العراق: معلومات ميدانية مخيبة عن معركة الأنبار
المالكي يذهب إلى الانتخابات ولا يحمل سوى بندقيته
لم يعد سراً بالنسبة لكثير من الساسة العراقيين، أن رئيس الحكومة نوري المالكي بات يشعر أنه تعرض لقدر من "التضليل" أو "التوريط" في رمال محافظة الأنبار الغربية. وحسب مطلعين، فإنه اتخذ قراراً مفاجئاً بتحويل مسار العمليات العسكرية، من الحدود الصحراوية مع سورية، إلى مدن محافظة الأنبار، بعد ضمانات متسرعة، قدمها له ضباط وشيوخ عشائر، تفيد بأن الجيش العراقي قادر على حسم الجولة في غضون أسبوع، وإسكات كل معارضيه في المنطقة التي تشهد اعتصامات منتقدة للحكومة منذ نهاية ٢٠١٢.وتقول أطراف عراقية إن الحرب على "القاعدة" أمر مهم، لكنهم يعارضون الطريقة التي تدير بها الحكومة عمليات الأنبار، وما رافقها وسبقها من أخطاء، يعتقد أنها ساعدت الجماعات المسلحة بدلاً من أن تكبح جماحها.
وتوشك العمليات العسكرية على إكمال شهرها الثالث، دونما نتيجة واضحة تتيح للمالكي أن يتمكن من ترميم صورته أمام ناخبيه. وقد حاول فريقه العسكري التحكم الكامل بالتغطيات الإعلامية لما يدور في الأنبار، وهؤلاء يبذلون قصارى جهدهم في بث أخبار عن انتصارات الجيش، في حربه مع تنظيم القاعدة او العشائر المسلحة، إلا أن فريق الحكومة لم ينجح في إخفاء الصعوبات التي يواجهها حتى هذه اللحظة، خلال سعيه إلى السيطرة على مركز الأنبار في الرمادي.فوسائل الاعلام المقربة من الحكومة، لم تعد تستطيع الحديث عن انتصارات كبيرة، بينما حرصت عند بدء العمليات نهاية ديسمبر الماضي، على تصوير المعركة كأنها "حرب تكنولوجية" مع مسلحين بدائيين. وراحت قناة "العراقية" تبث بكثافة مقاطع فيديو قالت إنها ملتقطة عبر كاميرا مروحيات مقاتلة عراقية تصيب أهدافها "بدقة"، مبشرة بأن "الحسم قريب"، لكن الأسابيع الماضية شهدت خفوتاً في هذه النبرة، بعد تكشف وقائع معاكسة. ويتداول ساسة كبار في الأحزاب الشيعية، معلومات غاية في الخطورة بشأن الوضع الميداني، ويؤكدون أنهم حذروا المالكي من إمكان انتقال القتال إلى قلب بغداد، ما سيضر بكل الأطراف. وبين تلك المعلومات، أن قادة "داعش" ليسوا محاصرين في الفلوجة (٣٠ كم جنوب الرمادي) بل ان شاكر وهيب، وهو من أخطر قيادات دولة العراق والشام، موجود حاليا بمنطقة الملعب (وسط الرمادي)، وهي حي سكني تعلن الحكومة "تحريره" ثلاث مرات في الأسبوع، وسرعان ما يعود إليه المسلحون.وحسب قيادات عسكرية، فإن الحكومة متفاجئة بعدم جاهزية معظم الفرق للقتال، ما جعل المهمة مكلفة جداً لعدد قليل من التشكيلات المدربة على قتال عنيف مع التنظيمات الإرهابية، مثل "الفرقة الذهبية" التي كان الأميركيون يعتمدون عليها، ويقال إنها قدمت مئات الضحايا من مقاتلي النخبة، في الأنبار حتى الآن. كما أن قائدها فاضل برواري، أعرب عن مدى خيبته، لأنه "ما إن يحرر منطقة ويسلمها إلى الجيش، حتى تسقط سريعاً بيد المسلحين".كما يتحدث ضباط عن أعداد كبيرة للجنود الهاربين من ثكناتهم، حتى ان سياسياً عراقياً بارزاً يردد أن الجميع قلق لأن عدد الجند الذين رفضوا القتال تجاوز ١٠ آلاف عنصر، من مجمل القوة المحتشدة قرب الأنبار والمقدرة بنحو ٤٠ ألفاً، فضلا عن حجم الخسائر بالعربات العسكرية، التي برع المسلحون في تعطيلها او الاستيلاء عليها.ومع عجز الحكومة عن إقناع الرأي العام بوجود سقف لحسم المعركة، فإن ساسة عراقيين من كل الأطراف، لا يتوقفون عن التذكير بأن الولايات المتحدة بكل إمكاناتها، لم تنجح في كسب الحرب، إلا بتحقيق صلح مع القبائل وتوفير ضمانات سياسية وضخ مال كبير للتنمية، مما ساعد الأهالي على إقناع أبنائهم بإلقاء السلاح. ويتحدث هؤلاء عن تشاؤمهم حيال تركيز بغداد حالياً على العمليات العسكرية ورفضها التواصل مع مراكز القوى المؤثرة في الوسط السني، ما يعني أن المالكي اختار الذهاب إلى صناديق الاقتراع في أبريل المقبل، وهو لا يحمل سوى بندقيته، محاطاً بسيل من الانتقادات لنهجه في إدارة الخلافات مع باقي الأطراف، ما يرى المراقبون أنه المنعطف الأكثر كلفة للعراق منذ سقوط صدام حسين.