60 سنة في محاربة الدهون المتحوّلة

نشر في 11-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 11-03-2014 | 00:01
قاد عالِم واحد حملة شرسة ضد المأكولات المصنعة على مدى سنوات طويلة، إلا أن الحكومة الأميركية بدأت التحرك هذا العام.
يحتفظ د. فريد كوميرو في مختبره في جامعة إلينوي بنموذج مشين عن مشاكل البشر: كيس مغلق بإحكام يحتوي شرايين متكلسة ومليئة بالدهون لضحايا النوبات القلبية. بالنسبة إلى هذا العالِم الذي يبلغ 99 عاماً، إنها أدلة قاطعة على أن المأكولات المصنعة ستقتل البشر. يوضح كوميرو: {ندمر شراييننا في كل مرة نتناول فيها تلك المأكولات. كل سنة، يموت 325 ألف شخص بسبب تناول هذه المنتجات. يحصل ذلك منذ  ظهور الدهون الاصطناعية (1909) ولا بد من وقف هذه الظاهرة}.

يعتبر كوميرو أن أكثر المشاكل الصحية إلحاحاً في الولايات المتحدة ينجم عن أحماض دهنية اصطناعية أو دهون متحولة يتم إنتاجها حين تكون الزيوت النباتية مهدرجة أو مطهوة إلى أقصى درجات التشبّع (كما يحصل في سمن المارغرين ووجبات العشاء المجمدة والمأكولات السريعة المقلية). لاحظت دراسات عدة أشرف عليها كوميرو أو نشرها أو أوحى بها أن الدهون المتحولة في هذه المأكولات توفر السببين الأساسيين لأمراض القلب: جلطات الدم في الشرايين التاجية وتصلب الشرايين، أو تراكم الرواسب في الشرايين. تزيل الدهون المتحولة أيضاً الأحماض الدهنية الأساسية (مثل الأوميغا 3) التي يحتاج إليها الجسم للسيطرة على تخثر الدم وبناء أغشية الخلايا في الدماغ.

يقول جيفري كانون، مستشار دولي في صندوق أبحاث السرطان العالمي: {كان فريد كوميرو يعلم، سنة 1957، بشأن الدهون المتحولة، لكن استمرت موجة الاستهلاك رغم كل شيء. كذلك كان يعلم أن المسألة لا تتعلق حصراً بالدهون المتحولة بل بعملية الهدرجة التي تبقى أساسية لإنتاج مأكولات غنية بالطاقة ومنتجات دهنية ومصنعة إلى أقصى الدرجات».

في نوفمبر الماضي، اعترفت إدارة الغذاء والدواء بمسيرة كوميرو في مجال الأبحاث، واقترحت قانوناً لحظر الدهون المتحولة في الأغذية، وهي الخطوة التي يدعو إليها منذ عقود. يسأل كوميرو: «أيهما أهم: تناول المارغرين اللذيذة والناعمة أم عدم قتل الناس؟».

 

مشاكس قوي

ما زال كوميرو مشاكساً وحذقاً ويتذكر تفاصيل أبحاثه عن الدهون، وما زال قوة دافعة في النظام الذي أسسه (دراسة الرابط بين المأكولات المصنعة وأمراض القلب). يتنقل الآن في كرسي متحرك وقد اضطر إلى التخلي عن حصص السباحة اليومية، لكن إنتاجه الفكري يبقى قوياً.

تقاعد كوميرو سنة 1978، لكنه نشر في السنتين الأخيرتين أربع دراسات مؤثرة. تتابع دراسته الأخيرة تحدي وضع المراوحة القائم، فهو يعتبر أن فائض الزيوت النباتية المتعددة عدم الإشباع مثل الذرة وفول الصويا ودوار الشمس (أي الأنواع التي يعتبرها بعض الخبراء بدائل آمنة عن الدهون المشبعة في المنتجات الحيوانية) قد يصلّب الشرايين.

يتناول  كوميرو البيض في كل صباح ويشرب ثلاثة أكواب من الحليب الكامل الدسم يومياً، يقول إننا نقلق بشكل مفرط من الكولسترول: «الكولسترول ليس العدو الذي يتصوره الجميع. فيما يركز معظمنا على معدلات الكولسترول السيئ، تتعلق المشكلة الحقيقية برواسب الكولسترول أو الدهون المؤكسدة في الزيت، وهو ما يحصل خلال القلي المفرط». يقول كوميرو إن الدهون المؤكسدة تؤدي إلى أمراض القلب عبر تراكم الكالسيوم على جدران الشرايين وزيادة سماكة تدفق الدم، ما يعزز احتمال النوبات القلبية والموت المفاجئ.

بحسب رأي كوميرو المثير للجدل، لا بأس بتناول أجبان غنية بالكولسترول واللحوم والزبدة والبيض طالما تبقى هذه المنتجات جزءاً من أسلوب حياة صحي يشمل الخضار والفاكهة والحبوب الكاملة والرياضة. كما أنه يهاجم الفكرة القائلة إن زلال البيض أفضل للصحة: {الناس يأكلون زلال البيض ويظنون أنه صحي لأنهم يتجنبون الكولسترول الموجود في صفار البيض. لكنهم يفتقرون بذلك إلى تسعة أحماض أمينية تساهم في بناء الخلايا وتوفير الفيتامينات والمعادن التي يحتاج إليه الجسم}.

صحيح أن أبحاث كوميرو في مجال الدهون المتحولة باتت تلقى الآن قبولاً واسعاً، لكن فكرته عن اعتبار الكولسترول جيداً تسبب سخطاً عارماً. يعتبر د. روبرت إيكل (اختصاصي غدد صماء ورئيس سابق لجمعية القلب الأميركية، شارك في إعداد توجيهات صحية وطنية تحذر من استهلاك كمية مفرطة من الكولسترول) أن الدهون المشبعة مادة قاتلة أساسية في الولايات المتحدة. يقول إيكل: {ثمة رابط مباشر بين الدهون المشبعة وأمراض القلب، وتتعدد البيانات التي تثبت ذلك}.

سابق لعصره

تعجّ حياة كوميرو ومسيرته المهنية باستفزازات مماثلة تناقض الأفكار التقليدية. هرب والداه من الحرب العالمية الأولى وانتقلا من ألمانيا إلى ميلواكي حين كان في التاسعة من عمره. خلال حقبة الكساد الكبير، أنهى مرحلة الدراسة الثانوية ثم عمل في مصنع لتعبئة الجعة، وانتهى به الأمر إلى كسب ما يكفي من المال لحضور حصص ليلية في جامعة ويسكونسن. ثم تابع تحصيله العلمي لينال شهادة دكتوراه في الكيمياء الحيوية.

عام 1975، بدأ كوميرو يبحث عن أثر الغذاء في شرايين الخنازير ولاحظ أن الحمية الغنية بالدهون الاصطناعية تؤدي إلى تراكم خطير للرواسب. في تلك السنة، هاجم الدهون المتحولة أمام لجنة التجارة الاتحادية، عندما كانت تناقش أثر البيض على الحمية. يقول كوميرو: {لقد حذفوا شهادتي لأنني عالم كيمياء ولست طبيب قلب}.

يقول د. محمدين محفوظ، أستاذ في الكيمياء الحيوية عمل في المختبر مع كوميرو لأكثر من 25 سنة: {كان قاسياً ولامعاً جداً وسابقاً لعصره وقد واجه مشاكل لهذا السبب. لم يوافقه الجميع الرأي}. مع ذلك، سرعان ما نجحت حملته ضد الدهون المتحولة.

عام 2009، كتب كوميرو عريضة موجّهة إلى إدارة الغذاء والدواء يشتكي من أن شروط وسم الدهون المشبعة التي تذكر معدل {صفر} لكل منتج يحتوي على أقل من نصف غرام من الدهون المتحولة تسمح لشركات الأغذية بـ«الكذب}. هذه السنة، قد تحظر إدارة الغذاء والدواء الدهون المتحولة من السلسلة الغذائية كلها، بعدما استنتجت عدم وجود مستوى آمن لاستهلاكها.

بالنسبة إلى كوميرو، إنها خطوة عملاقة مع اقتراب عيده المئوي في أكتوبر. يقول (توفيت زوجته إيمي بسبب مرض الباركنسون سنة 2012 بعمر 94 سنة): {ما زلت أقوم بما أحبه: الأبحاث. لم أحاول عيش حياة طويلة، بل كنت أحرص على الأكل الصحي وتعلّم المزيد عن الحمية وأمراض القلب. وأظن أنني نجحت في إثبات بعض الأمور لبعض الأشخاص}.

back to top