ماذا حلَّ بخطط ضرب المنشآت النووية الإيرانية؟

نشر في 25-11-2013
آخر تحديث 25-11-2013 | 00:01
قد يعتقد البيت الأبيض أنه يستطيع احتواء دولة إيرانية نووية. ولكن عندما تطور طهران القنبلة، تصبح قادرة على زعزعة استقرار الخليج ورفع أسعار الطاقة وقتما تشاء. ولاشك في أن هذا مصدر خوف كبير للسعودية، ما يدفعها إلى السعي إلى تحقيق تهديدها بتطويرها هي أيضاً قنبلة.
 ويكلي ستاندرد يعلن البيت الأبيض أن الكونغرس سيكون المسؤول إن وقعت حرب مع إيران. فقد عبر مسؤولو الإدارة أخيراً عن استيائهم من المشرعين الذين يسعون إلى فرض جولة جديدة من العقوبات على الإيرانيين. يذكر المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني: "من الضروري أن نفهم: إذا عرقلنا المسار الدبلوماسي إلى إصدار قرار جديد أو استبعدناه، فأي وسيلة أخرى نملكها نحن وحلفاؤنا لنمنع إيران من تطوير سلاح نووي؟ لا يريد الشعب الأميركي السير إلى الحرب".

يقوم هذا الطرح على فكرة أن الضربة العسكرية ستكون الخيار الوحيد المتوافر لأوباما (الذي يؤكد أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة)، في حال رفض الكونغرس إعطاء أوباما مجالاً دبلوماسياً أكثر مرونة. لا تكمن المشكلة في أنه لا أحد يصدق حقاً أن أوباما قد يلجأ إلى القوة، بل في أنه لا أحد يقترح ذلك، أو على الأقل لا أحد في واشنطن يدعوه إلى استخدام القوة.

مع بدء الجولة الثانية من المفاوضات في جنيف، بات من الصعب تحديد ماهية الخط الأحمر الأميركي في الوقت الراهن. فمن وجهة نظر مسؤولي الإدارة، يُعتبر حمل إيران على الالتزام بقرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة وتعليق تخصيب اليورانيوم موقفاً "متطرفاً"، حسب ما يشير روبرت ساتلوف. نعم، دفع توق البيت الأبيض إلى عقد صفقة مع طهران المناظرة الأميركية نحو تبني موقف من إيران يعتبر فرض المزيد من العقوبات الخطوة الأكثر تشدداً. وهكذا أصبح الحديث عن توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية خارج إطار الخطاب المتحضر.

من السيئ كفاية أننا طالما افترضنا أن إسرائيل، لا الولايات المتحدة، هي مَن ستنفذ ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية، ومَن سيضبط ويحمي منطقة استراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة إلى المصالح الأميركية. لكن المناظرة الأميركية باتت اليوم شديدة التوتر، حتى إننا ألقينا على كاهل إسرائيل ما كان يشكل سابقاً الموقف الأميركي الرئيس الذي نادى به أوباما نفسه: إذا أخفقت كل الحلول فسنهاجم إيران.

يعتبر المسؤولون الأميركيون المعنيون بالشأن الإيراني وخبراء منع انتشار الأسلحة النووية أن البيت الأبيض لا يستطيع الضغط كثيراً على الرئيس الإيراني حسن روحاني، وإلا يخاطر بإثارة استياء "المتشددين"، حرس الثورة الإيرانية. نتيجة لذلك، تشمل محاولة إبقاء روحاني جالساً إلى طاولة المفاوضات وتحفيزه القبولَ بكل المطالب الإيرانية.

لكن البيت الأبيض لا يتفاوض حقاً مع إيران، بل يؤدي الدور الخطأ في مناورة مخادعة فاشلة هدفها كسب الثقة. فلا أعتقد أن وندي شيرمان أو فاليري جاريت أو أي عضو آخر في فريق مفاوضي أوباما كان سيلجأ إلى الموقف الأميركي الأكثر تشدداً ليضغط على إيران.

ولكن ماذا حل بالصقور المتشددين في الشأن الإيراني؟ في عام 2007، عدل جون ماكين أغنية فرقة Beach Boys الشهيرة "بربارا آن"، مستبدلاً هاتين الكلمتين بـ"قصف إيران". ثم حلت الأزمة المالية ليليها انتصار أوباما وتصميم البيت الأبيض على عقد صفقة كبرى مع طهران. نتيجة لذلك، صار كل مَن يشكك في حكمة حماسة أوباما لعقد صفقة مع دولة راعية للإرهاب تقتل الأميركيين منذ عام 1970 يُعتبر شخصاً يريد إقحام الولايات المتحدة التي أنهكتها الحرب في صراع آخر في الشرق الأوسط. وبحلول انتخابات عام 2012، حرص ميت رومني على ألا يظهر بمظهر الجمهوري المتعطش إلى الحرب.

صحيح أن إدارة أوباما رفعت معيار المناظرة الأميركية بغية حض الجمهورية الإسلامية على مجاراتها، لكننا لم نشهد أي تبدل في السلوك الإيراني. فلو كانت القوات الأميركية لاتزال في العراق لاستُهدفت تماماً كما كانت تُستهدف قبل 6 سنوات حين عدل ماكين أغنية Beach Boys، وتماماً كما لايزال الجنود الأميركيون يُستهدفون في أفغانستان.

يحقق الإيرانيون اليوم مبتغاهم. ويبدو الجميع تقريباً غير مرتاحين لفكرة توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية، نظراً إلى نجاح الحملة الدعائية العامة التي تشنها الإدارة. لنقارن هذه الجهود بواقع أن أوباما لم يحضر الشعب الأميركي مطلقاً لاحتمال تنفيذ ضربة عسكرية. لا تُعتبر هذه مهمة صعبة. فيكفي إصدار بعض الإعلانات العامة التي تذكر الناخبين بما فعلته إيران بالأميركيين خلال السنوات الأربع والثلاثين الماضية، من أخذهم رهائن في طهران عام 1979، وبيروت خلال الثمانينيات إلى قتلهم وتشويههم في العراق وأفغانستان واستهدافهم بعمليات إرهابية في مطاعم واشنطن، ومطار جون كينيدي في نيويورك.

لكن حملة البيت الأبيض هدفت، بدلاً من ذلك، إلى عزل "المتشددين" الأميركيين وإحراجهم. فهنيئاً لصانعي السلام! أما كل مَن يتساءل لمَ علينا أن نبدد مكانة الولايات المتحدة لقاء ثمن بخس بالتعامل مع دولة مستبدة مخادعة معادية للسامية تعذب شعبها وتقتله وتشارك منذ نحو سنتين ونصف السنة في حملة طويلة من القتل الجماعي الطائفي في سورية، فيسعى إلى شن حرب ضد إيران.

توضح مجموعة من مسؤولي الإدارة أننا حتى لو أيدنا ضرب أهداف إيرانية (مع أنهم يرفضون ذلك)، فكل ما تستطيع القوات المسلحة الأميركية تحقيقه تأخير برنامج إيران بضع سنوات. وإذا تجاهل أوباما هذا التقييم وطلب من جيشه الاستعداد لتوجيه ضربة موجعة إلى إيران للتأكيد للإيرانيين أننا في كل مرة يعيدون فيها بناء المنشآت فسندمرها، فسنسحق أنظمتهم، وسنقصف قواعد حرس الثورة وثكناته إلى أن يفهموا ما نرمي إليه، يؤكد بعض خبراء الشأن الإيراني أن الشعب سيلتف حول النظام.

لاشك في أن الناس في الواقع لا يلتفون حول نظام مستبد عند تدمير مشروعه الأبرز ومصدر فخره. لكن ما يحدث عادة أن الرجال الطموحين والمخادعين يشتمون رائحة الدم ويقتنصون الفرصة. علاوة على ذلك، يواجه الأميركيون الازدراء والكره بسبب العقوبات التي شلت الاقتصاد الإيراني، وقوضت قدرة كل إيراني على تأمين قوته وقوت عائلته. ولابد من أن الإيرانيين يتساءلون: هل الأميركيون أكثر غباء من أن يفهموا أن الشعب ليس المسؤول عن البرنامج النووي، بل النظام؟ أم ئن أوباما قاسي القلب؟ يعتقد الإيرانيون أن النتيجة النهائية للعقوبات المفروضة عليهم تخييرهم بين المجاعة والنزول إلى الشارع لمعارضة نظام سحقهم كالحشرات حين ثاروا ضده في يونيو عام 2009.

من وجهة النظر هذه، يشكل قصف النظام بديلاً إنسانياً للعقوبات والبديل الاستراتيجي المنطقي الوحيد لمنع إيران من تحقيق القدرة النووية. قد يعتقد البيت الأبيض أنه يستطيع احتواء دولة إيرانية نووية. ولكن عندما تطور طهران القنبلة، تصبح قادرة على زعزعة استقرار منطقة الخليج العربي ورفع أسعار الطاقة ساعة تشاء.

ولاشك في أن هذا مصدر خوف كبير بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، ما يدفعها إلى السعي إلى تحقيق تهديدها بتطويرها هي أيضاً قنبلة.

لكن الأميركيين لن يتصرفوا وفق ما تمليه عليهم مصالحهم الخاصة، سواء كانوا من مسؤولي البيت الأبيض أو من المتشددين. على العكس، عهدنا بمخاوف الولايات المتحدة بشأن أمن الخليج العربي إلى إسرائيل، كما لو أنها عاملة تنظيف أُوكلت إليها مهمة القيام بعمل وسخ متواضع. لندَع بنيامين نتنياهو يصيح على الهامش أن إسرائيل لا تلتزم باتفاق الإدارة المنافي للمنطق، ويهدد ضمناً بمهاجمة إيران. فمع تهديد الجمهورية الإسلامية بمحو الكيان الصهيوني عن الخارطة، تُعتبر إسرائيل المعني الأكبر ببرنامج إيران النووي. ومن المؤكد أن للمملكة العربية السعودية وبلدان مجلس التعاون لدول الخليج الأخرى أسباباً وجيهة للشعور بالخوف أيضاً. صحيح أن تخلي أوباما عن إرث الولايات المتحدة طوال ستين سنة في الخليج العربي، حيث ضمنت استقرار سوق النفط العالمي، وساهمت بالتالي في صون أمن الأميركيين وحلفائهم وازدهارهم، يثير بعض القلق، إلا أن هذه المسألة ترتبط في المقام الأول بإسرائيل والمملكة العربية السعودية. لذلك تنسق هاتان الدولتان سيناريوهات توجيه ضربة إلى إيران. فلا يستطيع جيشنا إلا تأخير المشروع الإيراني بضع سنوات، لذلك نحتاج إلى المزيد من العقوبات.

آن الأوان لنعود إلى موقفنا المتشدد، وما كان يُعتبر الموقف الرئيس في السياسة الخارجية الأميركية ونتمسك به. فإذا أخفقت المفاوضات في حمل إيران على الالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ووقف تخصيب اليورانيوم (وهذا ما سيحدث بالتأكيد)، يجب استهداف المنشآت النووية الإيرانية. إذا فشلت كل الحلول الأخرى، فلنضرب إيران.

* لي سميث | Lee Smith

back to top