أخطار ما بعد كركوك

نشر في 12-07-2014
آخر تحديث 12-07-2014 | 00:01
 عبداللطيف مال الله اليوسف ما إن فرغ الأكراد من بسط سيطرتهم على مدينة كركوك إثر انهيار الجيش العراقي المكلف بحمايتها حتى استعاد هذا الجيش رباطة جأشه، وبادر إلى شن العمليات القتالية ضد جيش الدولة الإسلامية (داعش) الذي لم يدخل محافظة كركوك، وانشغل بقتاله عمن اغتنم الفرصة من الأكراد لتثبيت سيطرتهم على كركوك وتفعيلها، بعد أن ادعوا في البداية أن دخولهم كان بحجة حمايتها، ثم تشبثوا بها حتى بعد أن استعاد جيش الدولة قدرته على حماية هذه المدينة، مما يكشف سوء الإعداد لهذا السيناريو، إذ ينهار الجيش ما بين ليلة وضحاها ثم يستعيد عافيته ما بين ليلة وضحاها.

كما في مقالنا "كردستان الكبرى" عام 2008 حذرنا من أن الأكراد سيستولون ذات يوم على كركوك وديالى ونينوى، وقلنا من ضمن ما قلناه إنه إذا كان العراقيون يرون في تطلعات الأكراد ضربا من الخيال فلطالما اعتبر الفلسطينيون تطلعات الصهاينة ضرباً من الخيال، إلا أن البعض اعتبر مقالنا في ذلك الحين تجنياً منا على الأكراد ورمياً لهم بالانتهازية.

اليوم وقد استولى الأكراد على كركوك الغنية بالنفط فقد أقاموا الدليل على أنه لا مكان للمبادئ والقيم في عالم السياسة، فقد انتهزوا حالة الانهيار المصطنع من الجيش الحكومي وزحفوا عليها لضمها نهائيا إلى إقليم كردستان، إذ صرح مسعود برزاني أنه سيحمل البندقية حفاظاً على هذه المدينة، وأنهم من ضمهم لها لن يتحدثوا عن المادة 140 من الدستور العراقي المعدل في عام 2005م، والتي تنص على أن إقليم كردستان يتكون من محافظات السليمانية وأربيل ودهوك والأراضي المتنازع عليها، وهو يعلم أن هذه المادة قد انتهى سريانها في عام 2007م، وأن المادة 53 من قانون إدارة الدولة تضعها وتضع بغداد في وضع خاص يمنع ضمهما إلى أي محافظة، وأنهم عندما يعدون بعدم التطرق إلى هذه المادة مستقبلا إنما لطمأنة السذج من العراقيين وصرف أنظارهم عن حقيقة نواياهم، وعما يخططون ويضمرون تحقيقه كلما سنحت لهم الفرص في مقبل الأيام.

ماذا بعد كركوك؟

لن يجد الأكراد حكومة أكثر من حكومة المالكي تفريطاً بمقدرات العراق، فقد استولى الإيرانيون على حقل الفكة النفطي العراقي، وحولوا مجرى نهر الوند حتى لا يدخل إلى الأراضي العراقية، ومع ذلك لزمت الحكومة العراقية الصمت إزاء هذا الاعتداء، ثم آوى الأكراد العراقيون مقاتلي حزب العمال التركي في داخل أراضي كردستان حماية لهم من تعقب القوات التركية، ولم توبخ حكومة المالكي أي طرف كردي على هذا التجاوز؛ مما يؤكد للأكراد أن هذه الحكومة مستمرة في تسديد فواتير مساندتهم لها، وسيغريهم هذا على المضي قدما لضم كركوك كمحافطة ومحافظتي ديالى ونينوى كذلك.

سيستأثر الأكراد إذا ما تسنى لهم تحقيق مآربهم بإقليم مساحته 125 ألف كم مربع، بزيادة قدرها 42 ألف كم مربع، تمثل مساحة المحافظات الثلاث الجديدة؛ إقليم يضم السهل والجبل وأكثر الأراضي العراقية خصوبة وثروات نفطية يقدر إنتاجها بما يزيد على 2 مليون برميل يوميا.

إن السماح للأكراد بضم محافظات كركوك وديالى ونينوى يعني السماح لهم بتكوين دولة مستقلة كل الاستقلال عن دولة العراق، وهذا هو أخطر ما غفلت عنه الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سقوط العراق، ومنذ 28 يونيو 2004، تاريخ أول حكومة عراقية برئاسة علاوي، اعتمدت هذه الحكومات وبالتدريج سياسة تهميش وإقصاء مكوني العرب والسنّة والتركمان، وأطلقت العنان للمكون الكردي حتى تغول تغولاً مكنه من التحدي والسيطرة.

إن قيام دولة كردية يعني وجود دولة مصب للمياه المتدفقة من هضاب الأناضول التركية، ولن يقتصر الأمر على دولتي المصب الحاليتين سورية والعراق، بل ستكون هناك دولة ثالثة لها تطلعاتها الزراعية ومشاريعها من السدود والحواجز، وهذا سيفاقم من مشاكل العراق المائية، حيث ستقع تحت سيطرتها مجاري الأنهار؛ دجلة والزاب الكبير ونهري دهوك وديالى ونهري الغراف والخابور، وكلها أنهار تغذي الوسط والجنوب العراقيين، وسيحرم ما يقارب 30 مليون عراقي في مقابل الوفرة المائية التي سيتمتع بها المكون الكردي الذي لا يتجاوز تعداده 5 ملايين نسمة، إنها لعملية إفقار يتعرض لها العراقيون طرفاها النفط والمياه.

back to top