عودة المتطرفين... هذا هو الإرث الأميركي في العراق!

نشر في 15-06-2014 | 00:01
آخر تحديث 15-06-2014 | 00:01
 ديكستر فلكنز  كان التقدم السريع للمقاتلين الذين يستوحون نشاطاتهم من "القاعدة" في معقل السُّنة في شمال العراق وغربه صادماً وجارفاً لكنه يبقى متوقعاً، فبدؤوا أولاً بالفلوجة ثم الموصل والآن بلدة بيجي التي تشمل مصفاة للنفط، وإليكم هذا التوقع المسبق: الوضع السيئ بدأ للتو.

يُعتبر استيلاء المتطرفين السُّنة على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، يوم الثلاثاء أبرز نموذج دراماتيكي على تجدد الحرب الطائفية التي بدأت فور انسحاب آخر جندي أميركي في ديسمبر 2011، ويرتبط المقاتلون الذين استولوا على الموصل بفرع يشتق من "القاعدة" ويحمل اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "داعش"، وهم يسعون الآن إلى إنشاء دولة مصغرة في أنحاء الأراضي التي يسيطر عليها السُّنة وتمتد من غرب بغداد إلى الحدود السورية وما بعدها.

نجم انهيار العراق عن ثلاثة عوامل؛ يرتبط العامل الأول بالحرب السورية التي اتخذت، في سنتها الدموية الرابعة، منحىً طائفياً شبه كامل، فقد خطف المتطرفون المنتمون إلى جماعات مثل "داعش" و"جبهة النصرة" المعارضة السنيّة في معظمها، علماً أن تلك الجماعات تشمل أكثر من سبعة آلاف أجنبي، وانضم إلى صفوفها الكثيرون من الغرب. لقد مُحيت الحدود بين البلدين (على طول 300 ميل، مع أن معظم المساحة تبدو أشبه بصحراء خالية)، إذ تنشط "داعش" و"جبهة النصرة" على الطرفين، وبعد إزاحة المعتدلين في سورية، تمت إزاحة نظرائهم في العراق.

يتعلق العامل الثاني- وهو الأهم على الأرجح- بسياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فهو رجل طائفي متشدد في جوهره، وكان يقاتل باسم الأغلبية الشيعية التي تعرضت للقمع طوال سنوات في العراق قبل وصول الأميركيين في عام 2003، لكن حتى بعد أن أسقط الأميركيون صدام، لم يرتدع المالكي فكان يستوحي قراراته (ويأخذ المساعدات والتوجيهات) من نظرائه الأيديولوجيين في إيران.

عندما كان الأميركيون منتشرين ميدانياً في العراق، تحركوا بشكل متكرر لكبح المالكي وبقية القادة الشيعة ومنعهم من الانجرار وراء أسوأ دوافعهم الطائفية، لكنهم فشلوا في مساعيهم في البداية واندلعت الحرب الأهلية جدياً في عام 2006، ودامت الحرب ثلاث سنوات أسفرت عن مقتل المئات، لكن نجح الجيش الأميركي في إخماد الغضب الطائفي المتفشي في العراق، وهو لم يحقق ذلك من خلال العنف فحسب بل عبر إجبار المالكي على التكيف مع المطالب السنية.

 أخبرني القادة الأميركيون في مناسبات متكررة أنهم وقفوا في وجه المالكي لمنعه من التحرك بطريقة وحشية وتعسفية ضد الأقلية السنية في العراق، ثم غادر الأميركيون وتلاشت بذلك جميع الضوابط التي كانت مفروضة على الميول الطائفية والاستبدادية لدى المالكي.

بعد سنتين ونصف على رحيل الأميركيين، حصر المالكي السلطة ضمن أوساطه الخاصة، فعزل السُّنة من السلطة السياسية وأطلق موجة من الاعتقالات والقمع، وكان توجهه نحو تطبيق الحكم الاستبدادي عاملاً مباشراً لعودة ظهور حركة التمرد السنية، فلم يجد السُّنة العراقيون مكاناً آخر يقصدونه؛ لذا بدؤوا يلجؤون مجدداً إلى المتطرفين لحمايتهم.

هذا ما يوصلنا إلى السبب الثالث، فعندما غزا الأميركيون العراق في مارس 2003، دمروا الدولة العراقية (أي جيشها ونظامها البيروقراطي وسلك الشرطة وكل ما يمكن أن يضمن تماسك البلد)، ثم أمضوا السنوات التسع اللاحقة وهم يحاولون بناء دولة جديدة تحلّ مكان الدولة التي سحقوها، وبحلول عام 2011 حقق الأميركيون، بنسبة منطقية، تطورات كثيرة لكنهم لم ينجزوا كامل المهمة.

طوال أشهر، تحدثت حكومتا أوباما والمالكي عن إبقاء قوة محدودة من الجنود الأميركيين في العراق كي يعملوا على تدريب الجيش العراقي وتوفير المعلومات الاستخبارية ضد المتمردين السُّنة (كانوا سيُمنَعون حتماً من القتال).

 كانت هذه الأسباب مهمة لتبرير البقاء، لكن لم يتم الإعلان عن السبب الأهم: البقاء لضبط دوافع المالكي الطائفية، أقله حتى يصبح النظام السياسي العراقي قوياً بما يكفي لاحتوائه بنفسه، وسرعان ما انهارت المفاوضات بين أوباما والمالكي، وقد حصل ذلك بشكل أساسي بسبب غياب التزام البيت الأبيض.

اليوم، تعتبر شريحة واسعة من العراقيين- بمن فيهم بعض المقربين من المالكي- أن قوة صغيرة من الجنود الأميركيين (لأداء أدوار غير قتالية) كانت ستوفر عامل استقرار حاسماً يفتقده العراق اليوم، فقد أوضح سامي العسكري، وهو مقرب من المالكي: "لو وجد مئات الجنود هنا، وليس الآلاف، لكانوا سيتعاونون معنا ويصبحون شركاءنا"، إذ أراد الرئيس أوباما أن يعود الأميركيون إلى ديارهم ولم يكن المالكي يحبذ بقاءهم.

استناداً إلى أحداث هذا الأسبوع، تكمن المشكلة في واقع أن الأميركيين تركوا وراءهم دولة عراقية لا تستطيع أن تعتمد على نفسها، وما بنيناه بدأ الآن ينهار، هذا هو الإرث الحقيقي الذي خلّفته الحرب الأميركية في العراق.

* ذا نيو يوركر

back to top