سمير حبشي: عندما يتحقق الوعي الاجتماعي تبدأ المحاسبة!

نشر في 17-02-2014 | 00:02
آخر تحديث 17-02-2014 | 00:02
مخرج سينمائي ودرامي لبناني، تميّز بأعمال تحاكي الأرض والإنسان، لأنه مؤمن بأن العمل الفني يهدف إلى طرح أسئلة إنسانية لدى المشاهدين وليس التسلية. أنهى المخرج اللبناني سمير حبشي تصوير مسلسله الجديد {أولاد البلد} ويستعد لمشاريع جديدة منها عمل عربي مشترك.
عن مسلسله الجديد وفيلمه الذي سيبدأ تصويره قريباً ونظرته إلى الدراما والسينما تحدث إلى {الجريدة}.
ما تفاصيل {أولاد البلد} الذي انتهيت من تصويره؟

مسلسل اجتماعي معاصر، كتابة غريتا غصيبة وإنتاج زياد شويري (أون لاين برودكشن) يحكي عن التنوع الطائفي في الشارع اللبناني وأجواء الانتخابات ومفاعيل تأجيلها وأحداث 7 مايو 2008.

متى يبدأ عرضه؟

بدأنا مرحلة توليفه على أن يبدأ عرضه نهاية الشهر الجاري عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال.

المسلسل من بطولة نادين الراسي وبيتر سمعان، فما سبب اختيارهما؟

هما ممثلان ممتازان والأنسب للدورين. يؤدي كل منهما شخصية مختلفة عن شخصياتهما السابقة، ويركزّان دائماً على أدق التفاصيل بهدف تقديم الأفضل. لذا آمل أن ينالا إعجاب الجمهور.

هل سنرى بصمتك المعهودة في العمل، أم ثمة تجديد لأسلوبك الإخراجي؟

لا شك في أن قماشة المخرج واحدة في أعماله كافة، وتظهر بوضوح في كل عمل ينفذّه، لذا من السهل ملاحظة هويته من خلال أسلوبه الإخراجي وطريقة التصوير وكيفية إدارة الممثل وجوّ العمل ككل.

تسلّط الضوء باستمرار على أجواء القرية والطبيعة اللبنانية، فما سر تعلقك بالأرض؟

تفسح الأرض في المجال أمامنا لابتكار مناخ معين في المسلسل، والذي أعتبره أهمّ من القصة، بحد ذاتها، لذا يهمني إظهاره، لأن المكان نزرع فيه الشخصيات لئلا تأتي القصة مجرد حوارات متبادلة من دون جوّ خاص أي من دون ابتكار فنيّ.

أيهما تفضل: أن تكون بيئة المسلسل معروفة لدى المشاهد أو غير محددة المعالم الجغرافية؟

لا يهم، ما دامت تصبّ في خدمة الفكرة. بالنسبة إلى {أولاد البلد} صوّرنا في البقاع وبيروت والشوف حيث جرت الأحداث في الواقع، فجاءت الأماكن محددة المعالم والأسماء. فضلا عن استخدامنا أسماء ذات دلالة طائفية مثل: حسين الشاب الشيعي الذي يؤيد {حزب الله}، وعمر الشاب السني المؤيد لتيار المستقبل.

عادة يُفضل الابتعاد عن التسميات الطائفية في الدراما المحلية.

صحيح، لكننا في هذا المسلسل نحكي الأمور بصراحة من دون لفّ ودوران.

فكرة المسلسل على تماس مع الشارع اللبناني، فهل سيتطرق إلى قضايا سياسية؟

هو مسلسل اجتماعي بحت ولن يتطرق إلى قضايا سياسية، علماً أنني أفضّل تقديم عمل درامي أو سينمائي يعبّر عن أرائي السياسية الخاصة.

 

رغم تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في لبنان، نشهد إنتاجاً درامياً متقدمّاً، فما رأيك؟

لا يقتصر ذلك على لبنان، ففي سورية تُصوّر أعمال درامية رغم القصف والمعارك. كل من يريد التطوّر في قطاعه المهني عليه أن يسعى إلى الاستمرار وعدم التوقف عن الإنتاج. لذا لا تتأثر الدراما بهذه الأوضاع، خصوصاً أن محطات التلفزة تريد الاستمرار ولا يمكن ذلك من دون إنتاج الأعمال.

كيف ترى مسيرة الدراما اللبنانية الراهنة؟

لستُ ناقداً فنياً لأبدي رأيي بالأعمال الدرامية، لكنني أراها تسير إلى حيث يسير البلد. فإذا كنا نجهل وجهة لبنان فهل سنهتم بالاتجاه الذي تسلكه الدراما؟ إنها إضافة إلى السينما والمسرح مرتبطة بالكيان اللبناني ارتباطاً جدلياً، وبالتالي ستتجه هذه الفنون الى حيث يتجه هو. فما دمنا في عالم تغيب فيه المحاسبة السياسية والفنية، سنبقى مسمّرين في مكاننا ولن نتطوّر.

أين يكمن الحل برأيك؟

عندما يتحقق الوعي الاجتماعي ويبدأ الناس بمحاسبة السياسي والمخرج والمنتج والممثل. يجب أن تتحقق المحاسبة في لبنان، ويتوقف البعض عن اعتبار مسلسله يكسّر الارض، لأنه لم تعد ثمة أرض لتكسيرها، والبعض الآخر عن اعتبار فيلمه بداية السينما اللبنانية، لأن هذا ادعاء ليس في محلّه.

أساساً أنت مخرج سينمائي، فما رأيك بالحركة السينمائية الراهنة؟

مسرور بصدور ثمانية أفلام لبنانية في عام واحد، وحصدها جماهيرية، فهذا دليل على أن الجمهور اللبناني يقصد صالات السينما لمشاهدة أعمال محلية.

هل يعني ذلك أن البيئة مهيأة للصناعة السينمائية في لبنان؟

طبعاً، فتقنية الفيديو والـHD سهّلت عملية الإنتاج السينمائي وخفّضت كلفة صناعة الفيلم.

أين أصبح فيلمك {العقرب}؟

جاهز ونحن جاهزون أيضاً، لكن تصويره مؤجل في انتظار إعلان المنتج إمكان الانطلاق به.

تعاونت شركات انتاج عدّة أخيراً على تنفيذ عمل درامي واحد، فكيف تفسّر ذلك؟

يحصل مثل هذا التعاون بهدف تأمين التمويل المادي اللازم لإنتاج عمل ما، حين تكون إحدى الشركات غير قادرة على دفع التكاليف وحدها، ما يعني اقتصار التعاون بين شركات الإنتاج على الناحية المادية.

تتعاون مع مختلف شركات الإنتاج، فهل التفلّت من مبدأ الحصرية يجعلك قادراً على فرض أمور معينة؟

أمارس مهنة الإخراج منذ مدة طويلة، وثمة اعتراف من الجميع بمهنيتي وقدراتي. معروف أنني لا أقبل إلا العمل الذي يعجبني، بغض النظر عن الجهة المنتجة، ما دمنا نتفق على الشروط المتبادلة. أما تعاوني مع شركة أكثر من سواها، فمرّده إلى توافر نواحٍ مشتركة بيننا نتفق عليها، لكنني لست حصرياً مع أحد.

هل يمكن لمخرج قوي، إذا توافر لديه فريق عمل تقني قوي، أن ينتشل مسلسلا من السقوط ضحية إنتاج ضعيف؟

يمكن أن يحقق المخرج العجائب، إذا جاز التعبير، خصوصاً أن الإنتاج اللبناني ضعيف في الأساس، ويحاول المخرجون تغطية هذا الضعف قدر الإمكان. أعتبر نفسي شريكاً للمنتج في تنفيذ العمل، لذا أنا متفهم لضعف الإنتاج وآخذ في الاعتبار الإمكانات الإنتاجية ومتطلبات السوق اللبنانية. لذا عندما أستلم عملا ما، اطلع على الإمكانات الإنتاجية المتوافرة له، لأرسم صورة إخراجية على هذا الأساس، لئلا يأتي التنفيذ معيباً.

هل يفرض المخرج الأسماء المشاركة في العمل أم للمنتج الكلمة الفصل؟

يُفترض بالمخرج أن يختار الممثلين بنفسه لأنهم أداة تعبيره الأقوى، ومن خلال إدارته لهم يعّبر عن إمكاناته المهنية. لذا عندما يقرر المنتج الأسماء يكبّل يديّ المخرج لأنه يتصرّف كمخرج صغير، ويتدخل بشؤون إخراجية. إنما يمكن أن يقترح المنتج الأسماء وفق المعايير التي يحددها المخرج للشخصيات، ليختار الأخير من بينها عبر تعاون متبادل لتقديم الأفضل.

ثمة مسلسلات تجارية تُعرض في شهر رمضان وتحقق نسبة مشاهدة مرتفعة، فهل من مشروع في هذا الإطار؟

لا أحب إخراج مسلسلات تجارية، والمسلسل الرمضاني {باب ادريس} الذي قدّمته، كان عملا فنياً حقيقياً وسيبقى كذلك. أوافق على المشروع انطلاقاً من فكرته ومضمونه، ومدى اقتناعي به لاستطيع تجنيد نفسي 100 يوم للتصوير، وأشهر للتوليف. اختار القضايا المنتمية إلى البيئة والأرض والزمان والمكان والإنسان. وحتى الآن لم يحدث أن نفذّت عملا كمخرج تقني فحسب بهدف الربح المادي الصرف.

رغم مسيرتك الطويلة في الاخراج، لم تنفّذ سوى عمل كوميدي خفيف واحد هو {مشوار}، ما السبب؟

أستمتع بإخراج العمل الذي يحمل قضايا معينة أؤمن بها وتحمسّني للنهوض باكراً من أجلها، وليس أعمالا مسلية للجمهور. تشكّل القصة جاذباً للناس لمتابعة العمل، لكنها ليست الهدف بحد ذاته. ثمة نشاطات كثيرة يمكن أن أقوم بها بهدف التسلية غير الأفلام أو المسرح أو العمل الدرامي، غايتها تعليم الإنسان أمور جديدة.

 

وما الهدف بالنسبة إليك؟

دفع المشاهد الى طرح أسئلة إنسانية في أثناء متابعته الفيلم أو المسلسل،

هل من مشاريع أخرى بعد {أولاد البلد}؟

ثمة مشاريع درامية كثيرة من بينها مسلسل لبناني عربي حقيقي وواقعي، أعجبتني فكرته لكننا لا نزال في مرحلة المفاوضات.

إنتاج مشترك

ما رأيك بمستوى الأعمال التي تجمع اللبناني والسوري والمصري؟

لا يمكن التعميم من حيث المستوى والنوعية، لكن الانتاج المشترك جيد عموماً. إنما من جهة أخرى، يجب ألا يكون شبيهاً بمستوى السينما الرديئة التي انتشرت في الماضي وافتُعل فيها خليط عربي، وعندما تحقق الوعي الاجتماعي سماها النقاد وصانعوها بمرحلة السينما الرديئة. لذا أرى أن الوعي الاجتماعي الذي سيتحقق مستقبلا سيعتبر الأعمال المترجمة راهناً والتي يزرعون فيها هويات عربية مختلفة بشكل مفتعل وغير منطقي وغير واقعي، رديئة، رغم أنها تحصد جماهرية وتأتي بمردود جيد للمنتجين وتوّزع في العالم العربي، فإنها ليست المسلسل العربي الحقيقي.

كيف يمكن إنتاج عمل عربي مشترك حقيقي؟

ما دامت في لبنان جالية سورية وأخرى مصرية، وفي مصر جالية لبنانية وأخرى سورية، نستطيع إنتاج عمل عربي مشترك حقيقي، عبر كتابة قصة تضم هؤلاء بشكل منطقي وواقعي، مثلا قصة رجل مصري يعمل في محطة وقود، يسكن في غرفة متواضعة على سطح مبنى يتابع يومياً عبر قنوات الأخبار الأوضاع في بلده، وهو مغرم بجارته اللبنانية ويتواصل مع جاره السوري الهارب مع عائلته من الأوضاع الأمنية في بلاده، فتدور الأحداث حول علاقة هؤلاء ببعضهم البعض وتفاعلهم مع المجتمع اللبناني.

هل يمكن لمسلسل لبناني صرف، شق طريقه إلى العالم العربي من دون تطعيم؟

لا شيء يحول دون ذلك شرط أن يكون عملا نوعياً، ويتوافر السعي إلى تحقيق الانتشار. تكمن المشكلة التي تعرقل انتشار العمل اللبناني خارجاً، في إنتاج أعمال مساوية للسوق اللبنانية الضيقة أساساً، وعدم مخاطرة المنتج بتنفيذ مسلسل لبناني بتكاليف مرتفعة، وبالتالي سنبقى غير قادرين على الانتشار.

back to top