تقرير اقتصادي : الحكومة تحذر من مخاطر الزيادات... وهي أول المخالفين

حذرت من زيادة الإنفاق الاثنين... وزادت «الدعم الإسكاني» الأربعاء!
الترشيد يجب أن يشمل تجاوزات المشاريع والمساعدات ومميزات القياديين

نشر في 23-01-2014
آخر تحديث 23-01-2014 | 00:08
No Image Caption
حذرت تقارير كثيرة، بعضها حكومي أو تبنته الحكومة كتقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية وصندوق النقد وتقرير بلير، وآخرها بيان وزارة المالية، من تنامي الإنفاق، ومع ذلك تصوت الحكومة بالموافقة على اقتراح نيابي لزيادة دعم القرض الإسكاني.
لم تكد وزارة المالية تصدر يوم الاثنين الماضي بياناً تحذر فيه من الأوضاع المالية الراهنة ومخاطر العجز المالي المستقبلية، حتى وافقت الحكومة أمس على اقتراح بقانون بدعم مواد البناء ضمن القرض الإسكاني، بما يصل إلى 30 ألف دينار.

الحكومة التي تحذرنا من مخاطر العجز هي ذاتها التي صوتت أمس بالموافقة على زيادة الدعم، رغم الأخطار التي ما فتئت ترددها عن مخاطر النمو المتسارع في حجم الإنفاق العام السنوي، خصوصا في الإنفاق الجاري، مما يعطي صورة واضحة عن انعدام الجدية في معالجة جانب مهم من الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكويتي، لاسيما الميزانية وآليات الصرف فيها.

فمن يريد فعلاً ضبط الإنفاق الجاري الاستهلاكي عليه أولاً أن يقدم النموذج الجيد الذي يجعل المواطن يرفض الاقتراحات الشعبية الخاصة بالزيادات المالية بعد معرفة أضرارها وأنها تشكل جزءاً من المشكلة لا الحل, فمثلا زيادة الدعم في القرض الاسكاني لا تمثل اي حل للأزمة الإسكانية، المتمثلة في بلوغ الطلبات الإسكانية نحو 108 طلبات، إذ إنها في الاصل تعود الى ندرة الاراضي وشح عمليات التنفيذ، وبطء استكمال البنى التحتية، وبالتالي فإن زيادة الدعم او القرض لن تساهم في حل الأزمة، لأن المال ليس العائق الذي منع تنفيذ المساكن والمدن، في حين ان زيادة الدعم ستنعكس سلبا على الإنفاق الجاري الذي حذرت منه الحكومة.

تقارير تحذيرية

تقارير كثيرة, بعضها حكومي او تبنته الحكومة، كتقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية وصندوق النقد وتقرير بلير وآخرها بيان وزارة المالية، كلها حذّر من تنامي الإنفاق وضرورة اصلاح الاقتصاد، ومع ذلك تصوت الحكومة بالموافقة على اقتراح نيابي لزيادة الدعم في القرض الاسكاني، ومن يدري، فربما تصل الى تسوية ما بخصوص علاوة الاولاد او بدل الايجار، فالمساحة واسعة بين ما تقوله الحكومة في بياناتها وما تفعله عند التصويت في مجلس الأمة.

الأحرى بالحكومة ان تقوم بعمل حقيقي يجعل المطالب الشعبية غير ذات اهمية، فمن سيطالب بزيادة القرض الاسكاني او بدل الإيجار ان تم تنفيذ الطلبات المتراكمة في الرعاية السكنية؟ ومن سيطالب بزيادة الرواتب او البدلات ان استطاعت الدولة ان تقدم نسبة واضحة للتضخم وتتحكم فيه وفقاً لسياسات مالية ونقدية؟

تتحدث الحكومة اليوم عن ضرورة إعادة النظر في أسعار الخدمات الاستهلاكية، لاسيما الكهرباء والوقود، فدعمهما يشكل ما قيمته 3.5 مليارات دينار من اجمالي الدعم المقدم للمواطنين، وصحيح ان المواطن يتلقى خدمات كالكهرباء والماء بأسعار شبه مجانية، الا انه في ظل ازمة السكن يدفع ايجارات او قروضاً عالية جدا بسبب فشل الادارة في حل مسألة ندرة المساكن، فصار ما يدفع للسكن اعلى مما يمكن ان يدفع للضريبة او الرسوم على الخدمات، وهو للأسف موجه لمصلحة تجار العقار او البنوك لا لمصلحة الميزانية العامة... وهذا اختلال كبير ينطبق ايضا على كثير من المواطنين الذين يمكن ان يتساءلوا عن امكانية دفع رسوم على التعليم او الصحة بينما هم لا يتعاطون مع خدمات الدولة في هذين القطاعين نتيجة لسوء الاداء فيهما.

ضوابط اكثر

الحديث عن العجز المالي المتوقع، رغم صحته، وضرورة التدخل السريع لمنع وقوعه، يستلزم في المقابل اعادة النظر في العديد من الممارسات الخاطئة كالإفراط الحكومي في السنوات الأخيرة في صرف مليارات الدنانير على المنح والمساعدات لدول عربية بهدف مجابهة الربيع العربي، مروراً بالتجاوزات المالية في المناقصات والمشاريع الحكومية وانتهاءً بالمميزات الخاصة بالقياديين والوزراء... فالتقشف وضبط الإنفاق يجب ان يشملا الجميع بدون استثناء.

ولا يعقل مثلا ان نتحدث عن ضبط الإنفاق في حين ان الحكومة منحت او اودعت خلال اقل من 3 سنوات ما يوازي 11 مليار دولار لدعم حكومات لديها مشكلات مع شعوبها، فهذا النوع من التدخل فيه درجة عالية من المخاطر الاقتصادية والسياسية لو نجحت الشعوب في احداث تغيير ما لصالحها.

تحتاج الميزانية إلى الكثير من الإجراءات، لا إلى مجرد رفع الدعم - رغم ضرورته - فهناك حاجة إلى خصخصة حقيقية تتوفر فيها المنافسة للمستهلك، ويكون دور الدولة فيها رقابيا وإشرافيا من خلال هيئات عليا لكل قطاع يتم تخصيصه، كذلك يجب رفع العبء المتكون على الميزانية العامة بسب التوظيف والرواتب والأجور، والتي تستهلك أكثر من 10 مليارات دينار من اصل 21 ملياراً هي إجمالي الموازنة، ورفع العبء هنا يكون بإطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتسهيل الإجراءات والتمويل ومنح الأراضي وتسهيلات العمالة، كي تتاح الفرصة للطامحين في العمل الحر لأن يجدوا ضالتهم بعيدا عن العمل الحكومي.

اقوال وافعال

تنوع الاقتصاد وفتح المجال للمنافسة والعمل على تنمية الإيرادات غير النفطية وتقديم نماذج انجاز في قطاعات خدمية واقتصادية هي الحلول الحقيقية التي يجب ان تعمل اي حكومة رشيدة على تنفيذها اذا ارادت ان تغير من هيكل اقتصادها، وهذا كله لن يأتي الا بعد ان تقرن الحكومة الأقوال بالأفعال ... لكن هذا، على ما يبدو، غير وارد، حسب ما حصل امس، في مجلس الأمة.

back to top