سعيد والحور العين

نشر في 05-01-2014
آخر تحديث 05-01-2014 | 00:01
 بدر سلطان العيسى سنة 1951 التحقت بجمعية الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، وكنا نحضر دروساً ونستمع إلى قراءات بإشراف أحد الإخوان الذي جاء من مصر لهذا الغرض، وكان الاجتماع يتم في جو هادئ لا يتعدى عدد المجتمعين أربعة أشخاص، ومن ضمنهم سعيد، وهو من أهل المكلا في اليمن، ومعه صديقه من نفس بلده.

كان الحديث في الاجتماعات أو بالأحرى التوجيه لغسل الأدمغة يتم حول الجنة والنار، وحول "الولدان المخلدون والحور العين"، وكان سعيد كثير الأسئلة التي يتصف بها أذكياء أهل اليمن، سأل الموجه عن عدد الحور العين لكل مسلم يدخل الجنة، فكان الجواب سبعين، وسأل عن أصناف الأكل والغذاء فكان الجواب من الموجه كل ما تشتهيه النفس.

وقد ظل سعيد بين الجلسة والأخرى يكرر نفس الأسئلة، وعندما شاهدت اصفرار بشرته ونحول جسمه سألت سعيد ماذا تأكل يا سعيد؟ وأين تأكل؟ فكان الجواب يوضح لي كثرة ترداده لهذه الأسئلة، فقد كان سعيد يسكن في غرفة متواضعة بقرب مدرسة النجاح، أما غذاؤه وعشاؤه فلا يتعديان الطحين والزيت كل يوم ولا تغيير، وكلما فكر في أمر الزواج أو خطر بباله تأسيس عائلة رأى أنه غير قادر ماديا، وبالتالي كان يسلي نفسه بكثرة الأسئلة، ثم لمَ العجلة، فالحور ينتظرنه في الجنة وكذلك "الولدان المخلدون"؟ أما أنا فقد انحصرت أسئلتي عن الفردوس المفقود- أعني الأندلس- وعن الولّادة بنت المستكفي، وعن ابن زيدون، وعن كل ما يتعلق بذلك البلد الجميل، ومرت الأيام ونقل أبو عمار المقاومة إلى شمال الأردن، وأقاموا هناك إذاعة للمنظمة.

سعيد وصديقه اليمني كانا يقاتلان في صف المجاهدين، وكذلك كان أبو الفهود المرحوم الشيخ فهد الأحمد من ضمن الفدائيين في ذلك الوقت، وقد عاد إلى الكويت بعد أن جرح في إحدى المعارك.

في إحدى المعارك أصيب صديق سعيد إصابة أبقته على قيد الحياة فترة وجيزة لا تتعدى يوما أو يومين، وكان يعلم أنه سوف يموت شهيداً، وأن الشهيد سوف يجد الجنة تنتظره في الأرض التي يدفن فيها إلا أنه (صديق سعيد) طلب نقل جثمانه إلى المكلا، وقد لزم الأمر تدبير طائرة لنقله بالسرعة الكافية لكي لا تتعفن جثته.

كان سعيد ينام في نفس الغرفة التي فيها جثة صديقه تعبيراً عن الصداقة الحميمة التي تربطه بصديقه، ويقول سعيد إنه كان واعياً، وكان صديقه المتوفى يتحدث معه دون عائق، وسأله سعيد هل ذهبت إلى الجنة؟ قال صديقه انظر ماذا ترى؟

ويقول سعيد إنه لم يكن يحلم، فقد رأى بأم عينه "أرضاً جرداء خالية من الشجر والماء لا خمر ولا ولدان مخلدون ولا حور عين".

وعندما استغرب سعيد مما رآه ومن كلام صديقه الميت حول الجنة التي يراها، والتي بدت له كأرض جرداء، قال له صديقه الميت أنت لا ترى غير الصحراء لأنك غير مؤمن وإيمانك مزعزع.

ثم نقل الجثمان من الكويت وقد قام المرحوم عبدالله العلي العبدالوهاب بكل الإجراءات اللازمة لنقل الجثمان إلى اليمن، ويقول المرحوم عبدالله العلي إنه بالرغم من بقاء الجثة ثلاثة أيام في الحر الشديد حتى تم توفير الطائرة اللازمة لنقلها فإنها لم تتعفن بل كان لها رائحة كرائحة المسك، والرواية أول كلام للمرحوم عبدالله العلي.

ومرت الأيام ورأيت سعيد بعد تحرير الكويت، وكان أول سؤال سألته: هل تزوجت يا سعيد؟ قال وعندي ولدان وبنت، قلت (من باب المزاح) ولماذا لم تنتظر حتى تذهب إلى الجنة وهناك تتزوج من الحور العين خير من زوجتك المفعوصة، فقد كان ينتظرك في الآخرة سبعون امرأة من الحور العين، وعدد لا يعدّ من الولدان المخلدين، فكان جوابه على طرف لسانه: قلت لك إنني لم أكن أحلم عندما كنت أنام بقرب صديقي المتوفى في شمال الأردن، وهو لم يكن ميتاً، فقد عادت له الحياة للفترة التي استمر فيها الحلم، هكذا هيئ لي، وهو الذي قال لي لا تنتظر الحور العين ولا الولدان المخلدين، فعندما تموت قد لا تجد شيئاً، ويكون الدود لم يترك من جسمك إلا العظام، حتى هذه قد تبلى وتجدها مهترئة، وذكرني بقول أبي العلاء المعري الذي يقول فيه:

غير مجدٍ في ملتي واعتقادي          نوح باك ولا ترنم شادي

ربّ أحد قد صار لحداً مراراً            ضاحكاً من تزاحم الأجساد

نهاية الحديث:

أعتقد أن سعيداً ما زال على قيد الحياة، وأنه ما زال يعيش في المكلا، فإذا رغب أحد بمعرفة عنوانه هناك فعليه الاتصال بشركة خالد المشاري الصالح لأخذ العنوان.

back to top