بلا سقف: أم الفضائح!
كتبت في مقالي الأسبوع الماضي المعنون: "يا من شرى له من حلاله فضيحة!" أن ما يحدث في ملف استاد جابر هو "فضيحة" بكل المقاييس، ولو صحت التسريبات الأخيرة التي كشفت عن حزمة جديدة من الفضائح، فإن الأمر لن ينحصر تحت مسمى "فضيحة" فحسب، بل سيتعدى ذلك لأن تكون "أم الفضائح"، فقد أطلعتنا وأتحفتنا مصادر إعلامية عدة على تسريب صادم مقتبس -وفقاً للمصادر- من التقرير النهائي لمعهد الكويت للأبحاث العلمية المكلف من مجلس الوزراء بمتابعة أعمال فحص استاد جابر.مفاد التسريب أن اللجنة المكلفة قد استخلصت من نتائج الفحص أن الاستاد "غير مستوف للمواصفات الفنية القياسية للأعمال الإنشائية، ولا يمكن إصلاحه، وأن افتتاحه أمام الجمهور واستخدامه سوف يؤدي إلى حدوث كارثة...". بالله عليكم، ماذا بوسع المرء أن يفعل تحت وابل من الصدمات غير أن يخفض رأسه؟! بالنسبة لي، (لو أعرف أيبّب كان يبّبت).لو سألنا من وافق على استلام المشروع بنبرة ساخطة: من أمرك؟ فإنه سيجيب بنبرة واثقة: من نهاني؟ فهكذا محاسبة حكومية مائعة ستنتج حتماً أبنية خرسانية مائعة. وفي صدد "المحاسبة"، أستذكر الكاتب المصري الساخر جلال عامر، رحمه الله، حين قال: "في مصر لا توجد محاسبة إلا في كلية التجارة"، وأنا أجزم بأن قوله هذا ينطبق تماماً على المفهوم الكويتي للمحاسبة؛ فالمحاسبة لدينا نائمة تلعن من يوقظها، بينما نحن خبراء متخصصون في خراب المؤسسات والتملص من المشكلات وتقاذف المسؤوليات، ولا مانع لدى مسؤولينا الأكفاء من تحميل مسؤولية خطأ بشري للجماد إن اقتضت الحاجة لذلك، ومن الأرشيف أستخرج قصة "الرصيف"، ومن منا لا يتذكر ذلك الفيلم البوليسي (الهوليوودي) الطريف؟ ومنعاً للتأويل، ليس في ما سبق أي شكل من أشكال إلقاء اللوم على الحكومة، فحكومتنا (منا وفينا) وهي انعكاس لمجتمعنا "المحافظ" الذي يحفظ العورات ولا يفضحها، ولتأصيل هذا الموروث الاجتماعي النبيل، أرى الحاجة ملحّة لتقديم مشروع قانون بإنشاء الجهاز المركزي لطمطمة الفضائح.المسألة يا سادة يا كرام ليست فقط مسألة بناء استاد رياضي، بل تتعدى ذلك لتطال كل المشروعات التي ستنجز مستقبلاً، في ظل استمرار غياب الرقابة المسبقة والمحاسبة اللاحقة، ومخطئ من يعتقد أن استاد جابر مرفق خاص يخدم الرياضيين وحدهم، بل هو مرفق عام تم إنشاؤه ليفتح أبوابه أمام الجمهور من مختلف الفئات العمرية في المجتمع، شأنه شأن المدارس والمستشفيات التي يرتادها صغارنا وكبارنا.وعلى ضوء ما تقدم، فإن من الواجب على الوزير المسؤول أن يخرج لمصارحة الرأي العام بخطاب شفاف، يقشع العتمة والضبابية الملتفة حول جدران وأعمدة الاستاد على مدى سنوات. وإن حدث ما لا أتمناه وتأكدت عدم صلاحية المبنى، فمن غير اللائق أن يستمر اقتران اسم الأمير الراحل المغفور له بإذن الله جابر الأحمد -الغالي على قلوبنا جميعاً- بهيكل كونكريتي فاسد، والحل الأمثل للخروج من هذا المأزق المؤرق هو أن تقوم الجهة المالكة للاستاد بتسميته باسم من اشرف عليه أو استلمه. أخيراً وليس آخراً، حسبنا الله ونعم الوكيل في من جعل أحلامنا آيلة للسقوط.قفّالفي هذا الزمن الأغبر، لابد أن تقول للأعور: أنت أعور، وأن تقول للفاسد: أنت فاسد.