مئوية ولادة جورج حنين... رائد السرياليين العرب

نشر في 02-02-2014 | 00:02
آخر تحديث 02-02-2014 | 00:02
No Image Caption
تحتفل مصر هذا العام بالذكرى المئوية لولادة الشاعر والناقد المصري السريالي جورج حنين (1914-1973)، الذي يعتبر المحرّك والرائد الأساسي للحركة السريالية المصرية (العربية) في سنوات ازدهارها بين عامي (1937-1952) ومن الأسماء الأساسية عالمياً لتلك الحركة.
كتب جورج حنين بالفرنسية، رغم إلمامه بالعربية وله مؤلفات كثيرة ترجمها كل من بشير السباعي وكامل التلمساني وصدرت في بيروت والقاهرة، ومتوافرة على مواقع الإنترنت. ولعل أبرز من تناول سيرة حنين الكاتب العراقي ساران ألكسندريان في كتابه {جورج حنين... رائد السورياليين العرب} (منشورات الجمل)، حيث ذكر: {من الصعب التحدّث عن السوريالية في باريس من دون أن نجعل مكاناً فيها لجورج حنين (...) لقد كان {أمير المنفى} سطع وتوهّج في أعماله كلّها، تماماً كما توهّج جميع شعراء المرحلة السوريالية الذين قدموا من روسيا وإسبانيا وألمانيا، كذلك قدم هو من مصر تماماً كما قدم جورج شحادة من لبنان وجويس منصور من مصر أيضاً}. لكن رغم ذلك كلّه بقي حنين غير معروف بقوّة، لا في بلده ولا في باريس، لأنه مثل شعراء النخبة كلهم لم يعمل على الناحية الإعلامية لاتساع شهرته، لكن قيمته الأدبية لم تخفَ على أحد.

يشير ألكسندريان إلى خطورة اعتبار حنين مصرياً منفياً {يستخدم بسهولة قصوة لغة بلاد المنفى}. بل يشير صراحة إلى أن من أهداف دراسته عن حنين، ضرورة خرطه نهائياً في الجماعة اللغوية التي ينتمى إليها بحق، ومحدداً موقعه داخل التاريخ الأدبي الفرنسي ذاته، خصوصاً حين نعلم أن ولادة السوريالية الأولى كانت في باريس عام 1924، وسرعان ما تبنتها مجموعات تشكلت في العواصم العالمية الرئيسة، وصلت إلى 27 أمة تقريباً، ضمت مجموعات سوريالية حقيقية، من بينها مصر التي دخلتها أفكار السوريالية على يد جورج حنين في منتصف الثلاثينيات.

يقول الكاتب الفرنسي جان جاك لوتي في مقاله «الحركة السوريالية في مصر» إن جورج حنين إنما أدخل السوريالية إلى مصر في عام 1934 عندما نشر كراسين، أولهما بحث تنكر له، عنوانه «تتمة ونهاية»، وثانيهما كراس لم يكن مؤهلاً بعد لأن يتنكر له ولم تكن فرصة التنكر له كبيرة، وعنوانه «التذكير بالقذارة». فالواقع أننا لا نتنكر، مخلصين، لعنفنا الخاص إلا كي نتبنى عنفاً أشمل. وقد واصل نشاطه بإلقاء عدد من المحاضرات، ومن بينها محاضرة عن موسيقى الجاز، وأخرى عن لوتريامون، وثالثة اختار لها عنواناً «من بارنابو إلى كريبور». وبعد ذلك ببضع سنوات، حاول تقديم رؤية شاملة، فعرض أفكاره في محاضرة، نشرت بسرعة، وكان عنوانها «حصاد الحركة السوريالية» (عام 1937). وفي العام نفسه وفي إطار جماعة «المحاولين»، وهي منتدى ثقافي في القاهرة، شجب حنين، خلال جلسة نظمت تكريماً للشاعر المستقبلي مارينيتي، «تواطؤ الشعر مع الإمبريالية الإيطالية في الأعمال الأدبية للفاشية». وقد أدى الصدام إلى انشقاق في صفوف الجماعة الصغيرة وابتعد جورج حنين عنها. وعندئذ، أسس جماعة «الفن والحرية»، وهي جماعة تجاوبت فوراً مع نداء أندريه بريتون في البيان الذي يحمل عنوان «من أجل فن ثوري حر».  

بيان

نشرت الجماعة الجديدة آنذاك بياناً بعنوان {يحيا الفن المنحط!}، وهو عبارة عن احتجاج على الحظر الذي فرضه هتلر على فن التصوير الحديث، كذلك دعا البيان الفنانين الشبان إلى التعبير عن مزاجهم الشخصي وإلى التمرد على المبادئ الموروثة الجاهزة. وكان حنين يقول في رأيه السريالي: تعرفون كل تلك الأكشاك الرمادية الباهتة الملساء التي تحتوي تارة على محولاتٍ كهربائية قوية وتارة أخرى على كابلاتٍ عالية التردد والتي تجدون على جوانبها عبارة قصيرة تحذركم: {لا تفتحوا: خطر الموت}. حسناً! إن السوريالية هي شيء كتبت عليه يد لا حصر لأصابعها رداً على الصيغة السابقة: {نرجوكم أن تفتحوا: خطر الحياة}.

ثمة أحداث في العالم أثرت كثيراً في شخصية حنين، فخلال الأيام الأولى لشهر مارس 1938، مثل نيكولاي بوخارين (1938-1887) أمام المحاكم الستالينية في محاكمة الـ 21 التي انتهت بإعدامه رمياً بالرصاص بعدما تأكد لهيئة المحكمة أنه «عدوٌّ للشعب» (!)، وهذه المحاكمة الاعتباطية سببت صدمة عميقة لجورج حنين، فمنذ ربيع عام 1936 على الأقل كان بوخارين قد أصبح أحد ملهميه. ففي أبريل 1936، قرأ الشاب المصري الذي لم يكن قد أكمل بعد عامه الثاني والعشرين كراس بوخارين «المشكلات الأساسية للثقافة المعاصرة»، في ترجمته الفرنسية التي صدرت في أوائل ذلك العام في باريس ضمن سلسلة «وثائق روسيا الجديدة».

في عام 1947، أصدر حنين والشاعر إدمون جابيس مجلة «لابار دو سابل»، وظهرت على صفحاتها نصوص مؤسسيها ونصوص أصدقائهم: إيف بونفوا، م. بلانشار، سي. لوسيه، هنري باستورو، وكثيرون غيرهم.  وعام 1948، قطع حنين صلته بالحركة السوريالية التي كان قد انضم إليها منذ عام 1936. ثم واصل، منذ ذلك الحين، طريقه بمفرده، متجنباً كل تضخيم للمخيلة الشعرية. فهو يعمل عن طريق الحذف ويتقدم عبر الإلغاء. وقد بدا له أن هذا النهج في التصرف إنما يسمح له بإضفاء قوة وحياة على صور أساسية، على مواقف وحالات تفك عقد الوجود. والحال أن عدداً من القصائد في مجموعة «المتنافر» (1949) وصفحات معينة في «العتبة المحرمة» إنما تقدم أمثلة جيدة في هذا الصدد.

فن وحرية

كانت «الفن والحرية» بؤرة لقاء الفنانين المصريين والأجانب الذين اعتصموا بالبقاء في مصر خلال أعوام الحرب. وقد عرفت الجماعة الجمهور بالرسم الحديث وأتاحت للفنانين المصريين فرصاً لطموحات فنية جديدة. وفي تلك اللحظة وحدها، أصبح بابلو بيكاسو وبول ديلفو وإيف تانجي وسلفادور دالي وماكس إرنست أساتذة معترفاً بهم من مصر.

ولد جورج حنين في 20 نوفمبر عام 1914، لأب دبلوماسي هو صادق حنين باشا، ولأم إيطالية الأصل اسمها ماري زانيللي. وفي عام 1924، عُين والده سفيراً لمصر في مدريد فصحبه جورج ومربيه، وهناك تعلم اللغة العربية، وحاول أن يترجم إليها كتاب كارل ماركس {رأس المال}. يقول ألكسندريان: ولما كان حنين أعد هكذا، منذ ولادته، للتميز والكوزموبوليتانية، فقد سخر في ما بعد من اللياقات التي كان يعرف مع ذلك أنه يحافظ عليها: {تلقيت باكراً جداً صفعة التربية الجيدة}، هذا ما قاله وهو يتذكر كيف حثَّوه على ممارسة {فن إخفاء الأحزان}.

توفي حنين في باريس ليل 18-17  يوليو 1973، بعد سنوات من الصراع مع مرض أنكره بشراسة، طامحاً أن يحيا حتى النهاية، كما لو أن هذا المرض لا وجود له. وقد أعادت زوجته إقبال جثمانه إلى مصر، واهتمت بأن تنشر في القاهرة كتيباً بعنوان {تقديراً لجورج حنين} يعد آخر دفاتر الأدب التطبيقي من سلسلة {حصة الرمل} التي بدأها {حنين} بنفسه. وفي الكتيب، يعترف لورانس داريل مخاطباً إقبال: {أتعاطف دائماً مع فكرتك بالقيام بنوع من التقدير الجماعي لذكرى جورج حنين، الكاتب الجيد، والرجل المرح، وفي آن، أحد الأشخاص الأكثر أهمية في مصر الحديثة. من جهتي، لن أنساه أبداً، مع أني لم أعرفه عن كثب}.

back to top