هل ستصحّح سنغافورة مسارها؟

نشر في 09-11-2013 | 00:05
آخر تحديث 09-11-2013 | 00:05
No Image Caption
أصبحت سنغافورة معقلاً أكثر رواجاً لتبييض الأموال والتهرب من الضرائب. لكنها تواجه الآن دعوات للإصلاح وتقف أمام معضلة صعبة: هل يمكن أن تكون موطناً لصائدي الثروات ومعقلاً للنزاهة في آن؟
خيّمت سحابة ضبابية بنية مائلة إلى الصفار فوق شوارع المركز المالي في سنغافورة. من ناطحة سحاب عالية فوق الميناء، بالكاد نستطيع رؤية الصفوف اللامتناهية من الحاويات في محطات الميناء. تظهر سحابة دخانية معروفة محلياً باسم {الضباب} (نتيجة وسائل القطع والحرق التي يستعملها المسؤولون عن زيت النخيل في أندونيسيا المجاورة) لِتُظلم سماء سنغافورة الثرية، على الجانب الجنوبي من شبه جزيرة ماليزيا. لكن لم يكن الهواء سيئاً يوماً بقدر ما هو عليه الآن.

يعتبر النقاد المحليون أن الضباب يرمز إلى أثر القذارة المجاورة التي لوّثت نموذج العمل في المدن المستقلة. هذه المدينة جعلت نفسها تتكل على التجارة العالمية، ونمو الأنظمة الاقتصادية الناشئة في آسيا، ورعاية الأثرياء من أنحاء العالم، ويستعمل هؤلاء المركز المالي الضمني كمعقل وموقع لتخزين ثرواتهم.

تواجه سنغافورة الآن مشكلة دقيقة: برزت مؤشرات حديثاً على ظهور أزمة في الأنظمة الاقتصادية الناشئة مثل الهند وأندونيسيا، وتخضع سنغافورة لضغوط متزايدة من أوروبا والولايات المتحدة كي لا تمنح نفسها منافع غير منصفة في خضم المنافسة بين الملاذات الضريبية.

نادراً ما تُسمَع الانتقادات في هذا البلد الذي اعتاد على النجاح وتغيب فيه مشكلة البطالة بشكل شبه كامل. لقد تنامى دوره بوتيرة ثابتة على مر السنين كمنصة للشركات العالمية التي تسعى إلى عقد الصفقات في آسيا وتريد دفع أقل قدر ممكن من الضرائب. تنتج الشركات سلعها في البلدان المحيطة حيث تتراجع كلفة الإنتاج.

خطة سنغافورة

تقول السفيرة الألمانية أنجيليكا فيتس: {خطة سنغافورة الاستراتيجية لضمان مستقبلها مبهرة بالفعل}. لقد تغير مشهد المدينة بشكل جذري، وأصبحت ناطحات السحاب متراصة الآن بعدما كانت هذه المساحات تقتصر على الوحل منذ بضع سنوات. تخطط الحكومة لجذب أعداد كبيرة من الوافدين إلى البلد بحلول عام 2030، وذلك لتجنب أن يصبح معظم السكان من فئة كبار السن. حتى إنها تعمد إلى استصلاح الأراضي في البحر لإنشاء مساحات مُعدّة لتشييد مبانٍ جديدة واستيعاب عدد أكبر من الناس، علماً أن العدد السكاني الراهن يبلغ 5.4 ملايين نسمة.

في سنغافورة، يتمحور كل شيء حول النمو والاستهلاك. حين ظهرت مشكلة الضباب، توجه عدد كبير من سكان سنغافورة إلى موقع {أمازون} للتسوق على الإنترنت لطلب أقنعة التنفس. يقول جيمي كوه من «البنك المتحد في الخارج» (UOB)، وهو بنك بارز في سنغافورة: {يثبت ذلك مدى تطور القوة الشرائية هنا}.

“البنك المتحد في الخارج} هو مثال على ما يحرك سنغافورة. فقد وجّه كامل استراتيجيته نحو النمو في {اتحاد دول جنوب شرق آسيا}، منظمة تتألف من عشرة بلدان في المنطقة وتتشكل الطبقة الوسطى المزدهرة هناك. يدير كوه قسم العلاقات الاستثمارية في البنك، وهو مؤيد قوي لهذه الاستراتيجية.

تبقى السوق المحلية لبنوك سنغافورة محدودة جداً. يوضح كوه: {لكن من خلال خدمة سوق {اتحاد دول جنوب شرق آسيا}، نوسّع قاعدة عملائنا المحتملين من 5 إلى 500 مليون}. منذ خمس سنوات، كان {البنك المتحد في الخارج» يملك 40 مليار دولار سنغافوري (حوالى 20 مليار يورو أو 27 مليار دولار أميركي) على شكل أرصدة خاضعة للإدارة. اليوم، يملك 60 مليار دولار سنغافوري، ومن المتوقع أن يرتفع العدد خلال خمس سنوات ليبلغ 100 مليار دولار سنغافوري.

مال مشبوه

كانت المشاكل التي واجهتها حديثاً المراكز المالية الناشطة، مثل لندن ونيويورك وزيوريخ، قد أفادت سنغافورة ومصارفها. بعدما تزعزعت البنوك الكبرى في وول ستريت والتايمز بسبب الأزمة المالية، حوّل عدد كبير من المستثمرين أنظارهم نحو آسيا. يقول ألبرت باتيجن، المسؤول الرئيس عن تقييم المخاطر في {بنك سنغافورة للتنمية} (DBS)، وهو أكبر بنك في البلد: «نستفيد من الباحثين عن الأمان. تشمل سنغافورة أحد أهم الأنظمة المالية المستقرة في العالم». فضلاً عن أنه أحد أكثر الأنظمة تكتماً.

عندما بدأت السلطات في الولايات المتحدة وأوروبا تطارد المتهربين من الضرائب في السنوات الأخيرة وتبتعد تدريجاً عن السرية المصرفية في سويسرا، نقل عدد من أغنى الأغنياء أرصدتهم إلى سنغافورة.

حين يُسأل مصرفيون مثل باتيجن عن الأموال غير الشرعية التي تصل من أوروبا، تكون أجوبتهم سريعة وتلقائية. يقول باتيجن: {لا نريد ذلك النوع من الأموال. لا رغبة لنا في ذلك}. لكنّ الحقائق التي كشفت عنها {تسريبات الحسابات الخارجية} (تقرير صدر في شهر أبريل عن {الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين} وكشف تفاصيل عن 130 ألف حساب خارجي) وضعت سنغافورة في موقف محرج. قادت البيانات الواردة في التقرير مباشرةً إلى سنغافورة، وتحديداً {جادة تيماسيك}.

“نافورة الثراء} أكبر نافورة في العالم، وهي عبارة عن تصميم برونزي عملاق يقع في تلك الجادة وتحيط به خمسة مباني رمادية تُعرف باسم {أبراج سونتيك}. فتحت شركة {بورتكوليس تراست نت} مقرها هناك. تصنّع الشركة أحواض صيد لنوافير الثراء وتؤسس شركات ائتمان وتنقل الأرصدة إلى الملاجئ الضريبية.

رفض الرئيس التنفيذي لشركة {بورتكوليس}، ديفيد شونغ، الاتهام غير المباشر الذي وجّهه الصحافيون الذين يقفون وراء {تسريبات الحسابات الخارجية} بأن شركته تساعد المتهربين من الضرائب على إخفاء أموالهم. في الربيع الماضي، أعلن شونغ أن شركة {بورتكوليس} تلتزم بكامل القوانين والتنظيمات التي تكافح تبييض الأموال والتهرب من الضرائب وأنها لا تتعامل مع أشخاص يمكن أن ينخرطوا في نشاطات مماثلة. لكنه يلتزم الصمت منذ ذلك الحين.

تلميع صورة

تعمد الحكومة وهيئة النقد في سنغافورة الآن إلى تطبيق مقاربة أكثر صرامة لتحسين صورة المدينة الهشة. قال مدير هيئة النقد في سنغافورة، رافي مينون، حين سُئل عن شركة {بورتكوليس}: {لا خطب في فتح حساب ائتماني}. حتى الآن، يعتبر أن التدقيق ببيانات {تسريبات الحسابات الخارجية} لم يكشف عن ارتكاب أي خطأ: {تنطبق قواعدنا في مجال مكافحة تبييض الأموال على شركات الائتمان وعلى البنوك أيضاً}.

يريد مينون أن يظهر بصورة الشخص الذي يطارد المتهربين من الضرائب وكل من يساعدهم. يوضح مينون: {من يتحدث عن حصول تدفق كبير للأموال الأوروبية إلى المراكز الآسيوية مثل سنغافورة يملك نظرة مغلوطة على نحو خطير}. يخبر محامو الضرائب قصة مختلفة، لكن لا أحد يبدو مستعداً للإفصاح عن رأيه علناً. تشير تقديرات {مجموعة بوسطن الاستشارية} المرموقة إلى أن 14% من الأرصدة الخارجية (قيمتها تريليون دولار أميركي أو 740 مليار يورو) التي تخضع للإدارة في سنغافورة وهونغ كونغ تأتي من أوروبا.

في عام 2009، دعمت سنغافورة المعيار الضريبي الذي حددته {منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية} في مجال التبادل التلقائي للمعلومات وأدرجته ضمن معاهدات الازدواج الضريبي. منذ 1 يوليو من هذه السنة، اعتُبرت عمليات التهرب المتعمّد من الضرائب والاحتيال الضريبي جرائم من فئة تبييض الأموال. في أكتوبر 2011، طلبت هيئة النقد في سنغافورة من البنوك أن تضمن التزام العملاء بالمعايير المستقبلية. أخيراً وليس آخراً، توشك سنغافورة على عقد اتفاق بين الحكومات من شأنه أن يسهّل التزام المؤسسات المالية في سنغافورة بقانون الالتزام الضريبي الأميركي للحسابات الأجنبية (FATCA). يطلب هذا القانون من البنوك في سنغافورة أن تنقل تلقائياً بيانات الحسابات التابعة للمواطنين الأميركيين إلى السلطات الأميركية.

يقول مينون: {في المبدأ، نحن مستعدون لخوض مناقشة مع الاتحاد الأوروبي حول التبادل التلقائي للمعلومات. على المدى الطويل، قد يصبح هذا الأمر المعيار الجديد}. بالنسبة إلى مينون، يُعتبر تساوي الفرص والتنفيذ الصارم في جميع المرجعيات الكبرى أحد الشروط المسبقة لتعزيز تبادل المعلومات. تقول السفيرة فيتس: {تخشى سنغافورة أن تصبح جهة مشبوهة لأنها تتكل على سمعتها الحسنة كمركز مالي}.

ثغرات للأجانب

لكن لا تنطبق القوانين الجديدة والأكثر صرامة إلا على الضرائب التي تجمعها المدينة المستقلة. لا تفرض سنغافورة ضرائب مستحقة عن الميراث أو ضرائب على أرباح الرساميل. يعني ذلك أن كل من ينجح في التهرب من الضرائب عبر نقل إرثه الألماني إلى سنغافورة لن يُعاقب بالضرورة.

يدافع سكان سنغافورة عن نظامهم بكل قوة دوماً، وغالباً ما يخفون موقفهم الحقيقي وراء ابتسامة ساحرة. لنأخذ مثلاً ياه فانغ شيام المسؤولة عن السياسة الضريبية في وزارة المالية السنغافورية. تقول: «نحن لسنا ملاذاً ضريبياً. نعرض معدلات ضرائب تنافسية لأننا نشجع ريادة الأعمال ونريد جذب الشركات كي تستثمر هنا وتتابع تطوير اقتصادنا».

تبقى معدلات الضرائب الفعلية في البلد أدنى من أي معدل آخر في العالم. يبلغ الحد الأقصى من المعدل الضريبي حوالى 20% وتدفع الشركات معدلاً أقصاه 17%، لكن ثمة استثناءات قليلة.

يكمن التناقض في هذه النقطة تحديداً: تريد سنغافورة أن تكون مركزاً مالياً جاذباً، تزامناً مع الحفاظ على سمعتها كمنطقة تخلو من الفساد والبقاء أعلى بدرجة من مستوى الملاذات الضريبية المعروفة مثل ناورو. تبدو الحكومة التي يديرها {حزب العمل الشعبي} صارمة في ما يخص الحفاظ على نظافة الشوارع وقطارات الأنفاق والحدائق، لكن يشكك البعض بالتزامها بتطبيق القوانين الجديدة حول تبييض الأموال والتهرب من الضرائب.

عقلية المقامرة

كينيث جياريتنام خبير اقتصادي وأمين عام حزب الإصلاح المعارِض. في عام 1981، كان والده أول سياسي معارِض يدخل البرلمان المحلي. يقول جياريتنام: {لطالما كانت سنغافورة ملاذاً ضريبياً، وهو خلل مستوحى من الأنظمة الفاسدة التي تحيط بها}. يوافقه الرأي أحد المحامين الألمان، فهو يعتبر أن نسبة كبيرة من الأموال التي تأتي من مصادر مشبوهة في البلدان المحيطة يتم إيداعها في سنغافورة. إنه أمر مطلوب، من الناحية السياسية، ضمن منطقة {اتحاد دول جنوب شرق آسيا» بحسب قوله.

تحتل سنغافورة مكانة عالية في تصنيف التقرير السنوي للتنافسية العالمية الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، لا سيما في ما يخص اليقين القانوني ومكافحة الفساد. لكن يقع بعض البلدان المحيطة، مثل أندونيسيا، على الجانب الآخر من التصنيف.

يقول جياريتنام إن مشكلة سنغافورة تكمن في عدم وجود تدقيق برلماني كاف بالاقتصاد أو مراقبة فعلية لمسار تطبيق قوانين مكافحة الفساد: {العلاقات الشخصية بالغة الأهمية في قطاعَي الأعمال والسياسة في سنغافورة}.

الحكومة والاقتصاد متداخلان بشدة، وتتعزز هذه العلاقة بفعل نفوذ العشائر العائلية التي فرضت سيطرة واسعة على السياسة وعلى شركات عدة طوال عقود.

يصف جياريتنام القيادة السياسية والاقتصادية في البلد بالنظام المنغلق. رئيس الوزراء لي هسين لونغ هو رئيس صندوق الثروة السيادية المعروف باسم «حكومة سنغافورة للاستثمار» (GIC)، وتدير زوجته هو تشينغ ثاني صندوق للثروة السيادية، { تيماسيك». يسيطر صندوق «تيماسيك» على أكبر بنك في جنوب شرق آسيا، أي «بنك سنغافورة للتنمية»، كونه أحد المساهمين البارزين.

بنوك أوروبية

لا ترتبط صناديق الثروة السيادية والبنوك المحلية وحدها بعلاقة وثيقة مع السياسيين. حين عقد رئيسا {دويتشه بنك» التنفيذيَين، أنشو جاين ويورغن فيتشين، اجتماعاً للمجلس في سنغافورة منذ فترة، استغلا الفرصة لتحسين علاقتهما مع رئيس سنغافورة توني تان. يوظف «دويتشه بنك» أكثر من 2100 شخص في سنغافورة. ووفق «تسريبات الحسابات الخارجية»، استعمل عملياته في سنغافورة لإنشاء أكثر من 300 مؤسسة وشركة ائتمان في الملاذات الضريبية. تان هو أحد معارفه القديمة. قبل انتخابه رئيساً، كان عضواً في المجلس الاستشاري لشؤون منطقة آسيا والمحيط الهادئ في «دويتشه بنك».

تحاول سنغافورة تعزيز تجارة السلع، بدءاً من النفط وصولاً إلى الغاز والذهب، وهو أمر يناسبها تماماً نظراً إلى موقعها كمدينة مرفئية على الطريق التجاري الواقع بين الصين والهند. قبل فترة قصيرة من لقاء الرئيس مع مصرفيين من فرانكفورت، استأجر هؤلاء مساحة لمئتَي طن من الذهب في ميناء معفاة من الرسوم الجمركية في سنغافورة. شعر الأثرياء الصينيون والهنود بالحماسة حديثاً تجاه هذا المعدن الثمين الذي أصبح رخيصاً نسبياً غداة تراجع الأسعار أخيراً، لا سيما في سنغافورة. في السنة الماضية، أعفت الحكومة قطاع تعدين الذهب ومعادن ثمينة أخرى من ضريبة السلع والخدمات، وكأنها أرادت بذلك جذب حصة أكبر من التجارة في قطاع المعادن الثمينة.

يقدّر الأجانب الأثرياء قيمة الميناء المتطور والمُعفى من الرسوم الجمركية في المطار، حيث يستطيعون شراء الذهب وتخزينه من دون دفع أي ضرائب أو رسوم جمركية. استأجر بنك {يو بي أس} بدوره مساحة جديدة هناك وهو يتفوق على {دويتشه بنك» من حيث تعزيز العلاقات في سنغافورة. يملك صندوق «حكومة سنغافورة للاستثمار» حصة في بنك «يو بي أس»، ويعمل المدير المالي السابق، جون كريان، الآن في صندوق سنغافورة الآخر «تيماسيك».

تنامي قوة آسيا

يدير بيتر كوك مكتب إدارة استثمارات العملاء الأثرياء لصالح بنك {يو بي أس} في سنغافورة وماليزيا، وقد سئم من النقاش حول الأموال المُعفاة من الضرائب التي يُقال إنها تنتقل من سويسرا إلى سنغافورة. يشرح كوك: {من وجهة نظرنا، لا أهمية كبرى لأوروبا في ازدهار عملنا}. يدير بنك {يو بي أس} 210 مليارات فرنك سويسري (170 مليار يورو) في آسيا. يظن كوك أن مصرفه يستطيع تحقيق معدلات نمو سنوية تفوق العشرة بالمئة في هذه المنطقة، وهو يعتبر أن حصة الأعمال التي تأتي راهناً من أوروبا تبقى ضئيلة.

يتوقع مركز تشغيل البنوك (BCB)، وهو فرع من {بوست بنك} الألماني، أن ينشأ معظم الثروات الجديدة التي يتم استثمارها عبر الحدود في آسيا خلال السنوات الخمس المقبلة، وأن تجمع المنطقة 1.4 تريليون دولار أميركي على شكل ثروة جديدة خلال هذه الفترة. ستستفيد سنغافورة تحديداً من هذا الوضع. وفق مركز تشغيل البنوك، من المتوقع أن تصبح هذه المدينة المستقلة ثاني أهم مركز خارجي في العالم، بعد سويسرا، بحلول عام 2017.

لكن أحياناً يشعر كوك (هو هولندي) بالغضب بسبب نزعة المغامرة عند عملائه الآسيويين في مجال الاستثمار. فيما يتحدث الأوروبيون عن المخاطر السائدة، يطلب العملاء في سنغافورة دوماً نصائح فورية بحسب كوك: {يحب الآسيويون المراهنة بكل بساطة}.

أكبر من سفينة {التايتنك}

يتّضح ميل الآسيويين إلى المراهنة في كازينو {مارينا باي} وفندق {مارينا باي ساندز} الذي يعكس على ما يبدو أقصى ما تحلم به سنغافورة. هو يتألف من ثلاث ناطحات سحاب تحمل تصميماً يشبه هيكل سفينة ويبدو أكبر من سفينة {التايتنك} نفسها، إلى جانب حوض سباحة ومناظر طبيعية. يحمل التصميم بكل فخر اسم {سكاي بارك} (أي حديقة السماء). يسهل أن يشعر كل من يتناول نوع كوكتيل باهظ الثمن في مطعم {كوديتا} الفاخر بأنه غزا عالم المال في الأبراج اللامعة على طول نهر سنغافورة.

في الكازينو، على عمق 200 متر تقريباً، يتعارف الأثرياء في منطقة النادي الحصرية. كل من يتوق إلى بلوغ ذلك المكان يقامر في قاعات أخرى، وينتعل معظم الحاضرين الشبشب أو الأحذية الرياضية ويرتدون القمصان وسراويل الجينز.

على طاولة الروليت، اشترى رجل صيني أصلع كان يرتدي قميص {بولو} أخضر اللون رقائق بقيمة ألف دولار سنغافوري ووضع كدسة منها فوق عدد من الأرقام. ثم رمى مدير اللعبة الكرة التي تراقصت على العجلة إلى أن توقفت في خانة {أحمر 25}.

خسر الرجل الصيني كل شيء، فعبس للحظة قبل أن يسحب كدسة جديدة من المال. على أرض الواقع، هو يدير متجراً في الحي الصيني. يقول: {أحب الروليت}. لكنه ليس الوحيد الذي يحب هذه اللعبة. حين عُلم أن عدداً من المسؤولين الحكوميين يحبون الروليت أيضاً، زاد توتر الحكومة. لذا تريد هذه الأخيرة الآن أن تشرف على موظفيها عن قرب.

وُضعت لافتات تحذير كبيرة كُتب عليها {العبوا بمسؤولية} وسط عدد هائل من ماكينات القمار الرنانة وطاولات الروليت ولعبة {بلاك جاك} وغيرها. يتعارض هذا الشعار أيضاً مع بلد يريد أن يكون أمرين في الوقت نفسه: موطن لصائدي الثروات ومعقل للنزاهة!

back to top