المشكلة في المحاصصة

نشر في 23-07-2014
آخر تحديث 23-07-2014 | 00:01
 صالح القلاب بانتظار أن يكون هناك بديل لرئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي، كما تحدثت عن هذا بعض معلومات قبل نهاية الأسبوع الماضي، فإنه لابد من إدراك ومنذ الآن، حتى وإن صحت التنبؤات وصَدَق "ضاربو الودع"، أن تغيير شخصٍ بشخصٍ آخر من نفس الطينة ونفس العجينة لن يغير شيئاً، وأنه لن يحل عقدة مستعصية، وأن المطلوب حتى يتجنب العراق التشرذم والتشظي والانقسام هو تغيير المفاهيم والنهج وهذه المعادلة التي ثبت فشلها وثبتت كارثيتها، والتي وضعها بول بريمر، وكان أسوأ ما فيها أنها أقصت عملياً المكون الرئيسي في هذا البلد، وهو العرب السنة.

إن المفترض أن يكون القرار في هذا الشأن هو قرار صناديق الانتخابات لا قرار بريمر والذين شاركوه في وضع هذه المعادلة البائسة التي دفع العراق ثمنها الكثير، وسيدفع الأكثر، ولعل ما يجب أخذه بعين الاعتبار ونحن نتحدث عن هذه القضية الهامة جداً هو هذا الذي بقي مستمراً في لبنان منذ عام 1946، والذي أدى إلى حربين أهليتين طاحنتين هما حرب عام 1958 وحرب عام 1975-1990، التي يبدو أنها لا تزال سارية المفعول، ولم تنته بعد، وأن الأمور ستبقى مفتوحة على أسوأ الاحتمالات الكارثية.

ربما يعرف الأشقاء العراقيون، وهم بالتأكيد يعرفون، أن كل التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية، التي بقيت متواصلة لنحو ثمانية وستين عاماً، والتي بقيت تشتد وتصبح فجَّة ومكشوفة مع كل انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، بقيت تتم، وعلى عينك يا تاجر، عبر المسامات الواسعة لهذه "المحاصصة"، التي من مساوئها أيضاً أن الاستحقاقات الطائفية والمذهبية بقيت هي المسؤولة، وفي الكثير من الأحيان، عن وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المؤهل له، والذي لا يستحقه، سواء رئيساً للدولة أو رئيساً للوزراء أو رئيساً للبرلمان.

قد يكون حلّ المحاصصة، الذي هو أسوأ الحلول، ضرورياً ولفترة انتقالية محددة ومعروفة، وعندما تكون الأوضاع كأوضاع العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، وبعد انهيار الدولة واختفاء جيشها وأجهزتها وكل مؤسساتها، لكن وعندما يثبت بعد عشرة أعوام عجاف أن هذا الحل مدمر، وأن المضي به سيأخذ البلاد والعباد إلى الانقسام والتشظي والحروب الأهلية المذهبية والاثنية الطاحنة، فإنه لابد من التوقف وبسرعة لمراجعة الأمور على أساس مصلحة بلاد الرافدين كلها، ومصلحة الشعب العراقي بأسره، ولابد من القفز من فوق ظاهرة الانقلابات العسكرية التي بدأت بتلك المذبحة الدموية عام 1958، ويبدو أنها لم تنتهِ بعد وفقاً لما نراه الآن في هذه المرحلة الخطيرة.

قد يرى الأشقاء العراقيون أن هناك في العراق وضعية خاصة هي وضعية الكرد في كردستان العراقية الذين هم جزء من أمة عظيمة هي الوحيدة من بين أمم المنطقة التي دفعت ثمن سايكس-بيكو بالطول والعرض، والتي حرمت من أن يكون لها كيانها القومي أو كياناتها الوطنية في كل مناطق وأقطار امتداداتها الديموغرافية، وحقيقة إن هذا يمكن حلّه بحق تقرير المصير، سواء كإقليم ينعم بالحكم الذاتي في إطار دولة موحدة أو كدولة وطنية مستقلة تكون اللبنة الأولى في صرح الدولة الكردية القومية المنشودة.

يجب أن ينتهي أشقاؤنا العراقيون الأعزاء من هذه الصيغة المعيبة والمدمرة، فالعراق هو بلد الكفاءات، وفي طليعة الدول العربية الأكثر انفتاحاً على العالم، وقبل أن يستبد به حزب واحد في تجربة مكلفة أوصلته إلى هذه الأوضاع المأساوية التي وصل إليها عرف الحياة الحزبية والتداول على السلطة والإطاحة بالحكومات وليس بالحكم، وتحت الضغط الجماهيري الذي لم يكن يرفع أي شعارات مذهبية... وهذا يعني أنه ظلم لهذا البلد ولأهله ولتاريخه وحاضره أن يبقى يُحكم بأسلوب "المحاصصة" البائد، وألا يستبدل هذه الأحزاب الطائفية المتورمة بالأحقاد والفساد والإفساد بأحزاب اجتماعية علمانية وليبرالية... الولاء فيها للوطن كله والكفاح بالنسبة إليها من أجل العراقيين كلهم، بعيداً عن هذه الآفة المدمرة التي يجب ألا تكون في بلد أعطى البشرية أول حرف وأول "شريعة" هي "شريعة" حمورابي العظيم الذي أنهى ظاهرة الدويلات المتصارعة المتنازعة، ووحد بلاد الرافدين وحولها إلى إمبراطورية عظيمة وصلت حدودها إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

back to top