لمَ تدلل الصين كوريا الشمالية؟
مع أن القادة الصينيين، بمن فيهم الرئيس تشي جينبينغ، يعبرون مراراً عن استيائهم من كوريا الشمالية، لا يملك أحد منهم القدرة أو الإرادة لتحويل اعتماد بيونغ يانغ الاقتصادي المتزايد على الصين إلى نفوذ واسع.
بعد مرور شهر على إعدام جانغ سونغ ثايك، الذي كان يُعتبر ثاني أقوى قائد في كوريا الشمالية، لا تزال الصين تواجه العقبات في علاقاتها مع جارتها المتمردة المنطوية على ذاتها، لكن هذا لا يُعَد خبراً جديداً. صحيح أن قليلين في بكين مستعدون للإقرار بالواقع، إلا أن سياسات الصين تجاه كوريا الشمالية طالما شكلت فشلاً واضحاً.لكن ردود الفعل الصينية الرسمية تجاه الصراع الداخلي على السلطة في كوريا الشمالية اقتصرت حتى اليوم على الدعوات التقليدية المطالِبة بالاستقرار الداخلي، غير أن الإطاحة بجانغ تشكل بالتأكيد مصدر قلق لكبار صانعي السياسات الصينية، الذين وجدوا أنفسهم مرة أخرى واقفين في الخارج يتأملون ما يحدث في الداخل.تُظهر كل الإشارات تقريباً إلى أن الأحداث الأخيرة فاجأت القادة في بكين. في المقابل، اكتشفت أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية الإطاحة بجانغ من السلطة قبل خمسة أيام كاملة من بلوغها الذروة خلال اجتماع للحزب الكوري الحاكم في الثامن من ديسمبر.تنوي سلالة كيم إبقاء الصين في الظلام قدر الإمكان، ومع أن القادة الصينيين، بمن فيهم الرئيس تشي جينبينغ، يعبرون مراراً عن استيائهم من كوريا الشمالية، لا يملك أحد منهم القدرة أو الإرادة لتحويل اعتماد بيونغ يانغ الاقتصادي المتزايد على الصين إلى نفوذ واسع.منذ سنوات الإصلاح الصيني الباكرة مع دينغ شياو بينغ، تسعى بكين باستمرار إلى إقناع كوريا الشمالية بإجراء تغييرات اقتصادية تدريجية، وإقامة علاقات طبيعية مع العالم الخارجي، وزيادة الاهتمام بالمصالح الصينية. رغم ذلك، تواصل كوريا الشمالية تمسكها بتركيبتها المعتادة من المطالب والتمرد، بما فيها التهديدات الموجهة إلى كوريا الجنوبية وتسريع تطوير الأسلحة النووية والصواريخ البالستية الطويلة المدى، علماً أن هذه الخطوة الأخيرة تلقى معارضة كبيرة من كل القوى الخارجية، بما فيها الصين. وباستثناء بعض الخطوات المتواضعة نحو نشر غير رسمي لبعض مبادئ السوق الحر في كوريا الشمالية، يبقى سجل سياسة الصين تجاه بيونغ يانغ خلال العقود الثلاثة الماضية خاليا من أي نجاحات.كان جانغ قناة الصين الرئيسة للتواصل مع كوريا الشمالية. صحيح أنه لم يصبح رجل بكين، إلا أنه كان يتمتع بخبرة دولية واسعة جدا، مقارنة بأي قائد آخر في بيونغ يانغ. فقد أتاحت له سيطرته على عدد من المصالح التجارية في الشمال ومسؤوليته عن المناطق الاقتصادية الخاصة على طول الحدود الصينية اكتساب نفوذ اقتصادي كبير.ربما ظنت بكين أن جانغ مستعد لفتح نافذة محدودة إلى كوريا الشمالية، وربما اعتبره الصينيون أيضاً من المروجين المحتملين للاستقرار الذي طالما سعوا إلى تحقيقه في كوريا الشمالية، بيد أنهم أخفقوا.لكن جانغ صنع لنفسه الكثير من الأعداء خلال عقود من الحرب السياسية الطاحنة في بيونغ يانغ، فقد تنامت الشكوك داخل الأوساط الحاكمة في أنه هو أيضا يخضع للمصالح الصينية، وتبين أن تكديسه الثروات وروابطه الاقتصادية مع الصين كانا سبب سقوطه، عندما طالب كيم يونغ أون، القائد الثالث من سلالة كيم، بإعادة توزيع الغنائم.يجد المسؤولون الكوريون الشماليون الذين كانوا على علاقة مع جانغ أنفسهم اليوم في موضع شبهة، وتذكر بعض التقارير أنهم هم أيضاً تعرضوا لحملة تطهير وإعدام، كذلك يواجه المنادون بالتعاون مع الصين مخاطر كبيرة، في حين يعمل كيم على ترسيخ سلطته ويطالب بولاء كامل من كل التابعين له، ولكن من دون حلفاء يُعتمد عليهم في كوريا الشمالية ستُضطر الصين إلى التعامل مع قائد شاب متهور ومدعٍ لا يوليها أهمية كبيرة. يشكل سقوط جانغ التطور الأخير في سلسلة طويلة من الإخفاقات السياسية الصينية في كوريا الشمالية، إذ يعتبر محللون كثر أن كوريا الشمالية تشكل منطقة عازلة بالنسبة إلى الصين تستخدمها بكين لتعزل نفسها عن الضغوط الأميركية. لكن العكس هو الصحيح: تشكل الصين منطقة عازلة بالنسبة إلى كوريا الشمالية، لأن بكين تواصل تأديتها دور مُمَكن بيونغ يانغ الأول.تبدو السياسة الخارجية الصينية اليوم جريئة وقوية، ولكن في شبه الجزيرة الكورية، ما زال موقف الصين يعتمد على تفادي المخاطر. وهنا ينشأ السؤال: لمَ تواصل الصين إعرابها عن حذر مماثل أو حتى خجل واضح تجاه كوريا الشمالية؟يشير البعض إلى أن إرث الحرب الكورية يسيطر على عقول الناخبين التقليديين داخل الحزب الشيوعي والجيش الصينيين، ولكن إذا تأملنا الوضع بعمق، نلاحظ أن هواجس كثيرة تقض مضجع المسؤولين في بكين. فتخاف الصين أن تؤدي خطوات متطرفة قد تقدم عليها جارة كثيرة التقلبات، تملك ترسانة كبيرة من الأسلحة وتتحكم فيها قيادة تعاني كره الأجانب، إلى أزمة أكبر في شبه الجزيرة تُرغم الصين على التدخل فيها بسرعة. وفي ظل غياب الخيارات المنطقية لضبط سلوك كوريا الشمالية، تفضل الصين بدلاً من ذلك تفادي اتخاذ أي خطوة قد تنفر بيونغ يانغ.صحيح أن الصين تصر على رغبتها في إقامة علاقات دولية طبيعية مع كوريا الشمالية، إلا أنها غير مستعدة لتفرض شروطاً على جارتها المعزولة الكثيرة الاضطرابات، فكم بالأحرى إجراء إعادة تقييم شاملة لسياساتها؟ نتيجة لذلك، لا يرى كيم أي سبب يدفعه إلى اتباع نصيحة الصين، وسيواصل بدأب محاربته النفوذ الصين في كوريا الشمالية.يبقى الاستثناء الوحيد لسلبية الصين في التعاطي مع كوريا الشمالية ترويجها علاقات أقوى مع سيول، فصارت تجارة كوريا الجنوبية مع الصين تتخطى اليوم 250 مليار دولار، ما يفوق تجارة سيول مع اليابان والولايات المتحدة مجتمعتين (تبلغ تجارة الصين المتبادلة مع كوريا الشمالية نحو 6 مليارات دولار). كذلك استقبلت بكين رئيسة كوريا الجنوبية، بارك غيون هاي، في زيارة رسمية، لكن كيم لم يحظَ باستقبال مماثل، وما من أدلة تُظهر أنه يرغب في ذلك.تعرب الصين عن انزعاج كبير من تعاطيها مع المخاطر الأكبر التي تشكلها أعمال كوريا الشمالية وأهدافها، فلم تحقق الإطاحة بجانغ أي هدف غير التشديد على غياب نفوذ بكين في بيونغ يانغ، وتأمل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أن تبذل الصين جهداً أكبر، إلا أن بكين تبدو عالقة وسط ترددها السياسي.لا تقتصر الإخفاقات السياسية في شبه الجزيرة الكورية على الصين، لكن تفادي بكين المخاطر يعكس غياباً أكبر للإرادة والمخيلة من الجهة الصينية. ومن دون إجماع أكثر صدقاً بين بكين وسيول وواشنطن، يبقى الخطر الخفي، خطر مواجهة تهديد كبير في شبه الجزيرة الكورية، عالياً على نحو مخيف.تبدو كوريا الجنوبية والولايات المتحدة مستعدتين بالكامل لخوض حوار جاد مع الصين، إلا أن بكين تبدو عاجزة عن اتخاذ قرار حاسم، متقاعسة عن معالجة احتمال نشوب أزمة حادة لا تخدم بالتأكيد المصالح الصينية.* مدير مركز John L. Thornton China في معهد بروكينغز له كتاب No Exit: North Korea, Nuclear Weapons and International Security.