حديث الصوابع!

نشر في 26-11-2013
آخر تحديث 26-11-2013 | 13:01
 باسم يوسف في مدينتي هناك فيلم جديد بطولة أربعة صوابع، علامة يعتبرها البعض رمزاً للصمود، ويتعوذ منها البعض الآخر كأنها علامة الشيطان، أصابع تنبت في كل مكان، يمكن أن تكون مصدر سعادة لمن يرفعها، ومصدر قلق وتوتر لمن شاء حظه العثر أن يمر بسيارته في وسط تظاهرات أصحابها.

تثير العلامة الرعب في قلوب الكثيرين، فكم سمعوا عمن تحطمت سيارته أو تم الاعتداء اللفظي أو الجسدي عليه.

"ربعلهم عشان تعدي وتخلص".

نصيحة قيمة لمن يريد أن يمر بسلام.

وفي مكان ما في بنها بالقليوبية، تم تكريم طالب لأنه ابتكر طريقة خلاقة لمواجهة علامة رابعة، فتفتق ذهنه عن علامة "تالتة" نسبة إلى "الثالث من يوليو".

أتاري براءات الاختراع ببلاش!

وما بين رابعة وتالتة يقف مواطن مطحون مقاوماً رغبته في رفع أصبعه الوسطى للجميع.

في مدينتي رغبة عارمة لقطع جميع الأصابع، هذا أفضل للجميع، فلنقطع الأصابع ولتسلم الأيادي.

نحن نصر أنها ثورة، ونحلف على المية تجمد أننا ثرنا ضد الفاشية الدينية والدكتاتورية، ولكننا ديمقراطيون في كل شيء ما عدا حديث الأصابع.

في وطني يظن الناس أن الديمقراطية إجماع تسعين مليون نسمة على قرار واحد، مع أن قلوبنا شتى، فقد اجتمع الناس على قلب السيسي ولم ينسوا أن يتفرقوا على كراهية بعضهم البعض.

نشتم أميركا وأوروبا، ونفتخر باستقلال قرارنا السياسي، ولكننا نسعى إلى كسب رضاهم عن ثورتنا، فنطلق القنوات بلغة إنكليزية ركيكة  ليشاهدها أوباما فيهتف "أو ماي جود، إنها ثورة وليست انقلاباً!".

معلوماتي عن الثورة التي قامت من أجل الحريات أنها لا يجب أن تتحول إلى أداة لقمع هذه الحريات، حتى لو كانت حريتك في أن  تسمي ما حدث انقلاباً.

مش انت ديمقراطي يا عم؟ ومعاك الناس كلهم؟ فلماذا تهتم بمن تصفهم بالأقلية المنبوذة إذا هي أطلقت على ما حدث انقلابا؟ 

أتخاف أن يغير أوباما رأيه بعد أن شاهد برنامج جابر القرموطي مترجماً إلى الإنكليزية؟.

بعد ثورة 25 يناير خرج الكثيرون ليشككوا فيها، وليستخدموا نظريات المؤامرة لإثبات أنها لا ثورة ولا "انقلاب"، ولكن نبت شيطاني... مؤامرة... خيانة. 

ولكننا لم نسمع عن أحد قد تم حبسه بسبب كرهه ليناير، ولم نسمع عن لاعب تم إيقافه لأنه نزل في التظاهرات المؤيدة لمبارك.

ربما لأن يناير هي بنت البطة السودة فلا أحد يهتم، ولكن أنت باهتمامك المبالغ فيه بتصنيف 30 يونيو، أضعفت موقفك وأضعفت  30 يونيو.

لابد أنك سعيد الآن بإيقاف عبدالظاهر، أو إيقاف محمد يوسف بطل الكونغ فو، فهؤلاء حتماً كان من الممكن أن يغيروا بأصابعهم موقف المجتمع الدولي تجاه ثورتنا الغراء، لكن الحقيقة أن المجتمع الدولي قد جلس ممصمصاً شفاه مستغرباً كيف لملايين من الناس أن يؤمنوا بأنهم أصحاب أكبر حشد في التاريخ ثم يتوترون من بضعة أصابع.

تستعر الحرب على الإنترنت، فيأتي طرف بلاعبي إسبانيا يرفعون علم إقليم كتالونيا الانفصالي بعد فوزهم بكأس العالم، ويأتي آخرون بعقوبة هاني رمزي حين أشار بعلامة النازية لجمهور أوروبي لديه تاريخ أسود مع الرايخ الثالث، مع أن كلا الطرفين لا يهمه الأمثلة فرأيه معد مسبقاً، وما هذه الأمثلة إلا وسيلة "لتقييف" الحقيقة على مزاجك، فمن اعترض على الأصابع الأربعة بعد تسجيل الهدف لا يمانع لو رفع نفس اللاعب صورة وزير الدفاع.

في الواقع أنا غير مهتم بعلامة رابعة، وفي الواقع هناك كثيرون الذين لا يهتمون ولا يأبهون لها، ولكن رد الفعل المبالغ فيه كلما أشار أحدهم بأربعة أصابع هو رد فعل كوميدي يعكس ضعفاً شديداً وعدم ثقة في النفس. 

حين تعاقب بالإيقاف والقبض والملاحقة كل من رفع أربعة أصابع أو من ارتدى زياً "صفراوياً"، فأنت تعطي لهذه الإشارة قوة ووزناً أكبر من حجمها.

يا سيدي اللي يرفع يرفع، واللي يلبس يلبس، مش دي الديمقراطية برضه؟

حين تصر على التضييق على فعل سلبي مثل رفع الأصابع سيأتي آخرون ليرفعوها لمجرد استفزازك.

أشاهد في صور تظاهرات "الإخوان" أطفال مدارس أكاد أجزم أنهم لا إخوان ولا هم يدركون معنى كلمة الشرعية، بل ربما كانوا أول من يضحكون على خطابات مرسي، ولكنهم ينساقون في الهوجة ويرفعون أصابعم لمجرد العند أو الكيد، أو فراغ وخلاص.

مقتل جنود لنا على الحدود أحق بالاهتمام من إشارة رابعة، اغتيال ضباط شرطة أهم من القبض على الناس بتهمة حمل البلالين، حين يموت جنود الجيش والشرطة وتختزل الحرب على الإرهاب في قفش "كام صباع"، فهي إهانة لذكراهم، وتهريج في ميدان لا ينفع فيه إلا الجد.

 لماذا نصر أن نخسر معارك مضمونة ونهتم بصغائر الأمور؟

يمكنك الاستمرار في قطع ما تيسر لك من الأصابع مادام ذلك يشفي غليلك، ستستمر الأصابع في الظهور، ليس لأن شعبية "الإخوان" في ازدياد، ستستمر وتزيد، لأن من أخطاء السلطة القاتلة أنها أظهرت للناس أن فعلاً بسيطاً و"عبيطاً" يمكن أن يهز هيبتها، فإذا كنت غضباناً من الدولة لظروف اقتصادية واجتماعية، إلى جانب مناخ الإحباط العام، فأنت لا تحتاج إلى أن تحتج، وتسب وتهاجم منشآت الدولة، فقد اكتشفت حركة بسيطة تغضب الحكومة وتستفز الدولة، فما أسهل أن "تربع" في وجه الجميع لمجرد العند.

لتستمر في غضبك من الأصابع، ولتلاحقها في كل مكان، ولكن حين تنتهي ستكتشف أنك قد أضعت وقتك وجهدك لتثبت قدرتك اللامتناهية إنك بتيجي في الهايفة وتتصدر.

ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top