بيل غيتس على حق: الفساد ليس مشكلة كما كنا نتصور

نشر في 08-02-2014
آخر تحديث 08-02-2014 | 00:08
No Image Caption
يرى بيل غيتس أن الدفعات السرية والرشاوى هي "لا كفاءة ترقى إلى مستوى الضريبة على المساعدات"، ولكنها ليست بشكل تقريبي مشكلة مهمة بصورة كافية لتبرير منع الدعم.
في نهاية شهر يناير الماضي نشر بيل وميلندا غيتس رسالتهما السنوية التي تصف أعمال مؤسسة غيتس ذات الـ38 مليار دولار ونظرتهما إزاء التطور العالمي. وهذه الرسالة – التي تدافع بقوة عن مساعدات التنمية – أذكت من جديد نار مواجهة بين مؤيدي ومعارضي مساعدات التنمية في برودواي: المؤيد جيف ساكس من جامعة كولومبيا والمعارض بيل ايسترلي من جامعة نيويورك وكان الجدال عبر "تويتر" والمقالات الأخرى كافياً لجعل معظم مترددي التنمية ينسون أمر السوبر بول.

وفي خضم هذه المعركة كاد الناس يتجاهلون القضية الأكثر استفزازاً والتي أثارها بيل غيتس في رسالته: الاقتراح القائل إن الفساد ليس العائق أمام التنمية كما يظن معظم الناس، وكان ذلك تصريحاً لم نسمع عنه تقريباً من مانح رئيسي خلال الـ15 سنة الماضية، ولكنها كانت نظرة صحيحة.

وأشار غيتس الى أن الدفعات السرية والرشاوى هي "لا كفاءة ترقى الى مستوى الضريبة على المساعدات" – ولكنها ليست بشكل تقريبي مشكلة مهمة بصورة كافية لتبرير منع الدعم. وكانت لغة غيتس الهادئة فريدة بين رؤساء منظمات المنح الدولية، وعلينا، على سبيل المثال، مقارنتها بموقف رئيس البنك الدولي جيم كيم الذي صرح أخيراً "إن الفساد في الدول النامية هو العدو الأول للعامة ونحن لن نتساهل قط مع الفساد".

الفساد والتنمية

من السهل تفسير الفارق: يتعين على كيم التصرف بشدة وإعلان الرفض التام للتساهل لأن الرأي العام في دول المنح يرى أن الفساد يمثل الحاجز الأكبر في وجه التنمية – والمساعدة الفعالة – في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. ويرى من شارك في الاستطلاع بشكل متوسط في الولايات المتحدة ان 60 في المئة من المساعدات تذهب إلى مسؤولين فاسدين. وفي المملكة المتحدة يرى 57 في المئة من السكان أن لا جدوى من تقديم مساعدات بسبب مستوى الفساد، كما أن أرقام أكثر من نصف "بي دي اف" تشير الى كون السبب الوحيد الأكثر أهمية وراء فقر الدول الفقيرة يكمن في الحكومات الفاسدة.

ليس لدى بيل غيتس دوائر انتخابية تثير قلقه. وهذا يعني أن في وسعه رسم صورة أكثر دقة عن العالم من دون أن يخشى تقلص أمواله. لمشكلة الفساد تأثيرها الحاد على التنمية ولكن حسب الشركات والمتعهدين في شتى أنحاء افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية فهي تمثل التحدي الأكبر الذي يواجهونه.

لدى البنك الدولي أدلة دراسة عن الفساد شملت 73108 شركة في 123 دولة، ويقول العديد منها إنها تدفع رشاوى الى هيئات حكومية من أجل الحصول على عقود.

ضريبة حقيقية

ويدور أحد الأسئلة المطروحة حول حجم "الدفعات غير الرسمية" التي تقدم لنيل عقد حكومي. وفي 22 دولة كان الرد المتوسط يشير الى أكثر من 5 في المئة من قيمة العقد، ويشير المتوسط في 38 دولة اخرى الى أن النسبة تراوح بين 2 في المئة و5 في المئة فيما كان المتوسط في 52 دولة أقل من 2  في المئة. وكما يشير غيتس توجد أدلة قوية على أن الفساد يعمل مثل ضريبة حقيقية في العديد من الدول، ليس في ما يتعلق بالمساعدات بل في كل الصفقات الحكومية.

كان السؤال الآخر في دراسة البنك الدولي هو: "ما هي أشد العقبات التي تواجه عملية هذه المؤسسة؟" وقد طرح على الشركات 15 خياراً للرد وتراوح ذلك بين الوصول الى أموال الى المنظمين والبنية التحتية ومعدلات الضرائب والجريمة والفساد. وفي أقل من 1 في المئة من الدول كان "الفساد" هو الجواب الأكثر شيوعاً. وفي واحدة فقط من 7 دول احتل الفساد المركز الأعلى في أكثر 3 الردود شيوعاً. واحتل بلوغ التمويل المركز الأول في 29 دولة، فيما احتلت الكهرباء القلق الأكبر بين أكثر من واحد من أصل خمس دول. واحتل الفساد المرتبة الثامنة بين 15 عقبة بالموازاة مع الجمارك وأنظمة التجارة وأنظمة العمل – ويضعه ذلك دون الجريمة والاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي وقطاع المنافسة غير الرسمية ومعدلات الضرائب وقوة العمل ذات التعليم غير الكافي.

تكلفة الفساد

قد يساعد كون الفساد مصدر قلق معتدل نسبياً بالنسبة الى المتعهدين والملاك في الدول النامية في تمثيله للحلقة الضعيفة بين اجراءات مستوى الدولة للفساد والنمو الاقتصادي بمرور الوقت. وأظهر تحليل حديث شمل 41 دراسة مختلفة حول 460 تقديراً لذلك التأثير أن اقل من ثلث الدراسات يشير الى علاقة سلبية كبيرة بين الفساد والنمو.

وحتى اذا لم يكن الفساد عدو العامة رقم واحد فإنه يظل تحدياً خطيراً، وتكلفة الفساد لا تقتصر على قيمة الرشاوى، بل يتجاوز ذلك الى الضرر الذي يلحق نتيجة شراء المنظمين والمشرفين الذين يفترض فيهم التأكد من بناء المدارس والجسور بصورة ملائمة، أو البيروفراطي الذي يستخدم المساعدة لشراء أدوية مزيفة.

وأحد الاسباب الذي يجعل الكهرباء تحتل مرتبة عالية بين مخاوف الشركات في الكثير من الدول النامية هو أنها تتعرض للسرقة عبر تغاضي عمال المنشأة وعقود البناء والامداد تمنح في بعض الأوقات الى الراشي الذي يدفع أكثر وليس الى المتعاقد الأكثر كفاءة.

دور الحكومة

كما أن الفساد يمثل مشكلة أكبر – حوكمة ضعيفة ومؤسسات ضعيفة. ولكل تلك الاسباب يتعين على مجموعات المجتمع المدني والمانحين الضغط من أجل شفافية أعمق وخفض بيروقراطية التنظيم والمزاجية وتحقيق اشراف أفضل.

ولكن ذلك لا يعني التخلي عن دور الحكومة أو عن تقديم مساعدات. وكما يشير غيتس في رسالته "تم ايداع أربعة من الحكام السبعة السابقين لولاية ايلينوي السجن بتهمة الفساد، وحسب علمي لم يطلب أحد اغلاق مدارس ايلينوي أو طرقاتها العامة". وعلى الرغم من أن الفساد في ايلينوي أو الهند قد يجعل الحكومة أقل كفاءة لاتزال تلك الحكومات توفر خدمات حيوية، ويتعين علينا التركيز على "عدم التساهل" التام ازاء الفقر المدقع والأطفال الذين يموتون بسبب اصابتهم بأمراض يمكن منعها بلقاح زهيد الثمن.

* (بزنس ويك)

back to top