العدل... واجب الحاكم وأمل المحكوم
"حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر" مقولة خالدة في التاريخ الإسلامي تتناقلها الأجيال وتتمناها الشعوب ويسعى إليها الحكام، فالعدل كلمة قليلة الحروف كبيرة المعاني عظيمة الدلالة، لطالما أتعبت الحكام وأقلقت راحتهم، وإذا كان العدل العمري صعبا على الحاكم فعليه على الأقل أن يحاول، كما قال نابليون "حاول فيما لا تقدر عليه وتعلّم ما لا تعرفه وجرّب ما ترى أنه مستحيل".الشعب يريد العدل من الرئيس وسيقبل به ولو كان أقل من عدل ابن الخطاب، فمن الممكن أن نتغاضى عن تمهيد الطريق لدابة في صحراء الوادي الجديد، ولكن لن نتنازل عن تأمين الطرق وتطبيق القانون في شوارعه... قد نقبل ألا ينام الرئيس تحت شجرة على جانب الطريق، ولكن لن نسمح أن يعطل موكبه المرور لساعات أو تُخلى الشوارع ليمارس هوايته المحببة.
السيد الرئيس: ليس بكثرة القوانين والتشريعات يشعر الشعب بالأمان، لكن العدل فقط هو ما يشعره بذلك، فالقوانين بلا عدل مثل زبد البحر لا قيمة لها ولا فائدة، ولا تصدق ما سيقوله لك البعض "طبّق القانون ولو ظالماً على الجميع، فالمساواة في الظلم عدل"، لا تصدق ذلك فلن يتحول الظلم أبداً إلى عدل ومساواة، الجميع في الظلم ظلم أكبر وذنب أعظم، فاحرص على العدل ولو كان بسيطاً، وتجنب الظلم ولو كان صغيراً "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره". السيد الرئيس: يرتبط العدل بالمساواة- كما ربطنا الصدق بالوضوح- فلا يكفي أن تكون عادلا مع مجموعة وتظلم أخرى، ولن يشفع لك أن تكون عادلا في موقف وظالما في آخر، فجميل– مثلاً- أن تزور فتاة التحرير المتحرش بها وتقدم لها "بوكيه ورد"، والأجمل أن تزور المئات من فتيات مصر المعتقلات في السجون بلا جريمة سوى مخالفتك في الرأي، أو على الأقل ترسل لهن رسالة تطمئنهن وتؤكد فيها حرصك على محاكمتهن بالعدل... جميل أن تنعى شهداء الشرطة والجيش، والأجمل أن تقدم التعازي لآباء وأمهات طلبة الجامعة الذين قتلوا داخل مدرجاتهم ومعاملهم، ولا تلتفت لمن يبرر لك القتل، فكما قال حكيم "لا تحاور من يبرر القتل فقد مات ضميره"، وهؤلاء ماتت ضمائرهم قبل أجسادهم، وفنيت عقولهم قبل أبدانهم، فلا تسمع لهم قولاً ولا تقبل منهم فكراً.السيد الرئيس: لن يتحقق العدل بدون المساواة بين الجميع، وأنت– كما قلت- رئيس كل المصريين، وكلمة "كل" لفظ يشمل من يخالفك قبل من يوافقك، ومن يعارضك قبل من يؤيدك، لقد أعلنت كلمة حق "لا مصالحة مع من تلوثت أيديهم بدماء المصريين"، والشعب يؤيدك تماماً، ويطالبك بالالتزام بهذا العهد مع إضافة "كل"، فلا مصالحة مع "كل" من تلوثت أيديهم بدماء المصريين الأبرياء... نعم "كل" لا فرق، "فكل" من قتل مصرياً يجب أن يحاسب ويحاكم... و"كل" من رمّل زوجة ويتّم ابنة وأثكل أماً يجب أن يحاسب أياً كان موقعه، وأياً كانت جماعته أو وظيفته وانتماؤه المهني أو السياسي، فبهذا فقط يتحقق العدل ويشعر المواطن بالأمان، وتكون رئيسا لكل المصريين كما أعلنت أنت، وهذا فعلا ما يتمناه الشعب فهل تحقق له ما يريد؟ونكمل في الأسبوع القادم ماذا يريد الشعب من الرئيس؟