حل البنية الأساسية

نشر في 04-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 04-07-2014 | 00:01
في فبراير 2013 قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت: "إن البنية الأساسية بطبيعة المصطلح تشكل ضرورة أساسية لعمل المجتمعات"، ورغم هذا فإن البنية الأساسية، كما يزعم البعض، كانت بمثابة القضية الاقتصادية المنسية في القرن الحادي والعشرين، والواقع أن الفشل في إقامة الاستثمارات الصحيحة في البنية الأساسية كان سبباً في إضعاف قدرات وإمكانات العديد من البلدان في ما يتصل بتعزيز النمو الاقتصادي وتشغيل العمالة.

ورغم أن المناقشة حول البنية الأساسية تميل إلى التركيز على الحاجة إلى المزيد من الأموال والتمويل الخلاق، فإن المشكلة الحقيقية ليست عدم كفاية الاستثمار، بل إن البيئة المبنية تتدهور نتيجة للنهج المفتت المجزأ في التخطيط للبنية الأساسية وتمويلها وتسليمها وتشغليها، والذي يؤكد التكلفة وفئة الأصول والموقع الجغرافي.

ولابد أن يكون وضع نهج جديد- يقوم على منظور واسع شامل- على رأس أولويات أولئك الذين لديهم القدرة على التغيير، بمن في ذلك المديرون التنفيذيون وكبار المسؤولين الحكوميين، وهذا هو على وجه التحديد هدف مبادرة ماكينزي للبنية الأساسية العالمية، التي عقدت اجتماعها الثاني في ريو دي جانيرو الشهر الماضي، والذي تسعى إلى تحقيقه من خلال الترويج لحلول عملية عالمية تهدف إلى رفع إنتاجية وكفاءة كل جوانب البنية الأساسية.

وفي غياب مثل هذه الحلول، فإن العالم سوف يحتاج إلى ما يقدر بنحو 57 تريليون دولار أميركي من الاستثمارات في البنية الأساسية في الفترة 2013-2030، لمجرد مواكبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهذا المبلغ أكثر من قيمة المخزون القائم من البنية الأساسية بالكامل.

والبنية الأساسية الأكثر إنتاجية من الممكن أن تخفض فاتورة البنية الأساسية العالمية بنسبة 40%، أو تريليون دولار سنوياً حتى عام 2030، وهذا من شأنه أن يسهل استثمارات أعلى في البنية الأساسية، بزيادة تعادل 1% من الناتج المحلي الإجمالي تترجم إلى 3.4 ملايين وظيفة إضافية في الهند، و1.5 مليون وظيفة في الولايات المتحدة، و1.3 مليون وظيفة في البرازيل، و700 ألف وظيفة في إندونيسيا.

وتبدأ زيادة إنتاجية البنية الأساسية من مرحلة التخطيط، واتباع نهج أكثر واقعية وعملية في اختيار مشاريع البنية الأساسية التي يمكن الاستثمار فيها- بما في ذلك التقييم المنظم للتكاليف والفوائد استناداً إلى معايير محددة تمثل الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأوسع- من شأنه أن يوفر للعالم نحو 200 مليار دولار سنويا.

الواقع أن بعض البلدان تجني بالفعل فوائد مثل هذا النهج، ففي كوريا الجنوبية نجح مركز إدارة الاستثمارات العامة والخاصة في البنية الأساسية في خفض الإنفاق على البنية الأساسية بنسبة 35%؛ واليوم يرفض المسؤولون 46% من المشاريع المقترحة التي يراجعونها، مقارنة بنحو 3% سابقا.

وعلى نحو مماثل أنشأت المملكة المتحدة برنامج مراجعة التكاليف الذي حدد أربعين مشروعاً رئيسياً كأولويات، وأصلح عمليات التخطيط الإجمالية، ثم أنشأ لجنة فرعية في مجلس الوزراء تتلخص مهمتها في ضمان تسليم المشاريع بسرعة أكبر، وبالتالي خفض الإنفاق على البنية الأساسية بنسبة 15%، ويتولى جهاز الاستثمار العام الوطني في تشيلي تقييم كل المشاريع العامة المقترحة باستخدام نماذج وإجراءات ومقاييس معيارية، ويرفض ما قد يصل إلى 35% من المشاريع المقترحة.

وتكمن فرص إضافية للتوفير- بما يقدر بنحو 400 مليار دولار سنويا- في التسليم الأكثر تبسيطاً لمشاريع البنية الأساسية، فهناك مجال هائل لتسريع الموافقات وحيازات الأراضي وعقود البناء لتشجيع الإبداع والتوفير، وتحسين التعاون مع المقاولين.

ففي ولاية نيو ساوث ويلز بأستراليا انخفض زمن الحصول على الموافقات بنسبة 11% في غضون عام واحد، ونجحت إحدى هيئات الطرق في إسكندنافيا في خفض الإنفاق الإجمالي بنسبة 15% من خلال تحديث معايير التصميم وتبني تقنيات بناء رشيقة، والاستفادة من المصادر المجمعة والدولية.

لا تقتصر فرص التوفير على القدرات الجديدة، فبوسع الحكومات أن توفر 400 مليار دولار سنوياً ببساطة من خلال زيادة كفاءة إنتاجية البينة الأساسية القائمة. على سبيل المثال، تستطيع الشبكات الذكية أن تخفض تكاليف البنية الأساسية للطاقة بنحو 2 إلى 6 مليارات دولار سنوياً في الولايات المتحدة، في حين تحد من انقطاع التيار المكلف.

وعلى نحو مماثل، من الممكن أن تعمل شبكات النقل الذكية على الطرق على مضاعفة استخدام الأصول إلى ثلاثة أمثالها، وعادة في مقابل جزء ضئيل من تكاليف إضافة ما يعادلها في القدرة المادية، وقد نجحت شبكة النقل الذكية في المملكة المتحدة على الطريق السريع (م24) في خفض زمن الرحلات بنسبة 25%، والحوادث بنسبة 50%، والتلوث بنسبة 10%، واستهلاك الوقود بنسبة 4%.

ومن الممكن أيضاً أن يقلل تسعير الازدحام من الحاجة إلى قدرات جديدة، في حين يعطي الفرصة لتحقيق قدر كبير من التوفير في تكاليف الوقود والزمن، وبفضل هذا التغيير تمكنت مدينة لندن من خفض الازدحام بنسبة 30%.

والواقع أن كل هذه الحلول ليست صعبة بشكل خاص، فهي تتطلب ببساطة تبني نهج أقل تجزئة داخل الحكومة، والمزيد من التعاون بين القطاعين العام والخاص.

وهذا الهدف قابل للتحقيق في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، ففي سويسرا على سبيل المثال، تدمج وزارة البيئة والنقل والطاقة والاتصالات الأهداف الوطنية التي يحددها المجلس الفدرالي في استراتيجية موحدة في التعامل مع البنية الأساسية والتي تمثل احتياجات قطاعات بعينها. وعلى نحو مماثل، تعمل وزارة البنية الأساسية في رواندا على تنسيق أنشطة الوزارات الأخرى والهيئات العامة- لضمان تماشي استراتيجيات البنية الأساسية مع خطط التكامل الإقليمي في مجتمعات شرق إفريقيا- ومراقبة التسليم النهائي وعمليات التشغيل.

يتعين على الحكومات أن تدرك أن القطاع الخاص قادر على توفير ما هو أكثر من مجرد تمويل البنية الأساسية؛ فهو قادر أيضاً على توفير المهارة المعرفية في مراحل التخطيط والبناء والتشغيل، والآن تعمل دول مثل تشيلي والفلبين وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتايوان على تطوير أطر تعمل على توسيع الدور الذي يقوم به القطاع الخاص في التخطيط للمشاريع.

إن البنية الأساسية الناجحة تزيد من القدرة التنافسية للاقتصادات، في حين توفر الإطار المادي لحياة الناس، ولا بد أن يكون هدف صناع السياسات هو ضمان تحقيق البنية الأساسية لكامل إمكاناتها، حتى يتسنى للناس الذين يعتمدون عليها أن يحققوا إمكاناتهم.

* بيلي كبير زملاء معهد بروكنجز، والرئيس السابق لمجلس مستشاري الرئيس بيل كلينتون الاقتصاديين. وبالتر مدير في شركة ماكينزي، وقائد ممارسة ماكينزي للبنية الأساسية على مستوى العالم.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top