الابتكار الفرنسي في مسيرة السلام

نشر في 23-11-2013
آخر تحديث 23-11-2013 | 00:01
على ما يبدو أن هناك سياسياً في باريس قرأ اتفاقيات أوسلو واكتشف أنها تُصنف صراحة المستوطنات بين قضايا الوضع النهائي، شأنها شأن قضية اللاجئين. ولا تُعتبر إسرائيل ملزمة خلال هذه الفترة بالتوقف عن بنائها.
 كومينتاري    برهنت فرنسا للمرة الثانية خلال أسبوعين أنها اللاعب الغربي الأكثر جدية في مجال السياسة الخارجية. أولاً، عرقلت صفقة نووية كارثية مع إيران. وطرحت اليوم الفكرة الأكثر ابتكاراً التي سمعتها منذ سنوات بهدف تسهيل الدبلوماسية الإسرائيلية- الفلسطينية.

خاطب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال كلمة ألقاها في رام الله، قائلاً: تظن أن بناء المستوطنات الإسرائيلية يقوض فرص حل إقامة دولتين، لذلك من الضروري وقفه. أوافقكم الرأي. لكن الإسرائيليين يظنون أن هذه الفرص تتضاءل أيضاً بسبب مطالبتكم بنقل ملايين الفلسطينيين إلى إسرائيل (أي "حق العودة"). إذن، لمَ لا تقايضون حق العودة بتجميد المستوطنات؟

من ميزات هذا الطرح في المقام الأول أن سياسياً في باريس قرأ على ما يبدو اتفاقيات أوسلو (علماً أن هذه حالة نادرة بين الدبلوماسيين الغربيين) واكتشف أنها تُصنف صراحة المستوطنات بين قضايا الوضع النهائي، شأنها في ذلك شأن قضية اللاجئين. ولا تُعتبر إسرائيل ملزمة خلال هذه الفترة بالتوقف عن بنائها. عندما ندرك هذا الواقع، يتضح لنا أن تجميد المستوطنات بدون أي مقابل لن يُفلح. فما من مفاوض عاقل يقدم تنازلات كبيرة مسبقة لا مقابل لها في إحدى قضايا الوضع النهائي الكبرى. لذلك اقترح هولاند عملية مقايضة مهمة يقدم فيها كلا الطرفين تنازلات في إحدى قضايا الوضع النهائي المهمة.

لا شك في أن هاتين المسألتين ليستا متساويتين. فتدفق أكثر من خمسة ملايين فلسطيني إلى إسرائيل سيجعل حل إقامة دولتين مستحيلاً، ومحولاً الدولة اليهودية إلى دولة فلسطينية ثانية. في المقابل، لا تمنع المستوطنات إقامة دولة فلسطينية. حتى كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، أقر بأن المستوطنات تشغل 1.1في المئة فقط من مساحة الضفة الغربية. ولكن بما أن الفلسطينيين أعلنوا مراراً أن تجميد المستوطنات يُشكل إحدى أهم أولوياتهم، تمنح عملية المقايضة هذه كلا الطرفين أمراً يسعيان إليه. وهنا يكمن الابتكار الأهم في اقتراح هولاند: للمرة الأولى خلال المحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية التي بدأت قبل عشرين سنة، يقترح قائد غربي تنازلات متبادلة بدلاً من أن يطالب إسرائيل بتقديم التنازلات بمفردها.

لنقارن هذا الطرح ببعض اقتراحات "صنع السلام" التي طرحتها إدارة أوباما:

• على إسرائيل أن توافق مسبقاً على حدود تستند إلى خطوط عام 1967. بكلمات أخرى، يجب أن تقبل إسرائيل بكل مطالب الفلسطينيين المرتبطة بالأراضي مسبقاً من دون أن تحصل على أي مقابل.

• على إسرائيل والسلطة الفلسطينية التفاوض بشأن صفقة تقتصر على مسألتَي الحدود والأمن، من دون حل قضايا مثل القدس واللاجئين وإنهاء الصراع. بكلمات أخرى، بدل مقايضة الأراضي بالسلام، على إسرائيل أن تتخلى عن الأراضي من دون أي مقابل. علاوة على ذلك، يجب أن تتنازل عن ورقة المقايضة الوحيدة التي تملكها خلال المرحلة الأولى من المفاوضات. وهكذا لا تعود تملك ما تساوم به للحصول على تنازلات من الفلسطينيين بشأن مسائل حيوية، مثل قضية اللاجئين.

• ينبغي أن تحرر إسرائيل 104 قتلة فلسطينيين كي تتنازل السلطة الفلسطينية وتقبل بالتفاوض. أصاب خبير المفاوضات الإسرائيلي موتي كريستال بتشبيهه هذه الخطوة بالدفع "بالعملة الصعبة مقابل لا شيء". بالإضافة إلى ذلك، علق الفلسطينيون مؤقتاً حملتهم ضد إسرائيل في الوكالات الدولية، إلا أنها ستُستأنف في غضون تسعة أشهر. ولكن لا يمكن إعادة توقيف السجناء الفلسطينيين.

• الحق يُقال، لن تكون مساهمة اقتراح هولاند في إحلال السلام أكبر مما حققته أفكار أوباما لأن الفلسطينيين ليسوا مستعدين للقيام بأي تنازلات. فقد أخبر عباس هولاند أنه لا يملك صلاحيات التخلي عن موقف جامعة الدول العربية بشأن اللاجئين، ما يثير سؤالاً بديهياً: ما فائدة المحادثات الراهنة إن كان لا يملك الصلاحيات الضرورية للتفاوض؟

رغم ذلك، يقر الاقتراح الفرنسي على الأقل بالواقع الجلي: يتطلب السلام تنازلات من كلا الطرفين، لا من أحدهما فحسب. وهذه خطوة أولى ضرورية. ولكن ما دام العالم يؤيد الرفض الفلسطيني من دون أن يطالب بأي تنازلات، كما تفعل الإدارة الأميركية، فلن يملك الفلسطينيون أي دافع ليقدموا التنازلات من تلقاء ذاتهم.

Evelyn Gordon

back to top