الشاعرة المصرية سلمى فايد: التراجع أصاب الأجناس الأدبية كافة

نشر في 15-12-2013 | 00:02
آخر تحديث 15-12-2013 | 00:02
أصدرت الشاعرة المصرية المقيمة في كردستان العراق مجموعة شعرية بعنوان {عزلة الغريب} (الدار العربية للعلوم) وهي الثالثة لها، وتحاول من خلالها، وكما في قصائدها السابقة، اكتشاف المعنى في القصيدة، والبحث عن الآخر واكتشاف الذات. معها هذا الحوار.
برأيك لماذا تراجع دور الشعر كوسيلة للتعبير لمصلحة الرواية وأجناس أدبية أو فنون أخرى، وبات هناك شعراء كثر وشعر أقل؟

 

من الطبيعي أن يُصبحَ الشِّعر أقل الفنون جمهورا، ولكن على أيّ حال لا يُمكن أن يوجد شاعر بلا جمهور مهما بلغت قلّة عدده، أما لماذا تراجع الشعر أمام الأشكال الأخرى من الكتابة، فإنّ السبب في هذا الأمر ربما ينقسم إلى أربعةِ أقسام، القسم الأوّل أمر معلوم وهو أنّ الشِّعر في الأصل فنّ مسموع، فهو يعتمد على الموسيقى بشكل كبير، ومنذ نشأته كان مسموعا، ولكن لأسباب عدة تحوّل إلى مقروء.

القسم الثاني يُسأل عنه الشاعر، عمّا إذا كان يُقدّمُ فنّا يليقُ بعصرهِ ويحترم عقلية المُتلقّي الحاليّ، أم يبتعد بما يُقدّمه ويسبح في فضاءات لا يستطيع المتلقّي بلوغها.

القسم الثالث فيُسأل عنهُ الجمهور، إذا ما كان يبحث عن فنّ يرتقي بذائقتهِ وبفكرِه، أم يبحث عن تسلية سريعة، يقتلُ بها ملل وسائل المواصلات وأوقات الفراغ، وعمّا إذا كانَ بالفعل هذا الجمهور يُقدّر  الكتاب أم أنّه بالنسبةِ إليه أصبحَ عادة سيئة من عادات «المُعقّدين» كما يقول إخواننا وأصدقاؤنا الذين أصبحوا يتفاخرونَ بأنّهم لا يُحبّون القراءة!

وأخيرا، يُسأل الإعلام والحكومات عمّا تسعى بالفعلِ إلى تقديمه لشعوبِهم، هل هو الفنّ المتدنّي الذي يُربكُ تفكير الحشود ويتدنّى بقدراتها الفكريّة كوسيلة من وسائلِ الإلهاءِ وتخدير العقول، أم هو فنّ يبحث عن الحقائقِ ويُحرّض الأذهان على التأمّل والتفتّح والارتفِاعِ بالإدراك والرؤية.

وبكلّ تأكيد التراجع لم يُصِب الشعر الجيد فقط، وإنما أصاب بشكل ما جزءاً كبيراً من أشكال فنّ الكتابةِ الجيّدة، فلعلّنا بسؤال عدد من الشباب الذين يُمثلون الفئة ما بين 20-35 سنة عمّا إذا كانوا يعرفون المطرب ذائع الصيت «س»، والروائيّ ساراماغو، والشاعر المُهمّ محمود درويش، ففي الغالب ستأتي الإجابة أنهم يعرفون المطرب ولا يعرفون شيئاً عن الاسمين الآخرين!

من أي مدرسة شعرية بدأت التأسيس وتكوين تجربتك الخاصة؟

تعلّقتُ بالشِّعر مبكّرا، وأُتيحت لي قراءة الشِّعر الجاهليّ والعبّاسيِّ في فترة مُبكّرة، ثمّ تدرّجت القراءة في الشِّعر والاطلاع على المُتاحِ منه مع تطوّر المراحل العمريّة لي، وأوّل من قلّدته كان نزار قبّاني وهذا كان تقريبا في عُمر مُبكّر جدا فور عودتي إلى مصر عام 1997، ثم انصرفتُ لتعلّق كبير بالعظيم أمل دنقل، واستمرّ التنقّل بين الأسماء الشِّعريّة، والرغبة في قراءة كلّ المتاح من نتاج الشِّعر العربيّ، حتّى بدأتُ أجدَ صوتي الباحث بقوّة عن هويّة خاصّة به.

 

هل المرأة حين تكتب الشعر، تعطيه زخماً وحضوراً لدى القارئ أكثر من الرجل؟

في الشِّعر لا أعترف للمبدع بالتأنيث أو التذكير، فالشّاعر الحقيقيّ يبحثُ عن جوهر الشِّعر ويحقّق مشروعه أيّاً كان نوعه، فاللغة واحدة، والتأمّل في الإنسان والطبيعة والعالم والوجود من حقّ الجميع.

يلاحظ من خلال تجربتك أنك بعيدة نسبياً عما يسمى شعراء الحداثة في العالم العربي، وأكثر ميلا إلى الشعر الإيقاعي، لماذا؟

الإيقاع في الشِّعر ليس ضدّا للحداثة على الإطلاق، وهُنا يأخذنا السؤال لنظريّة الشّكل والمضمون، فالحداثة، كما أعتقد، هي حداثة المضمون والشّكل على حدّ سواء، ولكن، في اعتقادي وربما يُشاركني في الرأي كثيرون، أنّ المضمون هو ما يعني الشّاعر أوّلا، وهو بكلّ وضوح ما يعنيني قبل الشّكل. ربما يُكتبُ نصّ ما بمضمون كلاسيكيّ لا يرى العالمَ في صورته الأخيرة إطلاقاً ويكون من حيث الشّكل حديثاً، فأين الحداثة في هذا؟

أعتقد أيضاً أنّ لكلّ شاعر شكلاً يراهُ الأقرب إلى روحهِ الشاعرة، ولكن لابدّ من التجربة، فالشاعر لا يستريح أبد، بل يستمرّ في قلقِهِ للبحثِ وراء كلّ شيء، وخوضِ تجارب جديدة لاكتشافات مستمرّة دائماً، فالشاعر لا يعرف الحذر، كما كتبتُ في قصيدةِ «الشِّرك»:

خطرُ الخسارةِ حُفرةٌ

حُفِرَتْ على وجهِ الحذر!

أمّا عمّا إذا كانت قصيدتي قصيدة حداثية أم كلاسيكيّة، فأتركُ هنا الإجابة للمتلقّين الواعين والنقّاد.

هل لديك مفردات خاصة في حياتك تتناولينها في قصائدك باستمرار؟

عادة ما يتأثّر الشّاعر بكلّ ما يُعايشهُ من بيئات وأشخاص وتجارب، ولحُسن حظّي أنني لست من أبناء المدينة، فكما قال باشلار «لكلّ شاعر غنيّ لابدّ من طفولة غنيّة» والمدينة لا تحقّق هذه الصّورة. أعتقدُ أنّ ما أكتب يدلّ عليّ وعلى المراحل الحياتيّة التي كُتبَ خلالها، بكلّ ما فيها من تفاصيل، فالشِّعر هو اعتراف اللاوعي، غيبوبة يُفيق منها الشّاعر ليجدَ نفسهُ قد أفصحَ عمّا بداخلهِ بلا إرادة في كثير من الأوقات وربما في أغلب الأوقات. تتعدّد الرموز وتتعدّد التفاصيل في تجاربِ الشّعراء ويشتركون فيها ولكنها دائماً ما تحمل دلالاتها في التجربةِ الخاصّة بكلّ شاعر، تحتوي قصائدي على الصحراء، الأرض، التراب، الموت، الحياة، الصخر، الحصان، الفَراش، المَرايا، الصورة... تبدو الرموز أو المعاني المجرّدة بسيطة، ولكنّني أعتقد دائماً أن الرمز في سياق القصيدة هو مفتاح اللغز.   

برأيك ما سبب الاهتمام بقصيدة «لا تصالح» لأمل دنقل، هل قيمته الأدبية أم أنها أصبحت موقفاً سياسياً؟

تجربة الشاعر العظيم أمل دنقل الكاملة، في رأيي، في غاية الأهمية في سياق الشِّعر العربيّ الحديث، و»لا تُصالح» مع أهمّيتها التاريخيّة والفنيّة، ربما، لم تحظَ بهذا الصخب من إمعانِ النظرِ والقراءةِ سابقاً، هذا بالتأكيد يعود إلى نشاط ملحوظ في الحركة الثقافية في الفترة الأخيرة ناتج كردّ فعل منطقيّ للأحداث المتواليّة السريعة اجتماعياً وسياسياً، ولقراءة القصيدة من زاوية سياسيّة أيضاً، ولكن هذا بقدر ما هو جيّد، فهو يدلّ أيضاً على التقصير الذي عوملت به تجربة «أمل دُنقل» كغيرها من تجارب مهمّة سواء في الشّعر أو المسرح أو الروايةِ... إلخ، نظراً إلى الأسباب التي طرحناها في البحث عن إجابة للسؤال الأوّل.

هل بدّل «الفيسبوك» في تجربة نشر الشعر لديك؟

مواقع التواصل عبر الشبكة العنكبوتية مُفيدةٌ إلى حدّ ما، هي كما تُسمّى، «مواقع تواصل» لا أكثر، تُسهم بالتأكيد في نشرِ جزء من إنتاج الشّاعر الشّاب والإعلان عما لديه والدعوة إلى الفعاليات الأدبيّة وما إلى ذلك، ولكنّها لا تحلّ بأيّ حال محلّ النشر الورقيّ.

ما الذي يجعل شاعرة مصرية من أم الدنيا تلجأ للعيش في اقليم كردستان؟

قدر الشّاعر لا أكثر، الاغتراب، وتجربة فراق الوطن، ولكنها بأيّ حال ستبقى تجربة مهمّة، العراق بلدٌ نُحبّه ونقدّره، له حضارتهُ وتاريخه المركزيّ في تاريخ بلادنا العربية، وكردستان خصوصاً له طبيعة تُشبه إلى حد كبير الطبيعة التي عشتُ فيها طفولتي في البلد التي أحمل له حباً خاصاً جداً عُمان، وهذه أيضاً صُدفة قدريّة، تشغل الذات الشاعرة إلى حد كبير.

ما الذي لفتك في الشعر الكردي؟

الشّعر الكرديّ في حدود ما أتيحَ حتى الآن، يُشبهُ الشخصيّة الكرديّة جداً، ويحملُ طبيعة هذه البلد بشكل جميل، شعر له شاعريّته الخاصّة، مرادفاتهِ المأخوذة من بيئته، وبحثه المستمرّ عن الذات والهُويّة.

ماذا يعني الموت والوطن في الشعر؟

الموت هو غاية الباحث عن الحقيقة، وهو التجلّي الأخير للحكمة، كما قال عنه سُقراط، وكثيرون غيره من فلاسفةِ، وهو قضيّة تُهمّ الشّاعر الذي يبحث من خلال قصيدته عن أبواب تؤدّي إلى معرفة الحقيقة أو جزء منها، الموت يُعتبرُ بالنّسبة إلي الاكتشاف الأكبر والأهم، يتكرّر بشكل غير مقصود تماماً في قصائدي. أما الوطن، فهو هُويّة الشّاعر الإنسان، الشّاعر يجد الوطن في اللغةِ، والحبّ، والأرض، والقصيدة، وفي البحث عن المعرفة، الشّاعرُ يكتبُ معاناته، والوطن جزء من معاناتنا، ومعنى يتكرّر أيضاً في قصائدي برموزِ مختلفة.

من هو الغريب بالنسبة إليك؟

كلّنا غرباء في اعتقادي، لأنني أعتقد أنّ الإنسان دائم البحث عن حقيقته، عن ذاته، وأصله، وسبب وجوده، والشّاعرُ دائم الإحساس بالاغتراب، لذلك لا يكفّ عن البحث عن ذاته، ودائماً ما لا تُفلحُ محاولاته لأنّه مستمر في التجريب والاكتشاف، نفسهُ تُعتبرُ اكتشافاً من اكتشافاته، وإن وصل إلى حلّ لغز ذاتِه انتهت تجربته.

وهل المعنى هو الأساس في القصيدة التي تكتبينها؟

المعنى جزء من الاكتشاف، والبحث في العُمق هو ما يُهمّني إلى حد بعيد، فنحنُ نبحث دائماً وراء المعاني والأصول، كلّما حاولَ الشاعر الوصول إلى معرفة معنى ما أخذته التجربة إلى متاهات جديدة، يصنعُ الصُّورَ حتى يحاول من خلالها أن يتبيّن أقربَ الأشكال لمعنى الشيء الذي يريده، ولذلك فرحلة بحث الشاعر عن الحقيقة لا تنتهي.

back to top