حرب الإرادات بين الولايات المتحدة وإيران

نشر في 13-02-2014
آخر تحديث 13-02-2014 | 00:01
كشف تقرير أن طهران، حتى لو فككت على نحو لا رجوع عنه، 80% من أجهزة الطرد المركزي الـ19 ألفاً المجهزة حالياً، تستطيع خلال ستة أشهر تطوير القنبلة. لكن روحاني رفض حتى هذه الشروط المتساهلة، معلناً أن إيران لن تفكك أي أجهزة طرد مركزي «مهما كانت الظروف».
 ريل كلير حذر مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس ر. كلابر، الكونغرس قبل أيام من أن تقدم إيران التقني نحو بناء أسلحة نووية تحملها صواريخ "يشكل المحور الأساسي في إرادتها السياسية لتحقيق هذا الهدف". وفي اليوم عينه، أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما تحذيره الخاص، مخبراً الكونغرس أنه سيعرقل أي تشريع يفرض عقوبات جديدة على إيران، في حال مضت قدماً في برنامجها النووي. صحيح أن أوباما تعهد بأنه "سيكون أول مَن يدعو إلى المزيد من العقوبات، وأنه مستعد لتطبيق كل الخيارات" في حال أخفقت المساعي الدبلوماسية، إلا أن مكانة الولايات المتحدة تتراجع بسرعة، على ما يبدو، في صراع الإرادات مع طهران.

لا تُعتبر إيران ملزمة، وفق خطة العمل المشتركة التي أُعلنت في نوفمبر عام 2013، إلا بتوقف تكتيكي عند العتبة النووية، ما يعني أنها قادرة على تطوير سلاح نووي في غضون شهرين. وكشف تقرير صدر أخيراً أن طهران، حتى لو فككت على نحو لا رجوع عنه 80% من أجهزة الطرد المركزي التسعة عشر ألفا المجهزة حالياً، تستطيع في غضون ستة أشهر تطوير القنبلة. لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني رفض من جهته حتى هذه الشروط المتساهلة، معلناً أن إيران لن تفكك أي أجهزة طرد مركزي "مهما كانت الظروف".

بالإضافة إلى ذلك، سمحت الصفقة المؤقتة لإيران بأن تلتقط أنفاسها بعد أن تعرضت لعقوبات دولية خانقة. فقد تجاهلت إيران موقف الولايات المتحدة، الذي شدد على أن "طهران غير مفتوحة أمام الشركات ورجال الأعمال". فاستضافت خلال الأسبوعين الأولين من عام 2014 عدداً من الوفود التجارية يفوق كل ما استقبلته السنة الماضية. كذلك يعكس اقتصادها علامات تعافٍ واضحة. وبما أن المفاوضين الإيرانيين والأوروبيين يقترحون تمديد الفترة المؤقتة التي حددتها خطة العمل المشتركة، يبدو قادة طهران واثقين بأنهم يستطيعون التعويل على سنة على الأقل لتقويض العقوبات.

تستغل إيران ببراعة مكانتها المتنامية. ففي الأشهر التي تلت الإعلان عن خطة العمل المشتركة، طورت إيران أجهزة طرد مركزي من الجيل التالي تتمتع بقدرة أكبر على تخصيب اليورانيوم. كذلك عملت مع أعوانها في "حزب الله" على نقل صواريخ مضادة للسفن إلى لبنان، وواصلت دعمها حرب الرئيس السوري بشار الأسد ضد الشعب السوري. وحاولت أيضاً تهريب السلاح إلى المتمردين في البحرين.

بينما يستعد القادة الإيرانيون للجولة المقبلة من المحادثات، تهدد هفوات الدبلوماسية الأميركية بتعزيز ثقتهم لتفوق بفداحتها الشروط المتساهلة التي تضمنتها الصفقة المؤقتة.

تبدو إيران متورطة إلى أبعد الحدود في سورية، حيث عادت معضلة خط الرئيس أوباما الأحمر عام 2013 بشأن الاعتداءات التي نفذها بشار الأسد، مستخدماً أسلحة كيماوية، إلى نقطة الصفر. فقد اتضح أخيراً أن الأسد لن يلتزم بالمهل المحددة وفق الخطة الأميركية- الروسية لتدمير أسلحته الكيماوية، ولن يكف عن ذبح المدنيين السوريين. ومع أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أقر، وفق بعض التقارير، بأن السياسة الأميركية أخفقت في سورية، لم تقدم الإدارة أي رد ذي أهمية على إستراتيجية ادعاء الخسارة لتحقيق الفوز التي اعتمدها الأسد في التعاطي مع مساعي واشنطن الدبلوماسية.

ترى طهران أيضاً رد فعل واشنطن الباهت تجاه انتهاك روسيا الواضح اتفاقية "القوى النووية متوسطة المدى" لعام 1987 بإجرائها تجارب على صاروخ جوال جديد يُطلَق من البر. فقد تفادى البيت الأبيض الإقرار علانية بهذا الانتهاك لاتفاق بالغ الأهمية في مجال ضبط الأسلحة، وذلك مخافة أن يقوض أي محادثات مستقبلية مع روسيا بشأن خفض الأسلحة النووية، علماً أن الروس سبق أن رفضوا محادثات مماثلة.

وما دامت إيران تعتقد أن البيت الأبيض يفضل العملية الدبلوماسية على النتائج الواقعية، فإنها لا تملك أي سبب لتظن أن أوباما يتمتع بالإرادة السياسية "لتطبيق كل الخيارات كي يحرص على ألا تبني إيران سلاحاً نوويا".

نتيجة لذلك، بات على الأميركيين، الذين ينتقدون هذه السياسة الفاشلة، أن يصوغوا خطة عمل خاصة بهم، خطة تعمل تضمن رجوع إيران عن التقدم الذي حققته في برنامجها النووي.

من الضروري أن يواصل مؤيدو تبني سياسة ذات طابع منطقي في الشأن الإيراني العمل من أجل ما وصفه السيناتور روبرت منينديز (ممثل نيوجيرسي الديمقراطي) بأنه "بوليصة تأمين دبلوماسية" في حال رفضت إيران تفكيك برنامجها النووي. ففي شهر ديسمبر عام 2013، طرح السيناتوران منينديز ومارك كيرك (ممثل إلينوي الجمهوري) مشروع قانون "إيران خالية من السلاح النووي لعام 2013"، علما أن هذا القانون سيفرض عقوبات قاسية جديدة على إيران، في حال انتهكت شروط الصفقة النووية المؤقتة أو رفضت التفاوض بحسن نية للتوصل إلى اتفاق شامل. ورغم تهديد الرئيس الأميركي باللجوء إلى حق النقض (الفيتو)، من المرجح أن يعيد عناد إيران مشروع القانون هذا وتشريعات مماثلة إلى أجندة الكونغرس في وقت لاحق من هذه السنة.

علاوة على ذلك، يجب أن يحدد الكونغرس الحد الأدنى من الشروط المقبولة في الاتفاق الشامل. فحتى لو تراجعت إيران عن موقفها الرافض للتفكيك، يجب ألا ترضى الولايات المتحدة بصفقة سيئة تضع طهران على بعد بضعة أشهر فحسب من بناء قنبلة. ومن الخطوات المباشرة التي يستطيع الكونغرس اتخاذها دعوة إدارة أوباما إلى تحديد "حاجات إيران العملية" لتطوير برنامج نووي مدني، والأسباب التي تجعل تخصيب اليورانيوم غير فاعل بالنسبة إلى إيران بقدر ما هو خطير بالنسبة إلى العالم.

من الضروري أيضاً التشديد على استهتار إيران بالتزاماتها بموجب الاتفاق المؤقت واستفزازاتها المتواصلة في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة وغيره من المناطق. ستفصل التقارير الدورية الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران نشاط طهران النووي بين نهاية خطة العمل المشتركة في شهر نوفمبر عام 2013 وتطبيق الاتفاق في 20 يناير، فضلا عن تواصل نمو مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى نسبة 3.5%.

أخيراً، علينا أن نتراجع عن الاقتطاعات الدفاعية التي تلحق الأذى بقدرات الولايات المتحدة العسكرية؛ فإذا عجزت الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها الأساسيين أو لم تتمكن من إجراء عمليات عسكرية، فلن يحمل تحذير إيران والتأكيد لها أن "كل الخيارات" مطروحة على الطاولة أي مصداقية. أُثير هذا الخطر خلال مناظرة صيف عام 2013 بشأن سورية، حين حذرت وزارة الدفاع الأميركية من أن الاقتطاعات في الميزانية وتخفيف الجاهزية يشكلان مصدر قلق كبيراً.

على الولايات المتحدة أن تجتاز درباً طويلاً لتعوض عن تراجع موقفها في مواجهتها مع طهران. لكنها لن تنجح في اجتياز الطريق الكامن أمامها ما لم يتبن منتقدو السياسة الحالية أجندة هدفها كسر إرادة إيران وعرقلة سعيها لتطوير سلاح نووي.

Christopher Griffin

back to top