مطبخ البرلمان العراقي... والبقرة الحلوب

نشر في 01-03-2014
آخر تحديث 01-03-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر  طالبت النائبة في البرلمان العراقي حنان الفتلاوي بعدم منح الكرد أي وزارة خدمية، واقتصار مشاركتهم على الوزارات السيادية فقط لتحقيق التوازن، وأن على المركز في بغداد معاملة الإقليم بالمثل، وهكذا أصبحت الفتلاوي هي من تخطط لتشكيل الحكومات العراقية، ومن توزع الحقائب الوزارية على الكتل السياسية، ولا عجب في ذلك ففي دولة دونكيشوت المالكي تحولوا كلهم إلى دونكيشوت اللامنطق.

ويبدو أن النائبة الفتلاوي لا تفهم طبيعة العلاقة بين إقليم كردستان والمركز في بغداد ولا تعرف حجمها الطبيعي، فتدس بأنفها في أمور لا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد، إما لجهل عندها... وإما لجهل عندها!

إن هذا الطرح المضحك الذي يعانيه بعض برلمانيي "دولة القانون" هو من مسببات تدهور الوضع السياسي العراقي، ويكفينا أن نقرأ تصريحات كهذه لنعرف أن العراق بين يدي أناس لا يعرفون في السياسة أبعد من كونها "مناكرات" بعيدة عن أي منطق عقلي، وكأن العملية السياسية في العراق هي "عركة حريمي" لا استحقاقات انتخابية وأطر دستورية.

والفتلاوي بطلبها هذا لا تعرف أي جهة تخاطب لعدم وجود جهة رسمية من حقها تبني هذا الطلب، فالمهم عندها الخروج على الإعلام والتحدث عن أي شيء، لا سيما ونحن على أبواب انتخابات، ويجب أن تظهر مواقف سياسية حتى إن كانت مضحكة.

كنا نتمنى لو كان الأساس السياسي الذي اعتمدت عليه الفتلاوي صحيحاً في نوعية العلاقة بين المركز وكردستان، فهي عندما تطالب حكومة المركز بمعاملة كردستان بالمثل، فإنها تقع وبجهل منها في ضبابية فهم العلاقة الفدرالية والعلاقة الكونفدرالية. فالعلاقة الفدرالية بين الإقليم وبغداد تحتم أن يكون هناك نواب للكرد في البرلمان العراقي، وليس بالضرورة وجود برلمانيين عرب يمثلون المركز في حكومة إقليم كردستان، إلا إذا أفرزت الانتخابات الداخلية في كردستان نواباً عرباً من قاطني الإقليم، حسب الاستحقاق الانتخابي لهم والأصوات التي يحصلون عليها. أما إن كانت الفتلاوي تطالب بوجود برلمانيين عرب يمثلون المركز في برلمان كردستان فهذا يعني علاقة تكافؤ بين طرفين بينهما كونفدرالية... مطالبة لا منطقية وكلام فارغ تدلي به طوال سنوات بقيت فيها على مقعد مجلس النواب العراقي.

والأنكى من هذا أن الفتلاوي تقع دائماً في مطبات سياسية كهذه، فقبل أيام اتهمت التحالف الكردستاني بأنه من يعرقل تمرير موازنة عام 2014، ليكذبها نائب آخر من نواب "دولة القانون" ويصرح بأن "دولة القانون" تتشرف بعرقلتها تمرير الموازنة لسنه 2014، وذلك للوقوف ضد طموحات كردستان غير المنصفة على حد وصفه!

التصريحان يناقض بعضهما بعضاً، لكنهما يشتركان في أن كليهما غير صحيح، وينطلقان من جهل مدقع بحقائق الأمور. فعدد نواب التحالف الكردستاني الذي لا يتجاوز الستين نائباً لا يمكنهم من عرقلة أي قانون تتفق عليه القوائم المشاركة في البرلمان.

هذا الصراخ الذي نسمعه من نواب "دولة القانون" بين الحين والآخر لا ينطلق من نيات وطنية يتمتع بها هؤلاء بقدر ما هي محاولات لخلط الأوراق والسير على نفس النهج الذي تعودوا عليه، والذي يلخص عندهم التداول السياسي في كيل التهم لهذا وذلك دون مبررات منطقية. فـ"دولة القانون" مثلاً وقف طوال السنوات الماضية ضد محاولات بعض المدن السنّية لتشكيل أقاليم إدارية متهمين هذه المدن بتطبيق أجندات خارجية تستهدف وحدة العراق، بينما تفاجئنا الفتلاوي هذه بتصريح قبل أيام تقول فيه: "قد ندعو يوماً ما إلى تشكيل الأقاليم في حالة الحصول على تطمينات"، مشيرة إلى أنه "لا يمكننا أن نبقى دائماً بقرة حلوباً"!

وأضافت أن "تشكيل الأقاليم يجب أن يكون عبر تمويل كل إقليم لنفسه، حيث إقليم الغربية يمول نفسه، وكذلك إقليم الوسط والجنوب، بالإضافة طبعاً إلى إقليم كردستان"، مشيرة إلى أن "الشيعة سينفد صبرهم في ظل ما يرونه يومياً من شحن طائفي ضدهم ينتج عنه آلاف الضحايا، بالإضافة إلى مواقف الشركاء السياسيين".

هذا التصريح يفضح ادعاءات الوطنية الزائفة للفتلاوي وغيرها من أعضاء ائتلاف المالكي، فكل همهم ينحصر في الاستحواذ على العراق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ينادون بالوطنية والعراق الواحد الموحد ما دامت هذه الوحدة تخدم مصالحهم الشخصية والمالية، وعندما "ينفد صبرهم" ويعرفون أنهم فقدوا سيطرتهم هذه يتحولون إلى الفكر الطائفي للسيطرة على ما يتبقى من مصالحهم التي تكمن حينها في إنشاء إقليم طائفي يستمرون في حلبه وملء جيوبهم.

هذا التوجه البائس أدركه التحالف الكردستاني وحكومة الإقليم منذ زمن بعيد مما دفع بوتيرة الصراع السياسي معهم إلى هذا الاتجاه للحيلولة دون سيطرتهم على مقدرات كردستان الاقتصادية، وهكذا فإن العراقيين جميعاً مطالبون بالوقوف ضد هذه المجموعة للحد من استنزاف مقدرات البلاد ومنع تحول العراق إلى شركة مساهمة لأعضاء "دولة القانون" يسرحون فيها ويمرحون دون قانون أو سلطة تردعهم.

* كردستان العراق – دهوك

back to top