ستيفن والت... الرجل الغامض وراء استراتيجية أوباما

نشر في 11-02-2014
آخر تحديث 11-02-2014 | 00:01
تبين أن «كينان» سياسة أوباما في الشرق الأوسط ما هو إلا ستيفن والت، بروفسور في جامعة هارفارد طرح فكرة التوازن الجيو-سياسي بين السنّة والشيعة، في مقال نُشر في 21 نوفمبر قدم فيه حججاً تؤيد سياسة «واقعية تقوم على توازن القوى».
 ويكلي ستاندرد كان لاستراتيجية ما بعد الحرب التي اعتمدتها الولايات المتحدة لاحتواء الاتحاد السوفياتي مهندس: جورج ف. كينان، الذي عرف بـ"السيد إكس" الغامض الذي كتب مقاله الشهير الذي نُشر فيForeign Affairs عام 1947 واستند إلى "البرقية الطويلة"، برقية فصل فيها الخطوط العريضة للسياسة الأميركية التي سادت حتى نهاية الحرب الباردة. وينطبق الأمر عينه على سياسة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط. قد تفاجئ هوية "السيد إكس" في إدارة أوباما بعض القراء وتغضب البعض الآخر. وقد تثير أيضاً استياء مفكرين وباحثين كثر في اليسار واليمين على حد سواء، مثل فريد زكريا، وآن ماري سلوتر، وريتشارد هاس، الذين أمضوا ليالٍ طويلة يحلمون أن يتربعوا على عرش كينان الجديد في الشرق الأوسط. ولكن عليهم اليوم أن يواجهوا واقع أن زملاء أقل شأناً منهم حظوا بهذا الامتياز.

جوهر التغيير

أوضح أوباما لديفيد ريمنيك في مقابلة أخيرة لمجلة New Yorker أن هدف إدارة أوباما في الشرق الأوسط التوصل إلى "توازن جيو-سياسي" بين "دول الخليج [السنّية] وإيران يؤدي إلى نوع من التنافس أو حتى الشك من دون إشعال حروب دموية أو حروب بالوكالة".

تبين أن "كينان" سياسة أوباما في الشرق الأوسط ما هو إلا ستيفن والت، بروفسور في جامعة هارفارد طرح الفكرة ذاتها، التي حددها أوباما خلال حواره مع ريمنيك، في مقال نُشر في 21 نوفمبر على موقع FP.com. ففي هذا المقال، قدم والت حججاً تؤيد سياسة "واقعية تقوم على توازن القوى". كذلك أشار والت إلى أن المشكلة المحددة التي تواجه صانعي السياسات الأميركية اليوم تشمل التوصل إلى سياسة مماثلة في وقت تتمتع فيه الولايات المتحدة "بعلاقات مميزة مع بعض القوى الإقليمية"، مثل المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل بالتأكيد.

لاشك أن التركيز على العائق، الذي تشكله هذه "العلاقات المميزة" أمام التوصل إلى سياسات تضمن توازن القوى هذا، هو ما يميز والت عن كل أميركي آخر في المدرسة الواقعية. من المؤكد أن بعض صانعي السياسات السابقين، مثل جيمس بيكر (وزير الخارجية الأسبق)، أسفوا لتأثير الأميركيين اليهود في صوغ السياسات الأميركية. ولكن مقارنة بوالت، يبدو تأثير جيمس بيكر محدوداً. كان والت في مقاله The Israel Lobby (اللوبي الإسرائيلي) الذي نُشر عام 2006 في مجلة London Review of Books، والذي كتبه بالتعاون مع البروفسور جون ميرشايمر من جامعة شيكاغو (وُسع هذا المقال لاحقاً وحُول إلى كتاب مثير للجدل يحمل العنوان ذاته)، أول مَن تطرق إلى هذه المشكلة مباشرة: من الضروري تقليص حجم المجتمع الموالي لإسرائيل. ولكن بخلاف كينان (دبلوماسي سابق) وبيكر(وزير خارجية سابق)، لم يؤد والت دوراً رسمياً في الحكومة أو يحظَ حتى بأي امتيازات في هذا البيت الأبيض. رغم ذلك، تحولت أفكاره إلى ركيزة التغيير الكبير الذي طرأ على السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، ما قد يفاجئ مَن اعتبروه مجرد شخصية أكاديمية على الهامش. لاشك في أن هذه الفكرة لا تروق لي أنا أيضاً، خصوصا أنني اعتبرتُ ما نشره والت لدق ناقوس الخطر مجرد محاولة لجذب التعليقات المناهضة للسامية والمعادية لمناهضة السامية إلى عموده في موقع FP.com. ولكن بات من الصعب اليوم تجاهل تأثيره، لذلك أنحني أمام "جورج كينان الجديد"، لأن ستيفن والت فاز بلقب "السيد إكس"، سواء أعجبنا ذلك أم لا.

سحق المؤيدين

لا يواجه والت أي مشكلة مع وجود إسرائيل بحد ذاته. لكنه يعتبر أن الدولة اليهودية ليست صديقاً كبيراً، كما يعتقد الكثير من أترابه في واشنطن، على ما يبدو. ذكر والت وميرشايمر في مقال "اللوبي الإسرائيلي" أن إسرائيل تشكل عبئاً استراتيجياً يثقل كاهل الولايات المتحدة: يعتقد والت أن الدعم الأميركي لإسرائيل أحد الأسباب وراء الاعتداءات الإرهابية التي تُنَفذ ضد مواطني الولايات المتحدة ومصالحها. كذلك أظهرت إسرائيل أنها ليست "حليفاً وفياً" بالتجسس على الولايات المتحدة وعقد صفقات سلاح تُضر بالمصالح الأميركية. أما عن الحجج الأخلاقية لدعم إسرائيل، فقد كتب والت وميرشايمر: "لا يقدم سلوك إسرائيل السابق والراهن أي أساس أخلاقي لتفضيلها على الفلسطينيين".

إذن، كيف نعلل الدعم الأميركي لإسرائيل؟ تكمن المشكلة، وفق والت وميرشايمر، في أن داعمي إسرائيل في المجتمع الأميركي لا يقتصرون على اليهود، لكن المحور الرئيس للوبي الإسرائيلي يبقى لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك).

ركزت هذه اللجنة طوال السنوات القليلة الماضية على منع تقدم إيران نحو تطوير القنبلة. لذلك كانت في طليعة مع عملوا لتعزيز العقوبات على إيران، في حين عارضها أوباما. رغم ذلك، أرغم الكونغرس البيت الأبيض على القبول بالعقوبات. ويريد مجلس الشيوخ اليوم، بقيادة السناتورَين الديمقراطي روبرت مينينديز والجمهوري مارك كيرك، فرض المزيد من العقوبات، مع أن أوباما أكد في خطاب "حالة الأمة" أخيراً أنه سيعرقل أي تشريعات إضافية تفرض العقوبات على إيران. ورغم ذلك، يقترب مجلس الشيوخ بدأب من تحقيق أغلبية تبطل حق النقض (الفيتو) الذي يتمتع به الرئيس. لذلك يعتبر أوباما أن الطريقة الوحيدة لوقفهم تقوم على سحق المؤيدين للعقوبات، أي المؤيدين لإسرائيل، الذين يشكلون العقبة الفعلية أمام تشكيل شرق أوسط جديد، حيث يمكن الترويج لمصالح الولايات المتحدة المحدودة وإنما الحقيقية وفق آليات توازن القوى التقليدي.

قمع النفوذ

ربما أدرك أوباما في فترة رئاسته الأولى أن التوصل إلى اتفاق تاريخي مع إيران- الدولة التي هددت بمحو النظام الصهيوني من خريطة العالم- سيلقى مقاومة مستميتة من لجنة "أيباك". لكن أوباما لم يجد مجالاً لاختبار تلك المسألة التي اقترحها ستيفن والت إلا في فترة رئاسته الثانية من خلال ترشيحه شاك هاغل وزيراً للدفاع. وعبر دفع الرئيس الأميركي لهاغل- بوصفه أحد المناصرين العلنين لإسرائيل في المجتمع التشريعي داخل الكونغرس- فإنه أخذ يمسك بين يديه الولاءات الثنائية الموجودة في المجتمع؛ فهناك النصف الذي يغلب العلاقات الأميركية- الإسرائيلية في جانب، علاوة على أولئك ممن لا تتركز ولاءاتهم على الولايات المتحدة أو على إسرائيل، بل تنصب فقط على مصالح الحزب الديمقراطي. وعندما امتنعت لجنة "أيباك" عن معارضة هاغل مرشح الرئيس، فإنها أظهرته موالياً لإسرائيل ويحوز رضا الجموع المؤيدة لمصالح الدولة العبرية داخل الولايات المتحدة.

ومن ثم تمكن داعمو أوباما أن يقولوا لناخبيهم الديمقراطيين إن الرئيس يحب حقاً إسرائيل، وانه يشعر بذلك في أعماقه... وقد يكون هذا صحيحاً. في مطلق الأحوال، تجاهل الرئيس الأميركي المجتمع الموالي لإسرائيل. فعندما قرر توجيه ضربة إلى أهداف تابعة للنظام السوري، بعد أن انتهك بشار الأسد الخط الأحمر باستخدام الأسلحة الكيماوية، سُرت لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية "أيباك" بدعم الرئيس، إلا أنه سرعان ما تخلى عنها. لكن أوباما لا يهدف بخطوته هذه إلى التعبير عن تحامل شخصي أو كره لليهود الأميركيين، وهم مجموعات صوت كثيرون منها له في انتخابات عامَي 2008 و2012. إلا أنه سعى لتقويض نفوذ اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة، الذي اعتبره والت عدو واشنطن الفعلي.

كما أشارت صحيفة New York Times أخيراً، لاحظت لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية "أيباك" أن نفوذها قد قُمع.

ولاشك في أن حيرة هذه اللجنة أمام هذا الهجوم مؤثر ومحزن. فقبل ثلاثة أسابيع، أشار آدام كريدو من Washington Free Beacon إلى أن لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية بعثت برسالة "حضت فيها أعضاءها" على الاتصال بمكتب النائبة الديمقراطية ديبي واسرمان شولتز للسؤال عن سبب عرقلتها قراراً في مجلس النواب يدعم فرض عقوبات جديدة على إيران. كذلك أفاد كريدو في متابعة لهذه المسألة أن "رئيس الولايات الجنوبية الشرقية في اللجنة مارك كلاينمان أصدر رسالة ثانية دافع فيها عن واسرمان شولتز". وكما أخبر أحد الناشطين الموالين لإسرائيل كريدو، "تُظهر إحدى هاتين الرسالتين عدم كفاءتهم، إلا أننا لا نعلم أيهما". عبر مراقبون آخرون عن قلق أكبر. فقد أخبر ستيفن روزين، الرئيس السابق لشؤون السياسة الخارجية في هذه اللجنة، كريدو: "تقوم لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية في جوهرها على الجمع بين الحزبين. وفي اليوم الذي تنفصل فيه عن أي منهما، تتفكك. وقد اقتربت كثيراً من ذلك". هذا ما تخيله "السيد إكس" في عهد أوباما. وعلينا اليوم أن ننتظر لنرى ما ستؤول إليه سياستنا في الشرق الأوسط وما ستكون تداعياتها علينا وعلى الشعوب في تلك المنطقة.

* لي سميث | Lee Smith

back to top