«الجنح» تبرئ موظفاً في «هيئة الصناعة» من الإضرار بالمال العام بمبلغ 65 ألف دينار
المحكمة: الضرر المرتكب ليس جسيماً ولجهة الإدارة محاسبته إدارياً
قضت محكمة الجنح ببراءة مفتش في الهيئة العامة للصناعة من تهمة الإضرار بالمال العام، وتفويت مبلغ 65 الف دينار عن خزينة الدولة، بعد أن تم اتهامه من قبل النيابة بأنه وبصفته في حكم الموظف العام (مفتش في الهيئة العامة للصناعة)، تسبب –وآخر مجهول من موظفي وزارة التجارة والصناعة– في إلحاق ضرر جسيم بأموال الجهة التي يعمل بها كل منهما، وذلك بحكم وظيفتهما.وقالت المحكمة ان «ذلك كان ناشئا عن إهمال في أداء وظيفتهما بأن أثبتا في محضر المعاينة للقسيمة محل الواقعة أن المساحة التي ينتقع بها الغير تبلغ 115 مترا مربعا في حين أنها تبلغ 1480 مترا مربعا، ما نتجت عنه فروق مالية في القيمة الإيجارية المفروضة على تلك القسيمة، ونشأ عنه ضرر مالي مقداره 65450 د.ك، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات».
وأضافت المحكمة، في حيثيات حكمها، أن «الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة من الجرائم غير العمدية، ويتوقف تحققها على توافر أركان ثلاثة هي خطأ وضرر جسيم ورابطة سببية بين ركني الخطأ والضرر الجسيم، وقد حدد المشرع للخطأ صورا ثلاث هي الإهمال في أداء الوظيفة والإخلال بواجباتها وإساءة استعمال السلطة».ظروف خارجيةوتابعت ان «الخطأ الذي يقع من الأفراد عموما في الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفا لا يتفق مع الحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية، وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان، لا يأتيه الرجل العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت بالمسؤول، والسلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس في أعمالهم وطبيعة مهنتهم».وزادت: «أما الضرر فهو الأثر الخارجي للإهمال المعاقب عليه، وشرطه في هذه الجريمة أن يكون جسيما، وقد ترك المشرع تقدير مبلغ جسامته لقاضي الموضوع لاختلاف مقدار الجسامة في كل حالة عن غيرها تبعا لاعتبارات مادية عديدة، كما أنه يشترط في الضرر أن يكون محققا، وأن يكون ماديا بحيث يلحق بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته، أو أموال أو مصالح الغير المعهود بها إلى تلك الجهة، أما رابطة السببية فيجب أن تتوافر بين خطأ الموظف والضرر الجسيم بحيث يكون نتيجة سلوكه فعلا كان أو امتناعا».وأوضحت أن «المقرر لدى الفقه الجنائي أن القانون لم يضع للضرر الجسيم معيارا ماديا، وإنما تركه لتقدير المحكمة في كل واقعة على حدتها، فإذا تبين لها أن الضرر غير جسيم رغم توافر الإهمال، حكمت بالبراءة لانتفاء الجريمة، ولم يكن بد من تقييد الجريمة بحالة أن يكون الضرر جسيما، ذلك لأنه لو جُعل الإهمال محل عقاب في أي ضرر ينشأ عنه جسيما كان هذا الضرر أو غير جسيم، لصار الموظفون في حرج وذعر من نهوضهم بأعمال وظائفهم». عناصر الدعوىولفتت المحكمة الى انه «من المستقر عليه أن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع محكمة الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليها بإدانة المتهم أو ببراءته، وأن للمحكمة أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، وأن تأخذ من أي بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلا لحكمها».واستدركت انها «وبعدما أحاطت بواقعة الدعوى وأدلتها ثبوتا ونفيا عن بصر وبصيرة –لا تساير النيابة العامة في تهمة الإهمال المفضي إلى ضرر جسيم المسندة إلى المتهم، وآية ذلك أن هذه الجريمة لا تقوم إلا إذا تسبب الموظف العام بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته، فلا يكفي لقيامها مجرد الضرر العادي، وإنما يتعين أن يبلغ هذا الضرر حدا من الجسامة بحيث يؤثر في أموال أو مصالح الجهة بدرجة كبيرة وملحوظة، كما يتعين أن يكون هذا الضرر الجسيم ناتجا عن خطأ الموظف ومرتبطا به ارتباطا لا يقوم له بدونه وجود».واردفت ان «الثابت من الأوراق والتحقيقات أن الهيئة العامة للصناعة لحق بها ضرر مالي هو عبارة عن الفروق المالية في القيمة الإيجارية المفروضة على القسيمة محل الواقعة بقيمة مقدارها 65450 د.ك، بسبب وجود خلل في كشوف المعاينة التي تمت لتلك القسيمة بدءا من تاريخ 1/4/2001 حتى تاريخ 31/3/2010».ضرر ماليوذكرت المحكمة انه «كان الثابت للمحكمة من الأوراق والتحقيقات كذلك أن المتهم لم ينتقل إلى القسيمة محل الواقعة إلا مرتين، حيث أثبت أن المساحة المستغلة من الغير مقدارها 115 مترا مربعا، في حين أنها –في الحقيقة والواقع– مقدارها 1480 مترا مربعا، وأنه يوجد موظفون آخرون من موظفي وزارة التجارة والصناعة –لم يتم التوصل إليهم– سبقوه في الانتقال إلى تلك القسيمة، ولم يثبتوا بالمرة وجود أية مساحة مستغلة من الغير، ما يعني أن إهمالهم في أداء وظيفتهم كان أكبر بلا شك، الأمر الذي لا يجوز معه في شرع العقل والقانون تحميل المتهم كامل الضرر المالي الذي لحق بالهيئة باعتبار أنه مسؤول فقط عن معاينته لا عن المعاينات السابقة».وقالت: «ومن ثم لا يمكن القول بأن خطأه تسبب في إلحاق ضرر جسيم بأموال الهيئة، وتضحى بذلك مسؤوليته عن إهماله في أداء وظيفته من قبيل المسؤولية الإدارية لا الجزائية، لانتفاء ركن الضرر الجسيم الواجب توافره لقيام الجريمة، وهو ما يستوجب القضاء ببراءته من التهمة المسندة إليه عملاً بنص المادة (172/1) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية».