خيانة هولاند وسياسته ... فرنسا تتبع قواعدها الخاصة!
تماشياً مع النمط الشائع، يبدو أن تقدير الناخبين الفرنسيين لهولاند ازداد اليوم بعد أن علموا أنه طلب من حارسه الشخصي نقله بالدراجة النارية للقاء عشيقته في ساعات الليل المتأخرة، فارتفعت شعبيته بنحو نقطتين.
نجحت العلاقات الحميمة في ما أخفقت فيه الحرب في سورية وجمهورية إفريقيا الوسطى وقضيتا التوتر العرقي ومستقبل الاتحاد الأوروبي، فقد أقنعت العالم بفعل أمر قلّما يقوم به: الاستماع إلى مؤتمر صحافي للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.راح الفريق الصحافي في مقر الحكومة البريطانية يردد مازحاً أن بإمكانه أخذ استراحة، فظهور ديفيد كاميرون أمام لجنة الارتباط التابعة لمجلس العموم لن يحظى باهتمام يُذكر بسبب الحدث البارز الذي شهدته باريس، حيث واجه فرانسوا هولاند أسئلة وسائل الإعلام. صحيح أن الصحافيين من المؤسسات الإعلامية الجدية طرحوا عليه أسئلة جدية، إلا أن كثراً تجرؤوا على كسر ما اعتُبر سابقاً من المحظورات في وسائل الإعلام الفرنسية، فسألوا هولاند عن حياته الشخصية، خصوصاً عن المعلومات التي كُشفت الأسبوع الماضي في مجلة Closer عن علاقته المزعومة مع الممثلة جولي غايت.ولكن لو حصل ذلك في لندن أو واشنطن مثلاً، لكانت المعمعة التي سبقت هذا الحدث قد تركزت على محور واحد واضح: سنرى رئيس الوزراء أو الرئيس، الذي يتعرض للهجوم، يناضل لإنقاذ حياته السياسية، ولا شك أن بقاءه في منصبه سيصبح مهدداً، حتى إن البعض سيتوقعون استقالته.لكن الوضع مختلف في فرنسا، فلم تؤد المعلومات التي كشفتها مجلة Closer إلى أي تداعيات سياسية، غير ارتفاع بسيط في شعبية الرئيس في استطلاعات الرأي. نعم، (ارتفاع) هذا صحيح، فتماشياً مع النمط الشائع لدى الأصول الفرنسية الغالية، يبدو أن تقدير الناخبين الفرنسيين لهولاند ازداد اليوم بعد أن علموا أنه طلب من حارسه الشخصي نقله بالدراجة النارية للقاء عشيقته في ساعات الليل المتأخرة، فارتفعت شعبيته بنحو نقطتين، وفي هذه الأثناء، أدت هذه القصة إلى ظاهرة في وسائل التواصل الاجتماعي: لعبة على شبكة الإنترنت على اللاعبين فيها نقل الرئيس الذي يضع خوذة على رأسه إلى جولي. بعد ملاحظة هذا الارتفاع في شعبية هولاند، ذكر الصحافي مايكل ديكون من صحيفة Telegraph على موقع "تويتر" مازحاً أن مستشار كاميرون السياسي، لينتون كروسبي، "يعِد راهناً دراسة عن هذه الفكرة". هذا مضحك لأننا نعلم أن العكس صحيح. يتفاخر المستشارون السياسيون بأن عملهم بات عالمياً، بما أن أسترالياً مثل لينتون كروسبي نال منصباً مماثلاً في بريطانيا، وبما أن الخبير السياسي المخضرم ستان غرينبرغ قدم النصح لمرشحين في جنوب إفريقيا وإسرائيل وألمانيا، ولا شك أن هؤلاء الخبراء في عالم السياسية سيصرون على أن القواعد الأساسية للفوز بالانتخابات باتت عالمية تقريباً، وتصح في برلين كما في بوسطن، ولكن حتى هؤلاء يقرون بأن ثمة مجالات تبقى فيها الاختلافات كبيرة، مثل العلاقات الحميمة.لو كان الرئيس الذي واجه الصحافيين أميركياً لا فرنسياً، لأصر مستشاروه على التكلم بصدق (بخلاف كلينتون الذي راح يدعي هازاً إصبعه: "لم أقِم علاقة مع تلك المرأة") والإعراب عن الندم، كذلك كانوا سيحضون الرئيس على القول إنه يسعى إلى نيل مشورة روحية، وإنه يصلي طلباً للغفران وتفهم زوجته والشعب الأميركي.لن يُذكَر الله والصلاة في مؤتمر صحافي مماثل في بريطانيا، على العكس، يُنصح السياسي الذي يُفتضح أمره وهو يخون شريكة حياته بالإقدام على خطوة واحدة محددة: الإعلان عن أنه سيهجر زوجته أو شريكته لأنه وقع في حب امرأة أخرى، فهذه هي النصيحة التي أُعطيت لوزير الخارجية السابق روبن كوك عندما سُربت أخبار علاقته مع سكرتيرته: "أعلِنْ أن زواجك قد انتهى أو استقلْ".تتوافر في فرنسا خيارات أخرى، فيستطيع هولاند تبني موقف أخلاقي أقوى، قائلاً إن على وسائل الإعلام أن تخجل من تدخلها في حياته الشخصية، إنه لم يختر نشر علاقاته الخاصة على العلن (بخلاف سلفه نيكولا ساركوزي)، وإن فرنسا كانت دولة أفضل حين لم تُستغل فيها حياة الآخرين (بخلاف أولئك البريطانيين المتزمتين الفضوليين). يستطيع أيضاً أن يعتمد على صورة أكبر، ويدّعي أن لهذا السبب أثارت فضيحة وكالة الأمن القومي الأميركية سخط الناس حول العالم: لأن حق الإنسان بامتلاك حياة خاصة مقدس ويجب ألا ينتهك، حتى لو كان الشخص رئيساً.تثير هذه الادعاءات في بريطانيا الاستنكار والتنديد، وفي البيت الأبيض، تعزز المطالبة بمعاقبة المسؤول، ولكن ما من قواعد عامة تُطبق في مجال العلاقات الحميمة والسياسة، ففي فرنسا قد يفلت المسؤول بفعلته بدون أي ضرر يُذكر.