أوستن تشابمان مخرج أصمّ يسمع الموسيقى في أفلامه!
أول ما نلحظه في الفيلم القصير Eleven, Eleven
هو عدم سماع أي حوار، بل يعكس العمل ما يشبه أسلوب دانيال لانوا الحالم. يُكتَب الحوار في أسفل الشاشة،
مع أن الممثلين يتكلمون على ما يبدو باللغة الإنكليزية.
هو عدم سماع أي حوار، بل يعكس العمل ما يشبه أسلوب دانيال لانوا الحالم. يُكتَب الحوار في أسفل الشاشة،
مع أن الممثلين يتكلمون على ما يبدو باللغة الإنكليزية.
في المشاهد الافتتاحية من فيلم Eleven,Eleven، تقع امرأة شابة في الشارع فيقترب منها شاب لمساعدتها. يذكر الحوار في أسفل الشاشة أنها تقول: «هل أنت أصم؟ قلت لك ابتعد». فيجيبها الشاب: «في الواقع، أنا أصمّ فعلاً».تتصاعد الموسيقى في هذه اللحظة، لكن لم يتمكن الممثل والمخرج أوستن تشابمان من سماعها يوماً أثناء إعداد Eleven, Eleven. هذا الفيلم الذي فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان الطلاب السينمائي في جامعة {بيبرداين} في عام 2010 يرتكز على تجارب تشابمان كشخص أصم.
بعد مرور سنتين، تغيرت حياة هذا المخرج الواعد: تسمح له أجهزة سمع جديدة بسماع نطاق واسع من الأصوات للمرة الأولى. أول ما فعله هو مشاهدة فيلم Eleven, Eleven. حين انتهى العرض، بكى المخرج الذي يبلغ 24 عاماً. قال تشابمان: {كان الأمر أشبه بالقبلة الأولى. إنه شعور مخيف لكن مشوّق في الوقت نفسه}.بات يعرف الآن أنه سيتمكن من اختيار الموسيقى لأفلامه. بعدما أصابه الذهول في البداية، غاص في عالم الموسيقى وأصغى إلى جميع الأنواع، بدءاً من موزارت وصولاً إلى فرقة {ميتاليكا}، استعداداً لاختيار الموسيقى التصويرية لأحد أفلامه القصيرة التي تروي قصة رجل يخسر كلبه.في ذروة الأحداث، حين يدرك الرجل أن حيوانه مفقود، اقترح تشابمان سلسلة من النوتات العالية في كل لقطة، بما يشبه النغمات المستعملة في فيلم Jaws.قال المؤلف الموسيقي ماكس روير: {ما كان ذلك الاقتراح لينجح. كان المشاهدون ليخرجوا من جو المشهد. فكرتُ بضرورة ابتكار بعض المواد}. وأوضح تشابمان: {لم أكن أعلم معنى الأفكار المبتذلة. كان عليّ أن أتعلم الكثير بعد}.صمت تامبعد بضعة أشهر على ولادة تشابمان، لاحظ والداه، مولي وبيتر، أنه لا يضطرب أو يتفاعل حين تنبح الكلاب ولا يهدأ حين يتحدثان معه.كانت مولي تعمل كممرضة بيطرية، فظنت أن المشكلة تتعلق بوجود سائل خلف طبلة الأذن. لكن حين خضع تشابمان للاختبار عندما كان في شهره التاسع، قال الأطباء إنه يعاني حالة حادة جداً من الصمم، وهي أعلى درجة من فقدان السمع الذي يجعله يسمع صمتاً تاماً. ما من علاج لحالته.لا أحد يعلم سبب مشاكل السمع لدى تشابمان، مع أن والديه يشتبهان بأن الأمر وراثي. احتاج عدد من أقاربه إلى أجهزة سمع في سن مبكرة.بعدما تجاوز والدا تشابمان الصدمة، قررا أن يتعلم لغة الإشارة وطريقة الكلام. قالت مولي: {لم أشأ أن يبقى محدوداً أو معزولاً}.كان يقصد مدرسة للصمّ، لكن اعتبر والداه أنه سيكون أفضل حالاً في مدرسة عادية. لذا سجّلاه في {مدرسة مارينرز المسيحية} في كوستا ميسا، كاليفورنيا، بدءاً من الصف الثاني.كان يذهب إلى المدرسة مع مترجم فوري. وكانت شقيقته الصغرى، كيلسي، التي تعلّمت بدورها لغة الإشارة، تترجم له أحياناً.مع ذلك، لم يكوّن تشابمان صداقات كثيرة. تشمل أفلامه المفضلة E.T.، لأنه تفاعل مع ذلك الكائن الفضائي الذي وجد صعوبة في التواصل مع نظرائه}. قال تشابمان: {في معظم مرحلة الدراسة الابتدائية، كنت أقصد المنزل وأنا أتساءل عما كان الأولاد يقولونه في الملعب}.فضّل تشابمان القراءة ومشاهدة الأفلام المترجَمة. كان في الحادية عشرة من عمره حين شاهد فيلمThe Wizard of Oz. فذُهل لدى رؤية مشهد وصول دوروثي إلى أرض {أوز} وتحوّل عالمها الأبيض والأسود إلى عالم ملوّن، وقرر أنه يريد ابتكار مشاهد مماثلة.فبدأ يستعمل الكاميرا العائلية ويحضّر مشاهد ساخرة من البرامج الإخبارية المسائية مع صديقه تايلور بونين. انتقل الاثنان إلى إعداد أفلام قصيرة وقد شاركا في المهرجانات عن هذه الفئة. قال بونين: {حتى في تلك الفترة، كانت موهبته واضحة}.كان من الأسهل على تشابمان أن يقيم علاقات اجتماعية حين أصبح أكبر سناً وبدأ الناس يتواصلون عبر الرسائل. قالت والدته: {كانت الرسائل النصية أهم ابتكار في حياته}. مخرج أصمبعد قبوله في جامعة {بيبرداين}، تسجل في صف عن صنع الأفلام كطالب مبتدئ وذكر أنه كان يهتم بالإخراج. لكن شكك أساتذته بقدرته على خوض هذا المجال. قال كريغ ديتويلر، رئيس مركز الترفيه والإعلام والثقافة في الجامعة: {لم أسمع يوماً بمخرج أصم}. لكن عندما شاهد ديتويلر فيلم تشابمان الأول، غيّر رأيه: {قلتُ له: أنت تحقق ما تريده فعلاً}.في شهر أغسطس الماضي، ذهب تشابمان إلى طبيبه لتركيب أجهزة سمع جديدة. لم يكن يتوقع الكثير. كان يستعمل أجهزة مماثلة منذ طفولته وقد جرّب عدداً من الأنواع الجديدة لكنها لم تكن فاعلة يوماً. في معظم الأحيان، كان تشابمان يستطيع سماع صوت طنين فقط.ملائكة تغنّيلكن حين شغّل أجهزة السمع الجديدة، تمكن فجأةً من سماع صوت حاسوب وصوت شخص يطبع على لوحة المفاتيح.في وقت متأخر من تلك الليلة، كان تشابمان موجوداً في سيارة مع بعض الأصدقاء. أول أغنية شغّلوها كانت {لاكريموزا} لموزارت.قال تشابمان: {اندهشتُ من جمال هذه القطعة. بدا لي أن الملائكة تغني وأدركت فجأةً أنها المرة الأولى التي أتمكن فيها من تقدير قيمة الموسيقى}.بدأ تشابمان يبكي وحاول إخفاء دموعه: {لكن حين نظرتُ من حولي، لاحظتُ أن جميع الموجودين في السيارة كانوا يبكون}.بعد ذلك، دخل تشابمان إلى موقع {ريديت} وطرح هذا السؤال: {أستطيع سماع الموسيقى للمرة الأولى في حياتي، ماذا يجب أن أسمع؟}.فتلقى حوالى 14 ألف جواب. اقترح أحدهم أغنية I’m Too Sexy لرايت سيد فريد ({كي تعلق أغنية في رأسك للمرة الأولى}). واقترح آخرون جميع أنواع الأغاني، بدءاً من بيتهوفن وصولاً إلى جيف باكلي.يفضّل تشابمان الموسيقى الكلاسيكية لأنه لا يضطر في هذه الحالة إلى محاولة فهم الكلمات، كما أنه يحب موسيقى الريغي لأنه لا يجد صعوبة في فهم الإيقاع كما يقول. مع ذلك، هو يعتبر أن أغنيته المفضلة هي Bohemian Rhapsody للمغنية كوين، وهو أمر لم يعجب بعض أصدقائه. قال روير: {أتساءل دوماً: من نشر هذه الأغنية؟ لأنني أسمعها في كل مكان منذ أن كنت صغيراً}. تخرج تشابمان من جامعة {بيبرداين} في عام 2011 وهو يعمل لحسابه الخاص ويكسب معيشته من مونتاج الفيديوهات والكليبات والأعراس أحياناً. لم تُوزَّع أي من أفلامه في دور السينما، لكنه يأمل أن يُخرج أول فيلم طويل له. أطلق حملة على موقع Kickstarter لدعم ذلك الفيلم، وهو عمل درامي يشمل جزءاً من سيرته الذاتية. عاد أخيراً من هايتي حيث عمل على فيلم وثائقي بشأن مجموعة من الأشخاص الصمّ وقد صوّر مشاهد في دور أيتام للأطفال المصابين بإعاقات. أمضى هو وروير ساعات وهما يجلسان أمام التلفزيون، وكان المؤلف الموسيقي يعزف على الغيتار فيما راح تشابمان يمرر أصابعه على أزرار التحكم على آلة مونتاج صغيرة.قال تشابمان وهو يرفع يده في إشارة إلى ارتفاع الزخم في اللقطات الأخيرة: {أريد أن يكون التأثير على هذا الشكل}. فسأل روير وهو يعزف بضع نوتات: {على هذا الشكل؟}. أجاب تشابمان {بل أعلى من ذلك} وهو يضغط على بضع نوتات على آلة الأرغن ليوضح ما يعنيه.حدد تشابمان وروير سلّماً موسيقياً متصاعداً لم يتفوّق على قوة الصور ولكنه نجح في التعبير عن فقر الأطفال وتمسّكهم بالأمل. قال روير: {كانت تلك الطريقة مثالية للقطة النهائية. هو يتطور فعلاً}.