تقرير اقتصادي: ضريبتا «الشركات» و«المضافة» مستحقتان لتنمية الإيرادات غير النفطية... فأحسنوا تطبيقهما

نشر في 19-12-2013 | 00:05
آخر تحديث 19-12-2013 | 00:05
No Image Caption
• يجب مراجعة الدعم وأسعار الكهرباء وإيجارات أملاك الدولة   • 93% نسبة اعتماد الكويت على النفط وهي الأعلى عالمياً

يتمثل التحدي الحقيقي للكويت خلال السنوات المقبلة في قدرة الدولة على زيادة الإيرادات غير النفطية من خلال إقرار مزيد من الضرائب والرسوم، ما يتطلب أن تكون الحكومة أكثر شجاعة في مواجهة رافضي هذا المشروع، مواطنين كانوا أم تجاراً.

أحيا تصريح نائب رئيس الوزراء وزير المالية الشيخ سالم عبدالعزيز لوكالة بلومبرغ هذا الأسبوع بشأن إعداد الحكومة لقانون الضريبة على الشركات الكويتية، كما هو الحال مع الشركات الأجنبية إلى جانب العمل بضريبة القيمة المضافة، ملف تعزيز الإيرادات الحكومية غير النفطية، وهو الملف الذي طالما حضت تقارير محلية وعالمية، أبرزها صندوق النقد الدولي، الحكومة على تبنيه لتقليل المخاطر المستقبلية على الميزانية.

فلا جدال على أهمية رفع الإيرادات غير النفطية من خلال ضريبتي الشركات (للشركات الكويتية) والقيمة المضافة (تفرض على اسعار السلع ويتحملها المستهلك)، فالكويت تعتبر اعلى دول العالم اعتمادا على الايرادات النفطية بالنسبة لاجمالي الايرادات بواقع 93% سنويا، مما يجعل المخاطر المستقبلية تتنامى كلما حدثت هزة او اختلال في سوق النفط العالمي، وبالتالي فإن جانبا مهما من اختلال الميزانية سينحسر - ولن يختفي تماما - مع إقرار هاتين الضريبتين، اللتين ستتحدد عوائدهما بشكل أوضح مع صدور القانون الخاص بهما لمعرفة الأثر على الإيرادات العامة.

كما يستوجب ذلك ان يترتب على نفاذ الضريبة الخاصة بالشركات الغاء اي التزامات اخرى على الشركات تجاه صندوق دعم العمالة الوطنية، او مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وأي التزامات اخرى ذات صفة ضريبية عامة، فالضريبة يجب ان تكون موجهة لجهة واحدة في الدولة، مع إلغاء ما عداها كي تكون عادلة ومحددة.

التحدي الحقيقي

ولعل التحدي الحقيقي للكويت خلال السنوات القادمة يتمثل في قدرة الدولة على زيادة الإيرادات غير النفطية من خلال إقرار مزيد من الضرائب والرسوم، مما يتطلب ان تكون الحكومة اكثر شجاعة في مواجهة الرافضين لهذا المشروع، سواء كانوا مواطنين أم تجارا، فأسعار الايجارات على املاك الدولة لا تزال رغم الزيادة التي اقرت قبل 4 سنوات اقل من قيمتها السوقية، وكذلك الدعم المقدم للكهرباء فقط يستهلك ما يوازي 3 مليارات دينار اي 7 % من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

والدول ذات الاقتصادات الحقيقية يمكن ان يكون احد مؤشرات قياسها نسبة الايرادات غير النفطية في مداخيلها، فمثلا دولة مثل النرويج تعتبر خامس اكبر منتج للنفط في العالم، الا ان ايراداتها النفطية بشكل كامل تذهب الى صندوق الثروة السيادي - احتياطي الاجيال - ولا تنفق من الايرادات النفطية الا في اضيق الحدود، في حين يتم تمويل الميزانية من عائدات الضرائب والجمارك وصيد الاسماك وغيرها من الانشطة الاقتصادية، ومع هذا فالنرويج في صدارة دول العالم من حيث الرفاهية والتنمية البشرية والخدمات العامة، ولا يقتصر الامر على النرويج، بل ان دولا شبه عديمة المصادر الطبيعية ككوريا وسنغافورة واليابان بلغت اعلى مراحل التقدم في ظل ميزانيات تقوم بشكل اساسي على الضريبة.

بالطبع... الفرق بين الكويت والنرويج او سنغافورة او غيرهما من الدول لا ينحصر فقط في نسبة الايرادات غير النفطية مقارنة بإجمالي الايرادات، بل ايضا في الادارة التي عليها عندما تطلب من الشركات دفع الضريبة، وهو حق للدولة، ان تحسّن بيئة الاستثمار التي شهدت في السنوات الماضية تدهورا في مستويات سهولة المعاملات الحكومية والاعمال التجارية وكفاءة سوق العمل والحرية الاقتصادية والخدمات المالية، فالدولة بصفتها جابية للضرائب من واجبها ان تحفز بيئة الاعمال وتنشطها كي تجذب المزيد من الاعمال والمشاريع، وبالتالي تزيد من ايراداتها الناتجة عن الضريبة.

كذلك فإن من اهم معايير نجاح تحصيل الضرائب، كإيرادات لخزينة الدولة، العمل على تحسين الاداء الحكومي في ملف مكافحة الفساد، فتراجع ترتيب الكويت خلال 10 سنوات من الترتيب 35 الى 69 عالميا في مؤشر مدركات الفساد يزيد من مخاطر تحصيل الضريبة، وامكانية الالتفاف عليها او التهرب منها الى جانب مخاطر تبديد ايرادات الضريبة بسبب الفساد او الهدر المالي، لذلك فعلى الدولة ايضا ان تتطور كي تكون محصلاً جيداً للضريبة ومديراً لكيفية انفاقها او ادخارها.

شجاعة

ويتطلب إقرار الضريبة، سواء على الشركات او على القيمة المضافة، شجاعة من الحكومة لتطبيقها - وهي للأسف شجاعة غير معهودة - فرفع الايرادات غير النفطية لا يتوقف فقط عند هاتين الضريبتين، بل يتجاوزهما إلى رفع الدعم وإعادة تنظيمه، فالكهرباء التي كانت تقدم مثلاً للمصانع بكلفة فلس واحد وللمنازل بكلفة فلسين، في حين تصل تكلفتها على الدولة الى 38 فلسا، لابد من اعادة النظر فيها ضمن آلية تحفز على التوفير، كثقافة لتقنين الاستهلاك، وبالتالي خفض الكلفة على الدولة وزيادة ايراداتها من الخدمات.

عند الحديث عن الضريبة يجب ان نتذكر ان الجابي للضريبة، وهو الدولة، يجب ألا ان يستمر في منافسة الشركات التي يجبي منها الضريبة فهذه منافسة غير عادلة، والاصل ان تمارس الشركات عملياتها وتدفع ما يحدده القانون لصالح الدولة من ضريبة مقابل ان تشرف الدولة على تنظيم السوق عبر هيئات تنظيمية، اي ان دور الدولة هو الاشراف، لا المنافسة او المشاركة.

هناك العديد من الاختلالات الخاصة بآلية العمل الحكومي التي تجعل عملية تحصيل الضرائب صعبة او معرضة للتعثر، الا ان هذا لا يعتبر عذراً يمنع تنمية الايرادات غير النفطية من اجمالي الايرادات العامة، فالحاجة ماسة إلى تنويع مصادر الدخل اليوم اكبر من ذي قبل، لا سيما مع نمو مخاطر دخول الكويت في دائرة العجز المالي اعتبارا من عام 2017 حسب تحذيرات صندوق لنقد الدولي.

back to top