لو مات عرفات مسموماً لاستطالت لائحة المشتبه فيهم

نشر في 12-11-2013
آخر تحديث 12-11-2013 | 00:01
صحيح أن إسرائيل أصبحت عدو عرفات اللدود منذ ظهوره كقائد فلسطيني يتمتع بشخصية قوية ويضع كوفيته الشهيرة المطوية دوماً على شكل خريطة فلسطين، إلا أنها لم تكن الوحيدة التي أرادت التخلص من مقاتل الحرية البارز هذا.
 ذي تيليغراف لا يمكننا أن ندعي أن ياسر عرفات، في حياته الطويلة والحافلة بالأحداث التي تمكن خلالها من الانتقال من مخطط إرهابي خطير إلى سياسي حاز جائزة "نوبل للسلام"، صنع القليل من الأعداء في مسيرته الغريبة هذه.

وبعد الخلاصة غير المقنعة التي توصل إليها فريق من العلماء السويسريين عن أنه مات "على الأرجح" مسموماً بـ"البلوتونيوم- 210" (المادة ذاتها التي استُخدمت لقتل المنشق الروسي ألكسندر ليتفينينكو في لندن عام 2006)، لا عجب في أن يحظى أنصار نظرية المؤامرة بيوم حافل يحاولون فيه الترويج لنظرياتهم الخيالية عن كيفية موت هذا القائد الفلسطيني.

لم تضيّع أرملة عرفات، سهى، التي اشتبهت في حدوث أمر مريب منذ وقوع زوجها فريسة المرض في مقره في رام الله في خريف عام 2004، الوقت لتصف عملية التسميم المشتبه فيها بأنها "جريمة سياسية" و"اغتيال قائد عظيم"، في حين وعد أعضاء حركة فتح المعتدلة، التي أسسها عرفات، باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ولكن حتى لو افترضنا أنه من الممكن إثبات أن عرفات مات مسموماً، تبقى مشكلة محاولة معرفة مَن المسؤول عن دس السم، نظراً إلى كثرة الأعداء الذين واجههم عرفات خلال حياته الحافلة بالمناورات والتحايل. أولاً، لم يحظَ عرفات بالكثير من الأصدقاء بين الشعب اليهودي بسبب التزامه الشخصي بتدمير الدولة اليهودية الحديثة العهد، التزام يعود إلى أواخر الخمسينيات حين أسس الحركة التي أصبحت لاحقاً منظمة التحرير الفلسطينية.

لم يخفِ أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وأحد أبرز القادة العسكريين في بلاده، رغبته في "إزالة عرفات من مجتمعنا". وتُنسب إلى شارون 13 محاولة لقتل هذا القائد الفلسطيني على الأقل، وخصوصاً خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي شُن بحجة تدمير البنية التحتية الإرهابية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

صحيح أن إسرائيل أصبحت عدو عرفات اللدود منذ ظهوره كقائد فلسطيني يتمتع بشخصية قوية ويضع كوفيته الشهيرة المطوية دوماً على شكل خريطة فلسطين، إلا أنها لم تكن الوحيدة التي أرادت التخلص من مقاتل الحرية البارز هذا. ففي عالم سياسات الشرق الأوسط الكثير الاضطرابات، صنع عرفات لنفسه أعداءً كثراً داخل منظمته الخاصة، وفي بعض المجموعات الأكثر تطرفاً، مثل حركة "حماس" المتشددة، أعداء شككوا في مدى التزامه بإنشاء بلد مستقل للفلسطينيين. كذلك لم يتمتع عرفات بعلاقات ودية مع عدد من القادة العرب، رغم كل ادعاءاتهم دعمه علانية. فقد اشتبهوا في أنه يقوض مصالحهم الخاصة من خلال إصراره العنيد على تطبيق أجندته الفلسطينية. على سبيل المثال، لم يثق العاهل الأردني الراحل، الملك حسين، مطلقاً بعرفات عقب تورطه في محاولة زعزعة المملكة الهاشمية خلال الحرب الأهلية في "أيلول الأسود" في الأردن عام 1970. وحين كان في سورية، حُكم عليه ذات مرة بالإعدام لقتله ضابطاً في الجيش.

في ظل ظروف مماثلة، لا عجب في أن تسري منذ لحظة إعلان وفاة عرفات في مستشفى باريسي في الساعات الباكرة من 11 نوفمبر عام 2004 نظريات مؤامرة خيالية تناقض حكم الأطباء الفرنسيين عن أن سبب الوفاة كان "نزيفاً حاداً في الدماغ"، أي سكتة دماغية.

أما النظرية المفضلة لدي، فهي تلك التي قدمها المسؤولون الفلسطينيون بعيد وفاته. فقد ادعوا أن عرفات وقع ضحية مؤامرة حاكها "الموساد"، وكالة التجسس الإسرائيلية: انتحل، على حد قولهم، عميلان من "الموساد" هوية عاملين في طاقم تلفزيوني، وأطلقا على عرفات ليزراً متطوراً يحتوي سماً قاتلاً من خلال عدسة كاميرتيهما. ولكن حتى مساعد جيمس بوند "كيو" يعجز عن التوصل إلى خطة جهنمية مماثلة.

علاوة على ذلك، لا توجه كل نظريات المؤامرة إصبع الاتهام إلى الإسرائيليين. فقد ادعى بعض الفلسطينيين أن خصومه السياسيين دسوا له السم، إما لأنه رفض اتخاذ أي خطوات لمعالجة الفساد الموثق بوضوح في السلطة الفلسطينية أو لأن المقاتلين الإسلاميين اعتبروه عقبة أمام هدفهم النهائي: تأسيس دولة فلسطينية إسلامية.

أضف إلى ذلك الادعاءات الكاذبة التي تهدف إلى تشويه صورة عرفات، مثل شهادة خبير إسرائيلي في مرض الإيدز الذي قال إن القائد الفلسطيني عانى العوارض التقليدية لهذا المرض. وذكرت بعض التقارير في الولايات المتحدة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانت على علم بحالته وأقنعت الإسرائيليين بعدم اغتياله لأن حياته باتت قصيرة.

بغض النظر عن الحقيقة وراء موت عرفات، تعتقد غالبية الفلسطينيين أن إسرائيل المسؤولة، حتى لو أشارت الوقائع إلى عكس ذلك. فعندما اقترح القادة العسكريون الإسرائيليون محاولة اغتيال عرفات خلال الانتفاضة الثانية، تبنى شارون وجهة النظر القائلة إنه لا فائدة في إقدام إسرائيل على ذلك، لأن عرفات لم يعد قائداً فاعلاً بعد أن خسر منذ زمن ثقة المجتمع الدولي. كذلك يُظهر التحليل المنطقي أن إسرائيل لم تحقق أي مكاسب من مقتل عرفات، لا بل خسرت مع تراجع القيادة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً أمام قادة "حماس" الإسلاميين المتشددين الذين يرفضون أي تسوية.

رغم ذلك، لن ترضي هذه الحجج مَن يبدون اليوم مصممين على رفع "أبو عمار"، اسم عرفات الحركي، إلى مصاف الشهيد السياسي. ولكن يبقى في النهاية تفسير منطقي جداً لوفاته. فهذا الرجل البالغ من العمر 75 سنة الذي تناول غذاء غير صحي وعمل ساعات طويلة ولم يعتنِ جيداً بصحته وصل إلى نهاية طبيعية لحياته. إلا أن هذه النسخة من الأحداث لن ترضي، حسبما أخشى، محبي نظريات المؤامرة.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top