مبارك مغرم بالمقالب وانزعج من وصفي للإسرائيليين بـ «السفلة» 6 - 10
الإعلامي الكبير حمدي قنديل يروي ذكرياته: «عشت مرتين»
يواصل الإعلامي العربي الكبير حمدي قنديل كشف تفاصيل حياته التي ارتبطت في محطات عدة بتقاطعات المشهد العربي سياسياً وإعلامياً، وفي الحلقة السادسة يكشف قنديل عن تفاصيل ارتباطه بالفنانة الكبيرة نجلاء فتحي والقواسم المشتركة التي دفعته لتلبية طلبها دون تردد، ثم يعرج إلى قصة برنامجه الأشهر "رئيس التحرير" في التلفزيون المصري والتفاصيل التي أحاطت بإعداده وإطلاقه وأسباب توقفه المفاجئ بعد أن تسبب في فتح أبواب الخلاف واسعاً مع رجال نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
كان التلفزيون المغربي (2M) قد أوفد فريق تصوير لتغطية أخبار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1991 وإجراء مقابلات مع عدد من الفنانين، كانت نجلاء فتحي بينهم، ولما لم تكن مشاركة في المهرجان فقد طلب مني المخرج أن أسعى لترتيب موعد معها.عندما حدثتها عن المقابلة وافقت ولكنها اعتذرت عن عدم إجرائها في المنزل لأنها كانت تعدل في ديكوراته، فاقترحت أن يجرى الحديث في حديقة الفندق الذي يقام به المهرجان، ولكنها خرجت باقتراح آخر: «ولماذا لا يكون ذلك في بيت شقيقتي في الدقي، وهو قريب منكم؟».في المساء جاءني اتصال تليفوني من اللواء محمد السكري وكيل اتحاد التنس، وكنت قد قابلته منذ سنوات في نادي اليخت، قال: «ألا تعرف أن نجلاء فتحي شقيقة زوجتي؟»، قلت إنها أول مرة أعرف فيها ذلك، فقال إنها أبلغته بمكالمتي، وأنه يدعوني لزيارته مع فريق التصوير في الغد لنتناول فنجان شاي قبل أن أعود إلى المغرب، وكان يظن أنني مقيم هناك، اعتذرت لارتباطات أخرى، فدعاني للعشاء في الأسبوع التالي.المرح والذكاءذهبت إلى العشاء وأنا في غاية القلق خشية ألَّا أجد موضوعاً مناسبا أحدثها فيه عندما نلتقي، لكننا عندما التقينا ذهب كل هذا القلق تماماً.أول ما لاحظته بعد أن جلست أن الكل يناديها بـ«زهرة»، وعندما سألت قالت إن اسمها الحقيقي هو فاطمة الزهراء، دهشت أنها بسيطة للغاية في ملبسها وتلقائية في حديثها، وعندما علمت منها أنها تعرف باريس جيداً انطلقنا نتحدث عن ذكرياتنا فيها كما لو كنا قد زرنا كل شبر فيها معاً، ما فاجأني حقاً هو أنها لا تمت بصلة للصورة النمطية للنجمة السينمائية التي كانت في ذهني.وعندما أوشكت أن أغادر وعدتها أن أتصل بها حتى «أحدثها عن انطباعي عن الفيلم بعد أن أشاهده»، ولكنني كنت قد قررت أن ألقاها مرة ثانية، وذهبت وأنا على يقين أنها ليست شاطرة فقط، ولكنها ذكية ومرحة وذات شخصية قوية، وأنها ستضفي على حياتي بهجة لم أعرفها منذ وصلت إلى القاهرة، وهكذا تكرر اللقاء مرات عدة حتى جاء الصيف فذهبت مع ابنتها الوحيدة ياسمين لتقضي أسبوعين في العجمي غرب الإسكندرية، وعندما علمت أنها صديقة لزوجة صديقي رجل الأعمال ممدوح مرسي الذي يقضي شهور الصيف في فيلته هناك، حجزت أنا الآخر غرفة في فندق بالإسكندرية، وواظبنا على اللقاء كل يوم.سؤال مباغتاكتشفت وقتها أن بيننا الكثير مما يجمعنا، كانت تصحو مبكراً، وكانت تحب السفر وتجيد لعب الطاولة، كما أنها كانت تنفر من حفلات وسهرات المجتمع، وكانت تتابع جيداً الشأن العام وتميل إلى نهج اليسار على الرغم من أن عبدالناصر أمَّم أرض والدها حسين بك فتحي الذي كان من أعيان الفيوم.كانت المرأة التي تطلعت للارتباط بها، وعندما عدنا إلى القاهرة في سيارتي كانت معنا ياسمين، وكانت في نحو الرابعة عشرة من عمرها، ولم أجد صعوبة في التفاهم معها، بل إنها راحت تداعبني ونحن في الطريق.كان قد مضى على عودتنا من الإسكندرية نحو أسبوعين عندما كلمتني في التليفون في الصباح، كنت قد اعتدت على هذه المكالمة منها بعد أن تصحب ياسمين بنفسها إلى المدرسة، سألت: «عملتي لفة في النادي النهاردة؟»، قالت: «كتير، أكتر من اللازم»، فلما سألت عن السبب قالت: «لأني كنت بأفكر في موضوع مهم»، خير؟ فاجأتني: «أنا حاتجوزك النهاردة!» أخذت أردد دون أن أدري: «عظيم عظيم»، فباغتتني بسؤال عملي: «إنت مش معاك بطاقة؟»، قلت إنني لم أستخرج بطاقة شخصية بعد، فطلبت مني أن أذهب إلى منزلها في الخامسة بعد الظهر ومعي جواز السفر، «موافق ولَّا حنرجع في كلامنا؟»، قلت: «موافق أكيد، ولكننا لابد أن نلتقي أولا لنبحث الترتيبات».وأنا في الطريق إليها أخذت أقلب في الأمر، لا في أمر الزواج ولكن في أسلوب عرضه، وزاد إعجابي بها أنها على هذا القدر من الصراحة، إذا كان المألوف هو أن يبادر الرجل بطلب الزواج، فلماذا لا يكون هذا من حق المرأة أيضاً؟ ولكنها عندما فتحت لي الباب، كان سؤالي الأول: «ولكن افترضي أنني ماطلت عندما عرضتِ عليَّ الزواج، ألم تفكري ماذا سيكون عليه حالك عندئذ؟»، قالت: «فكرت جيداً.. أنت تعلم أننا لسنا في قصة غرام مشتعل، نحن بالغان ولنا تجارب زواج من قبل، وما بيننا هو إعجاب شديد، ولن أحزن كثيراً عليك إذا تنصلت لأنك لن تستأهل ثقتي في رجاحة عقلك ولن تكون الزوج المناسب لي».رئيس التحريركنا في فبراير 1998 عندما قال لي جمال بدوي إن صفوت الشريف طلب منه أن يسألني إذا ما كنت على استعداد لأقدم برنامجاً في التليفزيون المصري، وعندما وافقت رتب جمال الموعد وذهبت إلى الوزير في مكتبه.حدثني عن الكتيبة الإعلامية، وعن «الريادة» التي يجب أن تحتفظ بها مصر، وعن إيمان النظام بحرية الإعلام، وعن أن انطلاق هذه الحريات يعتمد على أن توضع في أيدٍ حكيمة، قال: «إحنا مش حنلاقي حد زيك فاهم الأمور كويس»، توقفت قليلاً عند هذه العبارة، لكنني مع ذلك شكرته وقلت إن أساس العلاقة يجب أن يكون الوضوح، وإن لي متطلبات بدونها من الصعب أن أعمل، أنا لا أضع شروطاً، ولكني أرى أن نجاح البرنامج يعتمد على ثلاث ركائز؛ أولها توافر سقف حرية عالٍ، وثانيها المرونة الإدارية بحيث لا أقع في حبائل روتين ماسبيرو، أما الثالثة فهي قبول الإعلانات في البرنامج.قال صفوت الشريف: «الأولى والثانية فهمناها، بل وقبلناها أيضاً، لكني أود أن أعرف لماذا الإعلان؟»، قلت: «أولا لأن هذا هو المستقبل.. في المستقبل لن تُستثني البرامج الإخبارية من الإعلانات، وسوف تنافس الأخبار برامج المنوعات، وما أفكر فيه أيضاً هو أن تخصص نسبة من الإعلانات للإنفاق على البرنامج نفسه خاصة من أجل استضافة متحدثين من الخارج أو من أجل سفري لتغطية بعض الأحداث». قال: «سوف نرصد للبرنامج الميزانية المناسبة بإعلان أو بدونه، لكنني لا أمانع في قبول الإعلانات على أي حال»، أضفت: «ولكن اسمح لي يا صفوت بك أن تكون لي كلمة في الموافقة على هذه الإعلانات، نحن لن نسمح مثلا بقبول إعلانات عن ملابس داخلية أو عن فيديو كليب جديد وسط حديث عن القضايا الجادة، ولعلنا نبدأ بالبحث عن رعاة بين شركات الموبايل مثلاً».جس النبضانساب الحديث في مودة بادية، وبدأنا ندخل في التفاصيل، فسألني عن الاسم الذي أقترحه للبرنامج، قلت إن لديَّ ثلاثة اقتراحات، ولكني أفضل بينها اسم «رئيس التحرير».. بصراحة، أفضله لأن معناه أنني أنا المسؤول عما أقول، أي إنني، بعد إذنك، لا أتقبل تعليمات من أحد، ضحك صفوت الشريف وقال: «مفيش مانع أبداً»، ثم سألني متى أكون على استعداد لتقديم الحلقة الأولى، قلت: «فور انتهاء الترتيبات اللوجيستية، الديكور وما شابه»، قال: «ربنا يوفقك، دعنا إذن نبدأ بحلقة كل شهر»، فقلت إن المرة في الشهر ليست وصفة للنجاح ولكنني لا أمانع، فلنجعلها فترة جس نبض يتعرف فيها كل جانب إلى الآخر ويطمئن له، وبعدها يجب أن يكون البرنامج أسبوعياً.قال الوزير: «إذن فلا يتبقى لنا الآن إلَّا الحديث عن الأجر، وأنت تعلم طبعاً أن أجورنا لا تتوازى مع ما تدفعه القنوات الخاصة، لكني أعدك بأنك ستتقاضى أعلى أجر بمقدورنا أن نقدمه لك، وعلى أي حال فسوف أترك هذه التفصيلات لعبدالرحمن حافظ (رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون) ليبحثها معك».قلت إن ذلك لا يمثل مشكلة، وعلى الرغم من أنني لا أعرف لائحة الأجور هنا ولا ما الذي سأتقاضاه فإنه مهما كان الأجر فسيظل رمزياً، وما أطلبه أن تخصص لي نسبة 10% مما ستدفعه الجهات الراعية للبرنامج.حرب الخليجبدأت في إعداد البرنامج، كنت قد قررت أن يكون «رئيس التحرير» عرضاً بسيطاً وعميقاً، ساخناً وساخراً لقضايا البلد، واخترت للحلقة الأولى موضوعاً حساساً لأختبر بذلك قيود الرقابة هو حرب الخليج، واستضفت للمناقشة المشير عبدالغني الجمسي والدكتور مراد غالب وزير الخارجية الأسبق والمفكر المصري اليساري محمد سيد أحمد، كما استضفت أيضا المفكر الكويتي الدكتور أحمد الربعي لأتبين مدى كفاءة التلفزيون في إجراء ترتيبات سفره وفي دفع المكافأة المناسبة، وتم ذلك كله على خير وجه.لم يصدق البعض أن يخرج مثل هذا الكلام من التلفزيون الرسمي، فأخذوا يعزون ذلك إلى أن قائله مسنود، أو لأن هناك اتفاقاً تحت الطاولة بيني وبين أهل الحكم، أو لأن وزارة الإعلام كانت تبحث عن واجهة توحي بأن الدولة تبنت سياسة منفتحة تؤمن بالديمقراطية.لما اقترب موعد الحلقة الثانية من «رئيس التحرير» دعوت المفكر الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة للحضور، في حين توجهت أنا إلى بيروت لتسجيل أول حديث في التلفزيون المصري مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله للحلقة ذاتها، وكنت أنوي تخصيص الفقرة الثالثة في الحلقة لمناقشة قضية الصحافة الصفراء، ودعوت للمشاركة فيها الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى ومكرم محمد أحمد نقيب الصحافيين وكذلك صفوت الشريف، لكنه اعتذر بدعوى أنه سيظهر في برنامج تلفزيوني آخر.عواصف الخماسين استمر التجهيز للحلقة، وسارت الأمور دون متاعب تذكر، وفي اليوم المقرر للتسجيل، وهو يوم البث نفسه، فوجئت بالمخرج يتصل بي ليقول إنه ذهب إلى المسرح في الصباح فوجده محجوزاً لتسجيل برنامج «لو بطلنا نحلم»، كما أن إحدى المدارس الخاصة استأجرته لتقيم فيه حفلاً، حاولت فض الاشتباك بكل ما أمكنني من اتصالات إلَّا أن ذلك كان مستحيلاً، لم أنجح سوى في ترتيب تسجيل عزمي بشارة في الفندق الذي كان يقيم فيه.فات موعد البرنامج دون أن يذاع فلم أجد بداً، كي أحفظ ماء وجه التليفزيون، من الاتصال بعزمي بشارة وكذلك بمسؤول الإعلام في «حزب الله» للاعتذار عن عدم بث الحلقة، متعللاً بأن عواصف الخماسين دكت مخزن الديكور وأن النار اشتعلت في جانب من الأستوديو، وذهبت إلى رئيس الاتحاد ثائراً أحاول أن أبين له أن ما حدث يعتبر فضيحة للتلفزيون، وأطلب وضع قواعد واضحة حتى لا يتكرر ذلك مرة أخرى، وأسأل عن الموعد الجديد المحدد للحلقة، فوعدني بحسم ذلك كله على الفور وإبلاغي بالنتيجة، لكنني ظللت أكثر من شهر في الانتظار، وكما هو متوقع انهالت الصحف هجوماً على التلفزيون لأنه لم يعلن للمشاهدين أن البرنامج سيغيب، ولم يوضح سبب غيابه.شائعة الشريفوعندما جاء الاحتفال بعيد تحرير سيناء (25 أبريل) كان قد مضى على بث الحلقة الأولى 50 يوماً، وكانت القوات المسلحة تحتفل بالعيد في مسرح الجلاء، وكنت قد دعيت إلى الاحتفال في قاعة كبار الزوار فوجئت بصفوت الشريف أمامي يقف إلى جانب فاروق حسني وزكريا عزمي وعدد آخر من الوزراء، بادرني: «إنت زعلان ليه يا أستاذ حمدي؟»، فقلت: «سعادتك بتسألني بعد شهرين إنت زعلان ليه؟».. قال: «أعمل إيه يعني إذا كنت طالب 10 آلاف جنيه في الحلقة؟»، فوجدتها فرصة لأتبرأ من هذه الشائعة أمام كبار القوم جميعاً: «هذا غير صحيح بالمرة، وأنا لم أطلب هذا المبلغ ولم أحدد أي مبلغ على الإطلاق»، قال: «أصلهم قالوا لي كده».. سألت: «من هم سيادة الوزير؟»، وطلبت الاستشهاد برئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي كان موجوداً في الحفل، قال الوزير: «بعدين»، ولكني صممت على استدعائه، فجاء عبدالرحمن حافظ وحاول إمساك العصا من المنتصف، لا هو قادر على إغضاب الوزير ولا على إنكار الحقيقة، قلت: «يكفيني هذا يا سيادة الوزير.. أستأذن».. ومضيت.. ونشرت صحيفة «الوفد» نص المناقشة التي دارت في الاحتفال بعدها بأيام.على الرغم من تدخل الوزير لم تبث الحلقة الثانية سوى في يوم 27 مايو، ومع أنها غابت أسابيعَ إلَّا أنها أذيعت فجأة ودون تنويه مسبق.مع مباركبعد ذلك بأيام جاء احتفال عيد الإعلاميين الذي يقام سنوياً في مدينة الإنتاج الإعلامي بمناسبة ذكرى مولد الإذاعة الحكومية المصرية عام 1934، ويحضره الرئيس مبارك في العادة.كانت هذه أول مرة ألقاه فيها منذ أكثر من عشر سنوات، أخذ مبارك يتجول بيننا ونحن نتناول المرطبات، وعندما رآني اقترب مني وأمسك بيدي وهو يصطحبني تجاه البحيرة الصناعية التي أقيم بجوارها الحفل، وعندما وصلنا إلى هناك توقف والتفت لي يسأل: «هو صفوت الشريف عامل فيك إيه بالظبط؟».. قلت: «مفيش حاجة ياريس، ده مجرد سوء تفاهم».كنت أعلم غرام مبارك بالمقالب، خصوصاً مع مساعديه، والضحك على الجميع في النهاية، وكانت تساليه المفضلة عندما يوقع بين صفوت الشريف وفاروق حسني معروفة لي بتفاصيلها، وهكذا كنت حذرا ألَّا أقع في الفخ، ومع ذلك فقد استدرجني لأروي له حكاية الاحتفال بعيد سيناء التي كان قد سمع بها، كما قال، عندما كان يشهد الاحتفال، استمع باهتمام ومودة، ثم قال: «لو فيه مشاكل تاني كلمني»، ولكنني لم أفعل.مقص الرقيبكانت إسرائيل هدفا دائماً لطلقات البرنامج، وفي إحدى المرات كنت قد وصفت شيمون بيريز بالنازي، وصمم الرقيب على حذف العبارة، وكنت أعرف سلفاً أنني لو شكوت لصفوت الشريف في هذه الحالة بالذات فلن أحصل منه على شيء؛ ذلك لأنه كان قد نبهني من قبل أن «مبارك» منزعج للغاية لأني وصفت الإسرائيليين بالسفلة، وكنت قد خففت من تكرار هذا الوصف لكنني لم أتوقف عنه على الرغم من ذلك.وصل رواج البرنامج إلى الذروة عندما بدأ بثه أسبوعياً في 2001، وقد بدا ذلك جلياً في حجم الإعلانات التي بلغت نحو 20 دقيقة في الحلقة، وارتفع سعرها 150%.حصار عرفاتكانت حلقة أول أبريل 2002 هي الحلقة التي أصابتني بأكبر قدر من القلق والتوتر، كان ياسر عرفات محاصراً وقتها في المقاطعة؛ لذلك لم يستطع حضور مؤتمر القمة في بيروت خشية أن يمنعه الإسرائيليون من العودة، فشارك في نقاشات المؤتمر من خلال دائرة فيديو مغلقة، وكان هذا أمراً مهيناً للغاية، للقادة العرب لا لعرفات نفسه، وإثر انعقاد القمة قامت إسرائيل بعملية الاجتياح الكبرى للأراضي الفلسطينية.استفزت هذه الأحداث الجماهير العربية، فوجدت أن الموقف لا يحتمل الكلام، وقررت اختصار البرنامج قدر الإمكان وإلغاء ندوته المعتادة، وحذف الشكاوى وكذلك الأقوال المأثورة، واختصار التعليق فيما يشبه رسالة موجهة إلى القادة العرب وإلى الجماهير في آن واحد.. وعندما سجلت الرسالة بلغ طولها نحو 14 دقيقة، فأبلغت صفوت الشريف بذلك سلفاً وطلبت منه أن يذاع البرنامج على هذا النحو، لكنه قال إنه لا يفضل ذلك، وأرجأ اتخاذ القرار إلى أن يطَّلع محمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار على التسجيل.لا أدري ما الذي حدث بعد ذلك، ولكنه عندما أذيع البرنامج لم يستغرق أكثر من ثماني دقائق، وكان المونتاج الذي أجري فيه غشيماً إلى حد بالغ، وكانت الحلقة مثل جمر متقد، خصوصاً عندما رددت أكثر من مرة عبارة: «رفعت الأقلام وطويت الصحف». أظن أن 2003 لم يشهد أحداثاً ذات بال بخلاف التمهيد لغزو العراق؛ وهو ما أدى إلى توقف البرنامج نهائياً.«جيش ماسبيرو»الطريف أنني عندما ذهبت إلى الفندق لإجراء حواري مع المفكر الفلسطيني عزمي بشارة وجدت آلتي التصوير وإلى جانبهما 11 من موظفي التلفزيون، قلت: «يا إخواننا، أي محطة خاصة تجري مثل هذا التسجيل يكفيها ثلاثة أشخاص على الأكثر»، وبدأت أسأل كلاً منهم عن عمله، مصور، مهندس صوت، فني كهربا، عامل لنقل المعدات، وهكذا إلى أن وصلت إلى الاثنين الأخيرين، قال أولهما إنه جاء من الشؤون المالية ليسدد مكافأة الضيف، أما الأخير فالتفت لي قائلاً: «أصل الضيف حياخد مكافأته بالعملة الصعبة»، فهمت يومها لماذا كان يوجد 35 ألف موظف في ماسبيرو عندئذ.الريس أم سيادة الريس؟في مرة أخرى نبهني صفوت الشريف إلى أنني الوحيد على شاشة التليفزيون الذي يسمي مبارك «الريس»، هكذا «حاف» بدلا من «سيادة الريس»، قلت لأن برنامجي قائم على أنني أتحدث مع المشاهدين كما لو كنت جالسا معهم في بيوتهم، والناس في بيوتهم عندما يتحدثون إلى بعضهم البعض ويأتون على ذكر الرئيس فهم يلقبونه بالريس وليس سيادة الريس، قال الوزير: «أنت تجادل والسلام»، فقلت: «لا يا صفوت بك.. يعني سيادتك مثلا وأنت تتكلم في البيت مع الهانم عن الرئيس، هل تقول الريس أم تقول سيادة الريس؟».. ضحك الوزير ضحكة مجلجلة وقال: «طبعا بأقول سيادة الريس.. دي عايزة كلام».شعبان عبدالرحيم الأبرزمن أبرز أحاديث برنامجي «رئيس التحرير»، حديث أجريته مع المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم، وكان ذلك بعد أغنيته الشهيرة «بأحب عمرو موسى وبأكره إسرائيل» التي وصلت أصداؤها إلى قناة CNN، وقد ترددت قليلاً في استضافته، ولكنني عندما علمت أن شرائطه وزعت 6 ملايين نسخة، وهو رقم غير مسبوق في توزيع الشرائط الصوتية، اتصلت به على الفور.وعندما جاءنا إلى الاستوديو كنت حريصا على أن يظهر في أفضل صورة ممكنة حتى لا يظن أحد أننا أتينا به لنسخر منه ومن ملابسه.ولا أزال أعتقد أن استضافة شعبان عبدالرحيم في «رئيس التحرير» كان قراراً صائباً، فقد كان ظهور أغنيته مهما اختلفت الآراء حولها حدثاً لا يمكن تجاهله.