نقد المركزية... حدث الآخر لسيليفيان آغاسانسكي عن التراجيديا والتضحية والعنصرية

نشر في 30-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-05-2014 | 00:01
صدر أخيراً عن دار {طوى} السعودية كتاب {نقد المركزية... حدث الآخر} لسيلفيان آغاسانسكي، بترجمة د. منذر عياشي وفيه يتناول الكاتب حضور الآخر بيننا من الجوانب كافة.
في مقدمته لكتاب {نقد المركزية... حدث الآخر} يشير المؤلف سيلفيان آغاسانسكي إلى أن قضية إعادة طرح الآخر، أي الآخرين، موضوع التأملات التي ستأتي. يجب إعادة طرحها، ليس انطلاقاً من الذاتية، الفردية أو الجماعية التي تعتقد أنها تعلم ما هو خاص بها، ولكن انطلاقاً من هذا الامتحان للآخر الذي هو وجود مباشر، وجود يأتي الآخر دائماً كي يتقاسمه.

اختبارات حادة

قسم آغاسانسكي كتابه إلى مقدمة وخمسة فصول: الأول بعنوان {مسألة الآخر}، والثاني {هل تتواصل الفلسفة؟ استقبال وخيبة من هيدغر إلى دريدا}، أما الفصل الثالث فقد عنونه المؤلف {الخطأ، والآخر، والتراجيديا الحديثة. أنتيغون عجيبة}. ثم {لسنا سامين. الحب والتضحية، ابراهيم ونحن}، وأخيراً {العنصرية، المسؤولية الفلسفية}.

تدخل فصول الكتاب في بعض الاختبارات الحادة، بشكل أقل من العام واستناداً إلى كتابات كييركغارد: اختبار التواصل الفلسفي مع حوافز الإرسال والاستقبال، واختبار صدى الآخر في اختلاف الأجيال مع حافزي الوراثة والذنب المأساوي، واختبار الحب بشكله السامي وتوقه نحو المطلق، أو بقبوله الاكتمال الذي لا تستطيع الذات العاقلة أن تفكر فيه أبداً. وأخيراً اختبار العنصرية، هذا النكوص السيئ الذي لا تستطيع الفلسفة أن تجابهه ما دامت الفرادة تنقصها، وما دامت مستمرة في تصور الأمة بوصفها أمة من المتشابهين، وذلك انطلاقاً من جواهر الإنسان. وهنا يلفت أغاسانسكي أن هذا يعني: عدم الانطلاق من الذات. وإذا كانت الذات الميتافيزيقية قد فوتت على نفسها دائماً قضية الآخر، فلأنها مكونة هي ذاتها على نحو منسحب من العلاقة مع الآخر.

 وعندما تؤكد الفلسفة شغفها بالاستقلال، وعندما تعتقد أن بمقدورها أن تبدأ بذاتها وأن تقيم أساساً على علاقتها بذاتها، فإنها تبقى، بالضرورة، صماء إزاء الآخر. ولن يصيبها شيء آخر منذ اللحظة التي انسحبت فيها إلى حميمية قضيتها الذاتية. وإن هذا ليكون لأن أسئلة الذات المفكرة وأجوبتها قد تأصلت منذ ديكارت. فالعقل {إذ يفكر بذاته نفسها}، ويتساءل بذاته، فإنه لا يسمع صوتاً آخر غير صوته.

يضيف آغاسانسكي أن الانطلاق من الذات يعني التفكير دائماً بكفاية معينة للفكر الذي يسعى كي يتأسس ذاتياً، بل كي يؤسس على ذاته علاقته بالآخر. وتظهر الذات الميتافيزيقية كفايتها مثلاً في الأخلاق الكانطية: يسبق تأكيد الذات العاقلة تفكيرها بالآخر ويحدد علاقتها معه. فالذات تضبط في العمق مع ذاتها علاقاتها بالآخر. وإنها في غير حاجة إلى سماعه. فأن تكون {ميتافيزيقيا الآداب} قد استطاعت أن تستبدل الطلب الذاتي للإرادة الطيبة بالقضية الأخلاقية والسياسية للمنفعة، فإن هذا يشكل سقوط حق الآخرين، ليس بوصفه فكراً مثل ذات أخرى عاقلة، ولكنه يشكل سقوط حق الآخرين، كما يوجدون وكما يعطون لي تجريبياً. ولكن الآخر لا يكون آخر إلا بوصوله إلينا، من بعد فوات أوان اللقاء، فهو يملك تجريبية الحدث وفرادته. إذا كان الآخر ممكناً، وليكن مثلاً الإنسان الآخر، ليس بما هو إنسان في العموم، وليس بوصفه نموذجاً للجنس الإنساني، ولكن بوصفه {ذلك الذي} لا يسمح لي أن أعرفه مسبقاً. ومن هنا فإن طريقة تحييد الآخر لتتمثل في التفكير به انطلاقاً من عالمية القانون، أو من عمومية الجنس، حتى ولو كان الجنس الإنساني.

إدراك الفكر

يشير آغاسانسكي إلى أن المركزية الميتافيزيقية تقضي بأن يتصرف المرء كما لو أن الفكر يستطيع أن يدرك نفسه بنفسه، وذلك قبل أي مجيء للآخر أو أي استعارة منه، كما لو أنه يستطيع جدلياً أن يعيد إدراك نفسه دائماً. (يجب ألا نتكلم فقط عن مجيء الآخرين، ولكن يجب أن نتكلم عن كل غيرية يمكنها أن تعطى له). ولقد يهدف دائماً أن يقيس تقدمه على الآخر وأن ينتسب إلى هذا التقدم (حتى عندما، كما هي الحال عند هيغل، لا يتعرف العقل إلى نفسه إلا بعد فوات التجربة. والسبب لأن الذات المطلقة تعرفه بالذات في الآخر، وإنها لتقوم بالعودة إليه).

يعتبر المؤلف أن الوعي الديني يتطلع إلى الذهاب حتى النهاية من نزع ملكه كي تتحرر الروح التي تفصله عن الآخر، وهذا على عكس الذات المطلقة التي تعتقد أن بمقدورها إعادة استملاكه. وإذا كان كييركغارد قريباً منا في الوقت نفسه، فلأنه يعرف نفسه في توقه. وإنه ليعرف أن الإيمان ينقصه وينقصنا. كذلك يعلم أن الفكر التأملي هو الطلب الفريد للوجود، والذي يتمثل في اتخاذ قراره بنفسه وفي التفكير باختبار القرار. ولم يبق له سوى إمكان المكوث في اكتماله، على مستوى الوجود الذي يطرح سؤال معناه.

كييركغارد يكتب بوصفه محروماً من صمت الإيمان (الذي يتحدث عنه بوصفه شاعراً)، ويمكن القول على نحو أدق، إنه يكتبني، يكتب إلي، أنا قارئه المجهول. إنه يسائلني، أنا الآخر، أي موجود كان، حول ما يكون من الوجود، وإن سؤاله ليجعلني ملتزماً.

يتابع المؤلف أنه وعلى العكس من ذلك، فإن هذا الذي كان من قبل وحده يفهم نفسه بنفسه، يستطيع أن يسأل نفسه (هو ذاته) بخصوص الآخر، وأن ينشر معرفته بالآخر على نحو متفوق. ولكن الفكر الذي يكتب، في اختبار لا كفايته، يتجه نحو الآخر كما يتجه نحو الشاهد الممكن على قلقه وسؤاله، فإنه يغامر بنفسه، ويضع نفسه تحت اختبار الآخر، ولكنه آخر غير محدد.

back to top