السياسة الأميركية في سورية والهذيان العربي

نشر في 28-12-2013
آخر تحديث 28-12-2013 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر على الرغم من أن أميركا لم تتحرك بشكل مباشر في المشهد السوري، ولم تحرك جيوشها مثلما تفعل في كل أزمات المنطقة، فإنها بالنتيجة أصبحت الطرف الوحيد المستفيد من نتائج هذا المشهد، بينما أصبح الشعب السوري الخاسر الأوحد في المعادلة برمتها، رغم أنهار الدم التي دفعها على مدى السنتين الماضيتين، فعندما يقحم شعب دون إرادته في أتون ثورة مسلحة لا مقومات واضحة للنصر فيها، فالنتائج تكون كما آلت إليها الثورة السورية.

نقطة التحول الحقيقية في الثورة السورية هي في تحولها من تظاهرات واعتصامات سلمية لشعب أعزل إلى ثورة مسلحة يقودها "عسكرياً" أفراد وضباط منشقون من الجيش النظامي، يفتقرون إلى أبجديات القيادة في التعامل مع هكذا وضع، ويقودها "سياسياً" شخصيات سورية مغتربة بعيدة عن النبض الحقيقي للشارع السوري تفتقد الحنكة السياسية، وبذلك وقعت الثورة بالكامل في شرك المزايدات الإقليمية والدولية وإرادات دول لها أجنداتها ومخططاتها، ما أفقدها استقلالية قرارها السياسي.

إن سياسة "المراقبة عن بعد" التي استخدمتها أميركا منذ بداية الثورة كانت تتحرك في اتجاهين: الأول، الحفاظ على أمن إسرائيل وعدم المساس به في القتال الدائر في سورية. والثاني، الحفاظ على التوازن العسكري الميداني بين الجيش النظامي السوري والجيش الحر، بغية إدامة الأزمة عسكرياً دون تحقيق نصر حاسم لأي طرف واستنزاف قوى الطرفين وإنهاكهما.

وبعد مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام على الأزمة السورية ووصولها إلى نفق مسدود، يبدو أن الدول المعنية بالشأن السوري (أميركا وروسيا ومعهما إيران) وصلت إلى قناعة، مفادها أن استمرار الأزمة بشكلها الحالي سيفقد الجميع مكاسبهم دون تحقيق أهداف تذكر لأي طرف من الأطراف، خصوصاً بعد أن استطاعت الميليشيات الإسلامية المتطرفة فرض هيمنتها على الواقع العسكري فيه، مما استدعى تغييراً في قواعد اللعبة والخروج من الأزمة الحالية بحلول ترقيعية للدخول في أزمة أخرى بقواعد جديدة تستطيع فيها هذه الدول ترتيب أوراقها من جديد والحفاظ على مكتسباتها، وإن كانت بنسب متفاوتة.

وبالطبع فإنه في ظل أي ترتيبات مستقبلية في سورية ستحوز أميركا حصة الأسد من المكتسبات، لامتلاكها أوراق ضغط كثيرة على أطراف المعارضة السورية والدول المؤيدة لها، بينما تكمن المكتسبات الروسية والإيرانية ضمن مبدأ "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" باعتبارها الطرف الأقل قوة (لكنه ليس الخاسر)، بينما تقف الدول العربية والشعب السوري يتابعان مجريات الأحداث دون قدرة على إحداث أي تغيير يذكر فيها إلا عبر بوابة الحل الأميركي الغربي أو حلول إقليمية أخرى ليست في متناول يدها.

* كردستان العراق – دهوك

back to top