إذا حكى الشرع فالكل...

ناس تؤم المساجد، توقف سياراتها في منتصف الطريق، وتعطل السير وتضخم الزحام، وناس تتوالى على الحسينيات في منتصف المناطق السكنية وبين البيوت، وترتفع الأصوات وتنتشر روائح الطبخ وتتكاثف السيارات، وها هو سيهل هلاله علينا، وسيستخدم الناس فضيلته الدينية لتبرير كل النقائص الأخلاقية من غياب عن العمل، وإهمال للواجب، والشره الاستهلاكي، ومرة أخرى يتقدم الواجب الديني على حسن الخلق، ومن أجل الحسنات تتراكم الإساءة، ولا يلبث أن يبرر التدين غياب الأخلاق. ثم هناك صور غير مباشرة لهذا النهج؛ منطقة عبدالله مبارك تحتوى على 9 قطع، وفيها 24 مسجداً أو يزيد، وفي قطعة 6 حيث يستقر بيتي هناك 3 مساجد، وفي كل الأعراف الإنسانية بناء بيوت لله أياً كانت الديانة التي تمثلها هو عمل خير، من خلاله يوفر الناس لغيرهم مكانا للعبادة، ومأوى للفقراء، ومستقرا للتجمع وتداول شؤون الناس، وغيرها من الفوائد الجليلة، إلا أن المعروف كذلك أن هذه المباني الدينية كانت أحياناً تشيد لإثبات الذات والوجود وإعلاء فئة على فئة، وللتحكم في المحيط، فتنافس المباني الدينية هو تنافس قوى ووجود وسيطرة.والآن نتساءل، ما الذي يوفره أكثر من 24 مسجدا في منطقة واحدة في الكويت، من بينها مساجد ضخمة البناء متسعة المساحة؟ وما الذي توفره 3 مساجد في قطعة واحدة من هذه المنطقة؟ هنا يُستخدم التوجه الديني لتبرير غرض لا أخلاقي، لربما سيطرة، وإثبات وجود، وفائدة من نوع ما، وإلا ما السر خلف شره بناء مساجد ليس لها رواد؟ ببساطة لأن عدد البشر أقل من أن يملأ حتى ربعها.ولكن، من يستطيع الاعتراض على بناء مسجد؟ من يمكنه أن يقول إن تبذير الأموال لبناء مساجد مهجورة هو تصرف لا أخلاقي؟ مباشرة، سيشار إليه ببنان التكفير، ومرة أخرى، يعتمد الناس على الدين ليتفسخوا من الأخلاق. أن تكون بأخلاق بلا دين تلك لربما معضلتك الشخصية، أنت تتحمل مسؤوليتها فيما بعد هذه الحياة، ولكن أن تكون بدين بلا أخلاق فتلك معضلة لكل من حولك، لأنه في غياب الأخلاق يتوظف الدين وظيفة سيئة جداً، يتضرر منها كل من حولك دون أن يستطيعوا حتى الاعتراض، ودون أن تستوعب أنت ما تفتقد إليه، بل دون حتى أن تشعر بالذنب لما تسببه للآخرين. ليس كافياً أن تكون مؤمناً، لربما مضر جداً أن تكون فقط مؤمناً، لابد للأخلاق أن تتوازى مع الإيمان حتى تسبقه.