل الأطفال والأشخاص من دون أن أسمي الجهات والأماكن والأشخاص، سواء مما يسمى بالحركات الإسلامية أو ردود الفعل من الجهات الرسمية الأخرى، ليرانا الغرب كمسلمين نأكل بعضنا، فهو دين يلغي الآخر بمنهجية التكفير، والآخر لا يستطيع احتضان هذه الموجة السلبية وترشيدها بل يبالغ في ردود فعله.

ليس هذا هو الإسلام بل صورة مشوهة عنه ورؤية مغلوطة له. أسّس الإسلام الواقعي في المدينة المنورة كدولة إسلامية مدنية بدستور يتضمن سلطات تنفيذية وقضائية وتشريعية بآليات بسيطة تناسب ذلك الزمان، فالرسول صلى الله عليه وسلم قدَّم النموذج الذي يؤسس للمسلمين مرتكزات نظام إسلامي مدني فذ. أعني، أن ثمة فرقاً كبيراً بين الإسلام وبين المسلمين وممارساتهم السياسية، لأن المسلمين أيضاً مشارب وتيارات وأفهام مختلفة للشريعة وقراءات مختلفة للقرآن الكريم والسنة المطهرة. ينبغي أن نفصل بين الإسلام وبين المسلمين، فإذا أرادت أمة أن تعتنق الإسلام من خلال ممارسات المسلمين، لن تفكر في ذلك أبداً.

هل تعنين أن البعض قدَّم صورة غير حقيقية عن الإسلام؟

بعد الخلافة الراشدة، لم تُعط للإسلام الفرصة كي يواصل التجربة النبوية السياسية في إقامة النظام الإسلامي الذي أسس له نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم. وفي رسالتي للدكتوراه، أردت معرفة موقع المرأة في النظام السياسي الإسلامي، ودورها من خلال الإطار الكبير، فوجدت مذهباً سياسياً ونظاماً، والأخير يقوم على المذهب، وهو مرتكزات أيديولوجية. والمذهب يقوم النظام الإسلامي على المذهب الإسلامي، ولا أقصد سنة وشيعة بل الرؤية الإسلامية ككل، لجميع المسلمين، مرتكز التوحيد {لا إله إلا الله}، والتشريع حق لله تبارك وتعالى لا ينازعه فيه أحد، وأحكام الحياة وكلياتها قد أتى بها القرآن الكريم والسنة المطهرة وهي تأمر بالعدل والمساواة بين البشر وبحرية المعتقد والرأي والحرية السياسية... هذه الأمور كافة لها تأصيل شديد في القرآن والسنة، وهذه المرتكزات أعطت الأسس والمبادئ، وأبرزها أنه لا بد من وجود حاكم منتخب وسلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية. وضع الإسلام أسس النظام الإسلامي المدني الذي يحفظ لليهودي والمسيحي وللجميع حقوقهم، وثمة مواقف كثيرة للصحابة تثبت ذلك. وبعد الخلافة الراشدة، حدثت النكسة السياسية والتراجع. الأصول والقواعد التي ننطلق منها موجودة ولكن الشكل السياسي ترك لمتغيرات الزمان والمكان. السلطة التشريعية مثلاً، قد تمثل في البرلمان أو في مجلسين كما في النظام الأميركي، فالشكل متروك لتطورات الحياة الاجتماعية والسياسية بتعقيداتها لأنها تنمو وتتغير. ثمة مثلاً أحكام ثابتة وأخرى متغيرة. هذه التجربة لم تر النور بموقعها الحقيقي ومرتكزاتها الصحيحة بعد الخلافة الراشدة إلى الآن. نحن في نكسة ويحق لنا أن نتساءل، لماذا وإلى أين؟

يعتقد البعض أن الحكومات هي من يسعى إلى تفريق المجتمع من باب فرق تسد للسيطرة على الأوضاع، ما رأيك بهذا الطرح؟

الحكومات التي لا تقوم على خيار وتأييد شعبي تكون مخلوعة من جذورها، وأعتقد أن ما تعيشه المنطقة الإقليمية من حالة هياج سببه استثمار القوى الكبرى للحراك الذي بدأ شعبياً لأجل الإصلاح، ما يعني أن نوعية الحكام التي كانت سائدة لا تتمتع بأرضية شعبية كبيرة تعتمد على سياسة فرق تسد.

خلل في المناهج

ثمة اتهام للمؤسسات التربوية بأنها تسهم في تفتيت المجتمع وزيادة رقعة الفتنة داخله بما تدرسه من مناهج تربي النشء على التفرقة. هل تؤيدين هذا الاتهام أم ترفضينه؟

للأسف، يشوب بعض مناهجنا هذا الخلل. في منهجي الصفين التاسع والعاشر، تكفير لزوار قبور الأولياء والأنبياء والقول بأنهم عباد أوثان. لهؤلاء منظور عقائدي مختلف، فحينما أمسك المصحف وأقبله، فهل أنا أعبد أو أقدس هذا التجليد؟ هذا تعبير عن حبي للقرآن الكريم. هذه اجتهادات وعلينا أن نحترم معتقدات الآخرين، فلا يلغي بعضنا بعضاً. نعم، بعض مناهجنا فيها أمور جاءت من عقلية لا تمت إلى الإسلام بصلة، تقول بأن من يختلف عني في الاجتهاد والرؤية والفهم والسنة ألغيه تماماً، وهذا غير صحيح. وثمة وصية لأمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام يقول فيها: {الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق}، فلا تسقط أي إنسان مهما اختلف عنك في العقيدة والدين والمذهب والرأي، وهذا هو مبدأ رسول الله والمدرسة النبوية. لكننا لا نجسده. لذلك نحتاج الى انتفاضة ثقافية واجتماعية.

تدينين المؤسسات التربوية التي تربي النشء على هذه الثقافة؟

 

لا أتهم المؤسسة ككل وأقول إنها تربي النشء بهذه الطريقة، فمؤسساتنا مليئة بقيادات رائعة، ولكن بعض المناهج التعليمية والمواد الدراسية يحتوي على هذه الأمور، ونحن نناقش هذه القضية من باب معالجة الظاهرة وليس الإثارة.

ثقافة التسامح

هل تفلح الديمقراطية في محو آثار ثقافة الدكتاتورية التي ترسخت في نفوس المجتمعات العربية؟

علينا أن نعي الفرق بين الإسلام والمسلمين، ولننظر إلى سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته مع بناته وأحفاده وإلى سلوك المسلمين، ولا أقول في عهد الخلافة الراشدة القريبة منه، ولكن بعد ذلك العهد نلاحظ انحراف التجربة السياسية. بالتالي، انحرفت التجربة الاجتماعية معها والحقوقية، ونرى ذلك في كلام حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام جعفر الصادق الذي يُعتبر معلم الفقهاء حينما يرشد الأب إلى معاملة الأبناء على خمس مراحل فيقول «اتركه سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً وآخيه سبعاً واتخذه وزيرك سبعاً». فالعقوبة بحسب النظريات التربوية للطفل قبل السابعة لا تثمر فيه إلا الأذى لأنه لا يفهم ولا يعي الانضباط بالقوانين، ثم أدبه سبعاً ولكن للتأديب شروطاً لا تهدم الذات ولا تهتك. فالضرب آخر وسيلة يمكن أن تستعملها وإذا تركت أثراً يدفع الأب دية للابن ككفارة له، فالشرع رائع ولطيف جداً في المعاملات. لاحقاً، صادقه أو صاحبه لتشكل مساحة مشتركة للمعايشة تستخدم فيها الإقناع كوسيلة، ثم آخيه والأخ لا يفرض على أخيه شيئاً. اليوم يفرح بعض المدربين في التنمية البشرية بنظريات وآليات غربية وهي موجودة عندنا كمبادئ، ولكن ليس لدينا حراك ميداني. مثلاً، كلمة الديمقراطية التي نتشدق بها الآن لدينا بذورها والإسلام أرسى قواعدها منذ قرون طويلة عبر الشورى، لكننا لا نتحرك ونعرف الجواهر الموجودة في ديننا.

دولة علمانية

يرى دعاة التيار المدني أن الدولة العلمانية هي الحل الأمثل للقضاء على التفرقة والاختلاف في المجتمع ووأد الفتنة بدليل أن كثير من الإسلاميين هربوا من دولهم الإسلامية القمعية ويعيشون في بريطانيا ويمارسون حرياتهم بشكل كامل؟

 

هذا الرأي اجتهادي من الذين يتبنون المبدأ العلماني في إقامة الدولة المدنية ويتصورون أنه عندما تختلف الرؤى الدينية يلغى الصراع، ولكن ما يهدم هذه الرؤية أنه حتى في الدول العربية بأنظمتها العلمانية ثمة أحزاب تقدم رؤى ومناهج مختلفة. فالاختلاف موجود وليس هو أصل المشكلة.

 المشكلة أساساً في الإنسان الذي لا يعرف كيف يدير الاختلاف. لو طبق النظام المدني الإسلامي كما كان في العصر النبوي، أراهن أن أصحاب المدارس العلمانية سيتركون دول أوروبا ويعيشون في جنة الدولة المدنية الإسلامية. والى الآن لا يوجد نموذج لها في عالمنا الإسلامي، ولكن تتوافر اجتهادات تصيب في جانب وتخطئ في آخر. لو كانت لدينا أحزاب سياسية منظمة على رؤى دولة وعلى أسس وطنية واحترام الآخر، وكل حزب يجتهد في إبداع آليات لتحقيق هذه الرؤى المدنية العالية على المرتكزات الإسلامية، لرأينا نماذج وحياة أخرى، ولكن التجربة لم تر النور.

فتاوى وفضائيات

هل ساهمت المعارك الكلامية على الفضائيات وسيل الفتاوى من رجال الدين في نشر الفتنة في المجتمع؟

تصدى لتقديم الفتاوى من ليس أهلاً لها. ثمة فرق كبير بين العالم الذي يصل إلى مرحلة القدرة على استنباط الفتاوى الفقهية من القرآن الكريم والسنة المطهرة وفق القواعد والشروط فهذا يحتاج إلى مستوى علمي عالٍ، وبين الذي يتصدر لإعطاء هذه الفتوى. فالأخير لا بد من أن يتمتع بمقدار عالٍ من الفهم والعلم كي يكون مرجعاً دينياً ينشد العدالة. من لديه هذه الرؤية والإمكانات لا يمكن أن يفتي إلا بما يعز الإنسان كإنسان، ولا يعطي الأفضلية للمسلم على أي انسان آخر. فالبعض ممن يتصدون للفتاوى لا يملك هذا المستوى، وأرى أن الحل ليس بإغلاق هذه القنوات ولكن بوضع ضوابط للإفتاء وللإعلام أيضاً فتوضع قوانين تحمي المجتمعات من الاقتتال وإسقاط الآخر.

الخطاب الطائفي المشبع بالقبلية والمذهبية أضرّ بالنسيج الوطني، فكيف يمكن مواجهته وتعزيز الوحدة الوطنية لعودة اللحمة والقضاء على الفتنه؟

بداية، نحتاج إلى ثقافة الوحدة وترشيد وتهذيب الاختلاف في ما بيننا. ليس عيباً أن يعتز الإنسان بقبيلته وأهله أو مذهبه وتياره ورؤاه الفكرية، ولكن العيب أن أقدم مصلحة القبيلة على مصلحة الوطن في حال تعارضهما، وأقدم القبيلة على معيار الكفاءة في مرافق الدولة.

ربما يكون المثال الأبرز لما تقولين ما يحدث في انتخابات مجلس الأمة من استقطاب غير مرغوب به.

وهذا خطأ، لأن الثقافة الوطنية ناقصة. حب الوطن ليس برفع الأعلام وترديد الأناشيد الوطنية فحسب، بل بوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب خدمةً للوطن. نحن نحتاج إلى ثقافة وطنية صحيحة لأنه فعلاً الخطاب الطائفي أضر بالنسيج الوطني وعلينا مواجهته بشكل عملي بنشر الثقافة الوطنية. ثم يأتي الحراك لإقامة مشاريع وطنية مشتركة تصبّ في مصلحة أفراد المجتمع وجميع الفئات ويقيمها أبناء الوطن كافة. نحن نقدم هذه الرؤية في الرابطة الوطنية، حيث تجد أن مجلس الإدارة من مختلف الألوان الفكرية أو المذهبية أو العمرية أو «المناطقية»، لأننا بهذه التشكيلة لدينا خطة سنوية تهدف إلى خدمة جميع محافظات ومناطق الكويت، وليس العاصمة فقط كما يحدث في بعض الجمعيات حيث نلاحظ أيضاً أن بعضها يمثل اتجاهاً طائفياً أو قبلياً معيناً.

يتطلب المستقبل في الدول العربية إرساء دولة القانون وتحقيق العدالة وتطويق أوجه الفساد، هل ترين إمكان تحقيق ذلك في ظل الأوضاع الراهنة؟

نعم أرى ذلك، ولكن على أساس أن التحديات تفرز الحلول للإنسان الذي يحب وطنه وأهله. ولاحظ أن الحراك الشبابي ليس في الكويت فحسب، ولكن في إقليمنا الإسلامي والعربي ككل. بعد التجارب المريرة التي خاضوها والآمال ثم الخيبة، فالشباب سيشقون طريقهم ويعلون على المآسي كافة التي أعتقد أنها ستعيدنا بحول الله وقوته إلى حقيقة الدولة المدنية التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي لم يوجده الله عبثاً في حياة المسلمين وإنما لأجل إسعاد البشرية كلها. التحديات تخلق الآمال والمعجزات، والحلول آتية إن شاء الله ولو بعد حين.

ممارسات الإعلام

أدى بعض وسائل الإعلام دوراً سلبياً في تعميق الفرقة بين الشعوب وإثارة الفتنة، هل توافقين على هذه الفكرة.

نضع ممارسات الإعلام في الجانب السلبي أحياناً لأنها لا تسعى إلى ترشيد الاختلاف كي نصل إلى التكامل، وليس النزاع والخلاف. ويمثل هذا الإعلام السلطة الرابعة التي من المفروض أن تكون منضبطة بضوابط رؤية الدولة وخطتها المتكاملة. كانت لدينا الخطة الخمسية من 2009 إلى 2014، والمفروض أنها تملك رؤية واضحة وتترجم إلى أهداف في جميع المجالات: السياسية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية. كان ينبغي أن تنبع من القاعدة الشعبية ممثلةً بجهات العمل والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، لكن لم تأت الخطة نابعة من المجتمع ومؤسساته ولم تملك آلية واضحة لترشيد المجتمع وتوجيهه إلى رؤى سمو الأمير وتطلعاته في أن تتحول الكويت إلى مركز تجاري ومالي. وانتهت للأسف، لم تحقق شيئاً من مقاصدها وأهدافها.

لو كان الإعلام يملك رؤية الدولة وآليات الوصول إليها لأصبح إعلاماً هادفاً يوجه أذهان الناس من خلال مواده الإعلامية من أخبار وتقارير وبرامج إلى الهدف الذي ينشده الجميع ويصبّ في صالح رؤية الدولة والتي بدورها تجعل التباينات بناءة ومتكاملة في تحقيقها. وإذا فقدت البوصلة فسيصبح الخبر أو التوجه الإعلامي غير هادف ويتحول إلى الإثارة وتحقيق السبق لوسيلة الإعلام بغض النظر عما إذا كان الناتج سلبياً أو إيجابياً، يثير الفتنة أو يحافظ على النسيج المجتمعي ويلم الشمل. الناس، خصوصاً الشباب، يحبون الأخبار التي تحتوي على الإثارة، وهنا نتحول إلى المراهقة الإعلامية التي تؤدي بنا إلى الفرقة والفتن بعد صبّ الزيت على النار، وهذا ما حدث عندنا.

back to top