تركيا بين الهاجس الكردي ومستنقع داعش في سورية

نشر في 03-05-2014
آخر تحديث 03-05-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر تعتبر تركيا من أكثر البلدان تفاعلاً مع الثورة السورية منذ بداياتها والذي تمثل في تأييدها اللامحدود لخيار الشعب السوري للثورة على نظامه وتبنيه للمؤسسات العسكرية التي انبثقت من رحم الثورة وفعالياتها، بيد أنها فشلت في التعاطي مع المفاجآت التي طرأت على الوضع الميداني للثورة، فيما يتعلق ببروز دور المجموعات الإسلامية المتطرفة وتحولها إلى رقم صعب في الساحة السورية، وفي تعاملها السلبي مع الشأن الكردي في سورية لاسيما أن مناطق النفوذ للطرفين تقع متاخمة على الحدود السورية.

بدأ التخبط التركي تجاه الشأن السوري مع تطور الوضع الكردي السوري وهاجس تركيا من نشوء منطقة كردية تسيطر عليها أحزاب كردية تتبنى أفكار "حزب العمال الكردستاني التركي"، فتغاضت عن تنامي نفوذ المجاميع الإسلامية المتطرفة في تلك المناطق وقتالها للفصائل الكردية بهدف السيطرة على مناطقها.

وعلى نفس السياق تحرك النظام السوري في تحييد الفصائل الكردية (الاتحاد الديمقراطي الكردستاني) بالإبقاء على علاقاتها القديمة معها من جهة وتركها بمفردها في مواجهة التنظيمات الإسلامية من جهة أخرى مع إفساح المجال للتنظيمات الإسلامية للسيطرة على المناطق الواقعة خارج المدن.

وهكذا أصبحت تركيا أمام خيارين أحلاهما مرّ بعد أن أصبح الرجوع لترميم علاقاتها مع نظام الأسد احتمالاً غير وارد... فإما القبول بوجود منطقة كردية ملاصقة لحدودها الجنوبية وإما تركها للمجموعات الإسلامية المتطرفة كي تسيطر عليها، خصوصاً بعد أن طال أمد الثورة السورية دون الوصول إلى نصر حاسم على نظام بشار الأسد.

إن بقاء مسلحي التنظيمات الإسلامية على الحدود التركية الجنوبية يعتبر تهديداً للأمن القومي التركي وانتحاراً سياسياً وأمنيا لها بكل المقاييس، لذلك لا خيار آخر أمام تركيا والاتحاد الديمقراطي الكردستاني سوى إعادة ترتيب الأوراق بينهما والتباحث حول مستحقات المرحلة القادمة بعيداً عن هواجس الخوف المتبادل بين الطرفين، وهكذا فإن هناك خطوطاً عامة ينبغي الوقوف عليها قبل الدخول في تفاصيل المرحلة اللاحقة من العلاقات، ومن بينها:

• الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مطالب بإعادة تقييم للوضع الكردي داخل سورية وخارجها ودراسة الظروف الإقليمية المحيطة به بشكل واقعي بعيداً عن الشعارات "الكبيرة" التي اعتادت الأحزاب اليسارية على تبنيها، فالمعادلة السياسية لكرد سورية تقول إن هناك نظاماً سورياً آيلا للسقوط طال الزمن أو قصر لا يمكن المراهنة عليه لأمد طويل... وهناك أحزاب كردية تتقاسم الشارع الكردي السوري، لديها عمق سياسي مع إقليم كردستان العراق الذي أصبح أخيراً رقماً صعباً في معادلات المنطقة لا يمكن التغاضي عنه، وفي الطرف الآخر من المعادلة هناك قوى سورية عربية مشاركة في الثورة السورية يمكن التنسيق معها وإقامة علاقات طيبة معها لبناء سورية المستقبل، والعامل الآخير في هذه المعادلة هي عملية السلام بين حزب "العمال الكردستاني" التركي والحكومة التركية التي تمثل محور التوازنات الحالية بين تركيا وإقليم كردستان العراق و"حزب العمال الكردستاني".

وبدلاً من اتخاذ مواقف متطرفة تتقاطع مع توجهات القوى المحيطة وتتوازى مع أجندات النظام والقوى الإقليمية المؤيدة له يمكن لـ"الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" إجراء تغييرات شاملة في نهجه السياسي لتكون في خدمة الملف الكردي في سورية والعراق، وحتى تركيا، بترسيخ حياة ديمقراطية حقيقية في المناطق الكردية السورية والتوافق مع الفصائل السورية المشاركة في الثورة السورية على أسس العيش المشترك وضمان الحقوق الكردية في سورية مستقبلاً، مع إرساء أسس علاقات طيبة مع اقليم كردستان وتحويله إلى عمق ستراتيجي له.

هذه الخطوات ستقلل من الهواجس التركية وتكون لها تأثيراتها الإيجابية على مسيرة السلام بين تركيا وحزب "العمال الكردستاني" التركي.

• فيما يخص الحكومة التركية، فهي مطالبة الآن وأكثر من أي مرحلة ماضية بتفهم التطورات الجديدة في المنطقة، وكما أدركت أخيراً أن جوارها لإقليم كردستان العراق أفضل من جوار عراقي يختلف معها مذهبياً وسياسياً فيمكنها العمل مع المنطقة الكردية في سورية بذات النهج في إبعاد شبح التطرف عن حدودها الجنوبية، واتخاذ المناطق الكردية كفاصل جغرافي بينها وبين التنظيمات الإسلامية المتطرفة، والعمل بشكل جاد على إكمال عملية السلام التي بدأتها الحكومة التركية مع "حزب العمال الكردستاني" بالتنسيق مع إقليم كردستان العراق للقضاء على عدم الثقة بينها وبين هذه الأحزاب وإدخالها في التوجه الإقليمي المناسب مع توجهات بقية أطراف المعارضة الوطنية السورية الكردية منها والعربية التي تعمل على تأسيس سورية جديدة تكون الديمقراطية فيها هي الأساس، اعتماداً على احترام خيارات الشعوب والمكونات السورية بمجملها.

إن عدم جدية المجتمع الدولي في دعم الثورة السورية يحتم على الأطراف الإقليمية والداخلية المؤيدة للشعب السوري توحيد مواقفها وإزالة العراقيل التي تمنع من توحيد الجهد الثوري ضد نظام الأسد ومن بين هذه المواقف التناقضات التركية الكردية في الداخل السوري والتي تؤثر سلباً على المواقف فيها.

*كردستان العراق – دهوك

back to top