العري العربي وهذيان التلقّي

نشر في 02-12-2013 | 00:02
آخر تحديث 02-12-2013 | 00:02
No Image Caption
في خضم الثورة المصرية على نظام الرئيس حسني مبارك عام 2011، انشغل الرأي العالم العربي والعالمي بعلياء مهدي، الطالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة التي قامت بعمل يأتي خارج السياق أو تمرد على السياق، إذ نشرت صورة عارية لها في مدونتها احتجاجاً على ما أسمته «مجتمع العنف والعنصرية والنفاق».
كان عري علياء، في العالم العربي المتمسك بقماشة الحجاب والمذعور من السفور، صاخباً وشغل المفكرين وأصحاب الرأي ودعاة الحداثة وجمهور الفايسبوك بل جمهور الثورة المصري، مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تختار امرأة أو فتاة عربية العري وسيلة لتسجيل موقف، أو للاحتجاج السياسي والاجتماعي والثقافي، فسبق للفنانة التشكيلية السورية المعروفة هالة الفيصل أن خلعت ثيابها كلها في ساحة «واشنطن سكوير بارك» في نيويورك عام 2005، ووقفت عارية تماماً أمام وسائل الإعلام والسياح، وكتبت على ظهرها باللون الأحمر عبارات تطالب بإيقاف الحرب في العراق وفلسطين.

 لم يأخذ عري هالة الفيصل الصدى المطلوب في وسائل الإعلام، ربما لأنها تعرّت في أميركا، وبدا كأن ما تفعله لا جديد فيه، في بلد يعتبر العري من سلوكياته اليومية، ولو فعلت هالة الفيصل ذلك في بلد عربي لألقت شرطة الآداب أو الأخلاق القبض عليها، وربما تعرضت للقتل من حراس الدين.

تعاسة العربيات

 أما علياء مهدي، الفتاة الجامعية، فقد تعرّت من خلال صورة وفي خضم الثورة المصرية، واستقبلت بفائض من المقالات والتفسيرات والتهديدات. شغلت الرأي العام بجسدها العاري كما شغل الشاب التونسي البوعزيزي الرأي العام بجسده المحترق الذي أدى إلى اشعال انتفاضة شعبية في تونس. على أن علياء سرعان ما خرجت من مصر، واختارت العيش في السويد، وانضمت إلى منظمة عاريات الصدور «الفيمن» النسوية الأوكرانية، وشاركت في بعض  نشاطاتها. لم تتعرَّ في الصور فحسب، بل خلال التظاهرات وحمل اللافتات، وفتحت نقاشاً حول العري الاحتجاجي وتداعياته، تراوح  بين اعتباره نموذجاً للحرية أو مثالاً للاستفزاز.

كانت حركة علياء الغريبة في مصر مقدمة لظهور أمينة السبوعي التونسية المنتمية إلى منظمة «فيمن» التي أوقفتها الشرطة وحوكمت بسبب نشاطها الاحتجاجي، وهي أظهرت أجزاء من جسمها،  معتبرة أن «التعري الوسيلة الأفضل للتعبير عن تعاسة النساء في العالم العربي»، وكتبت على صدرها وبطنها: «جسدي ملكي وليس شرف أحد». وقد أمضت أكثر من شهرين في السجن، وبعد خروجها أعلنت انفصالها عن «فيمن»، وعزت قرارها، إلى كون هذه المنظمة «معادية للإسلام» ومشبوهة التمويل، موضحة أنّه لم يرق لها قيام ناشطات المنظمة «بإحراق راية التوحيد أمام مسجد باريس».

 الآن ثمة فتاة جديدة تشغل الرأي العام (اللبناني) بعريها، وهي المصورة الفوتوغرافية اللبنانية رشا كحيل التي نشرت أكثر من عشرين صورة لها، قبل نحو خمس سنوات ولم يكتشفها الجمهور اللبناني إلا اليوم. رشا لم تثر ولم تتظاهر ولم تنضم إلى منظمة {فيمن}، إنما سألت القارىء والمشاهد عن رأيه في اللوحات التي رسمتها بجسدها العاري.

 رشا حائزة إجازة الماجستير في فن الاتصالات والتصميم في الأكاديمية الملكية للفنون المعاصرة في لندن (GSK)  عام 2009. تروي أنها كانت في منزل أحد أصدقائها وفجأة لمعت الفكرة في رأسها عندما خرج لشراء شيء ما… {لا أدري كيف خطرت لي فكرة التقاط صور لي داخل هذا المنزل معتمدة على {المؤقت الذاتي} للكاميرا… حصل ذلك كله من دون علم المضيف، لقد استخدمت السرير، وأكوام الكتب والثياب وكل ما لفت نظري، وضعت نفسي في الفضاء المنزلي بطريقة عفوية}...

أداة عمل

اللافت أن رشا، وبعد سنوات من العمل، لم تصل إلى شيء، من هنا أطلقت هذه الصور في معرض أسمته In your home   لأنها ستلقى تجاوباً بلا شك كونها اعتمدت على جسدها العاري فيها. تقول عن هذا العمل:  {اعتمدت تطور جسدي من خلال ذبذبات الوزن، لون الشعر والتسريحة والوشم... استخدم جسدي كأداة عمل… جسدي أصبح وسيلة تجميع للتحقيق في ظاهرة النزوح، والهوية الاجتماعية}.

 وأصبح الجسد العاري المصور {ميديا} لوصول رشا إلى نشرات الأخبار العربية والمواقع الإلكترونية والمجلات، ومعظمهم لم يتحدث عن صور رشا باعتبارها فنانة أو تقدم فناً من أنواع الفنون الفردية أو الذاتية، بل تحدث عن الصور باعتبارها لفتاة لبنانية {شرقية} تتعرى وتخرج عن السياق وتكسر القالب والمألوف والمحرم، وثمة من يعتبر عملها حرية شخصية وثمة من يدعو إلى محاكمتها.

على إيقاع الضجيج حول صور رشا كحيل، انشغل بعض المواقع الإلكترونية بخبر يفيد أن  ثلاث حسناوات لبنانيات قرّرن التعري في مسبح بحري بين البترون وجونية، وتصويرهن احتجاجاً على البطالة في لبنان وسقوط حق الفتاة في المساواة مع الشباب. سيوزع فيلمهن على اليوتيوب في لبنان والعالم خلال الأسبوع المقبل، مع العلم أن شرطة الأخلاق هددت بتوقيفهن إذا فعلن ذلك، والفيلم سيظهرهن عاريات بالكامل.

{اعتاد الشرق أن يغطي نساءه، فيما اعتاد الغرب الكشف عنهن}، تقول الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي. ويبدو أن العري في العالم العربي والإسلامي لم يُفهم باعتباره يحمل جمالية للصور الفوتوغرافية أو الفن التشكيلي والسينمائي أو يتضمن موقفاً احتجاجياً، بل يُربط كل عريّ نسائي بالفجور والطيش والكفر والزندقة، وعلى هذا لا عجب أن يكون عريّ امرأة صاخباً إلى هذا الحد، ربما أكثر من المجازر والسجون السياسية والقمع.

back to top