«في الهنا»... والمرور خطفاً!

نشر في 17-06-2014
آخر تحديث 17-06-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي أهداني الصديق الأديب طالب الرفاعي نسخة رقمية من روايته الجديدة "في الهنا"، أرسلها لي من خلال البريد الإلكتروني قبل صدورها بنسختها الورقية، فقمت بتحميلها مباشرة على جهازي اللوحي المحمول، لتنتقل معي إلى كل مكان.

في الهنا، رواية سلسة جميلة تقع فيما لا يتجاوز مئة وثمانين صفحة، تمكنت من قراءتها في غضون ساعات قليلة لانسيابيتها وخفتها. تميزت "في الهنا" بلغة رومانسية رائقة جدا، اتضح فيها تمكّن كاتبها من الإمساك بزمام الكلمات والعبارات لإيصال أفكاره ورسائله بلا تعقيدات ولا فذلكات لغوية؛ مع محافظته طوال الوقت على رونقها وموسيقاها، وذلك دون السقوط في فخاخ العبارات الجامدة والتقريرية.

مارس الكاتب أسلوبه المحبب "التخييل الذاتي"، حيث كان هو من جديد أحد أبطال روايته بذاته وشخصيته الحقيقية، هو وأفراد عائلته، زوجته وابنتاه، ليلعب بنفسه دور الشاهد والمراقب، بل أكثر من ذلك أحياناً في بعض مقاطعها.

التخييل الذاتي أسلوب مثير دائما، وقد سبق للكاتب أن مارسه في روايتيه السابقتين "سمر كلمات" و"الثوب"، وتكمن إثارته في أن الكاتب يمرر من خلاله مقاطع من سيرته الذاتية، وتعليقات على أحداث ومواقف حصلت له في الواقع، ولكن ليعلقها على الجدار الفاصل ما بين الحقيقة والخيال، تاركاً للقارئ الانشغال في لعبة التخمين بين ما حصل حقيقة وما لم يحصل، وكلما اقترب من نقطة ظن فيها أنه يقرأ سيرة ذاتية صرفة ظهر له ما يأخذه بعيداً عن هذا الظن.

تتحرك الرواية في الغالب بطريقة "الفلاش باك" بسرعة بين ما تسرده "كوثر" البطلة، وما يسرده طالب الرفاعي بشخصيته في الرواية، وبين ما يسرده طالب الرفاعي بصوت الراوية، وذلك جميعاً من مكتبه الصغير الضيق في مقر عمله في المجلس الوطني، مكان ولادة كتابة الرواية، والذي أجاد الكاتب وصفه واستنطاقه إلى حد أن صار هذا المكان الذي وصفه بقوله "منذ بداية عام 2009 وأنا مزروع بصمت في هُناي"، أحد أبطال الرواية بل عنوانها.

يقوم الكاتب من خلال روايته "في الهنا" بتصوير صراع المرأة في الواقع الكويتي، وربما العربي عموماً، مشيراً إلى قيود العادات والتقاليد ومقدار سيطرتها على مفاصل حياة المرأة الشخصية، وذلك من خلال قصة "كوثر" التي تتمرد على هذه القيود وتقرر الزواج من "مشاري" الثري المتزوج صاحب المنصب والمختلف عنها طائفياً. ويرسل الكاتب كذلك بعض "تلميحاته" حول ما يجري في الساحة السياسية للعالم العربي، وذلك على لسان والد كوثر، القومي العروبي.

تسير الرواية على مدى صفحاتها في شبكة شائكة من المتناقضات والتعقيدات المجتمعية، لتصل في نهايتها إلى تلك البوابة المفتوحة، حيث عبارة الكاتب الأخيرة: "كوثر ومشاري... لا أعلم ما آلت إليه علاقتهما، ولن أكتب حرفاً واحداً إضافياً عما خطته هي عن نفسها"، مانحاً بذلك للقارئ حرية الإجابة عن سؤال: ماذا حصل بعد ذلك يا ترى؟

في الهنا، كما قدمت، رواية سلسة سريعة الإيقاع بلغة رائقة، استمتعت بقراءتها دون شك، ولكنها مرت كلمحة، هذا المرور الخفيف الخاطف جعلني أتشوق للعمل القادم من صديقي الأديب الرفاعي، والذي آمل أن يكون هذه المرة أطول وأكثر كثافة ليرضي نهم من هم على شاكلتي من عشاق الرواية، وكلي ثقة بأنه قادر على إنجاز عمل من هذه الشاكلة.

back to top