«لطف التدبير} للخطيب الإسكافي

نشر في 21-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-05-2014 | 00:01
حكايات في أحوال الممالك والمسالك

صدرت حديثاً عن {دار منشورات الجمل} طبعة جديدة من كتاب {لطف التدبير} للخطيب الإسكافي، حققه وعلق عليه الباحث أحمد عبدالباقي.
في مقدمته كتاب {لطف التدبير {يشير عبد الباقي إلى أنه ومن بين المخطوطات التي تعتز بها مكتبة {المثنى} في بغداد، مخطوطة نفيسة يرجع عهدها إلى القرن التاسع الهجري، بعنوان {لطف التدبير} تأليف محمد بن عبدالله الخطيب، المعروف بالإسكافي الراحل عام 421هـ. فقام الباحث بتفحصها، فوجدها تضم مجموعة من الحكايات والأخبار، فيها بحوث شيقة ومعلومات طريفة، علاوة على قيمتها الأدبية والتاريخية.

تقع المخطوطة في 220 صحيفة من القطع المتوسط، كتبت بخط النسخ، وبمداد أسود ثابت، عدا العناوين التي كتبت بالمداد الأحمر، واتبعت صحائفها نظام التعقيبة. وللمخطوطة غلافان: أحدهما داخلي، وهو غلافها الأصلي، والآخر خارجي، يظهر أنه أضيف إليها بعد مدة من كتابتها. لأن العنوان المثبت عليه يختلف في خطه ومضمونه عن العنوان الوارد على الغلاف الداخلي، فضلاً عن أن ورق الغلاف يختلف عن بقية أوراق المخطوطة.

يلفت أحمد عبد الباقي، إلى أن كتاب {لطف التدبير}، من ناحية الموضوع، يعتبر أحد أقدم المؤلفات في موضوع السياسات الملكية. ولم يسبق الإسكافي، من مؤلفي المسلمين ومؤرخيهم في هذا الموضوع سوى شهاب الدين أحمد بن الربيع الذي وضع للخليفة المعتصم العباسي كتاباً في هذا الباب أسماه {سلوك المالك في تدبير الممالك}. أما الكتب الأخرى الشهيرة في هذا الموضوع، فقد وضعت بعد الإسكافي. ولا يوجد في كتاب الخطيب الإسكافي ما يدل على أنه اقتبس شيئاً مما احتواه كتاب ابن الربيع، إذ إن بحوث الكتاب، فلسفية مجردة، بينما يقوم كتاب الإسكافي على عرض صور مختلفة مستمدة من الحوادث التاريخية. وذلك مما يجعل لكتاب الإسكافي قيمة كبيرة باعتباره أحد أوائل ما ألف في هذا الموضوع.

الكتاب الذي بين أيدينا هو مجموعة أخبار وحكايات مبوبة في اثنين وثلاثين باباً، ينتظم كل منها قصصاً يتفق مغزاها وعنوان الباب، مع أبواب ختامية في أغراض مختلفة. ويقسم أحمد عبد الباقي الأغراض الأساسية التي تضمنتها أبواب الكتاب إلى ستة أقسام هي:

1. ما يحتاج الملوك إلى معرفته من لطف التدبير في عقد الملك وإدارة شؤونه، وفي معالجة أمور الفتن والشغب.

2. الحروب وتدبيرها كفتح القلاع والبلدان، وصد الأعداء ودحرهم.

3. دفع المكروه بقول أو بلطف أو بمكروه مثله، ودفع الشبهات.

4. المكايدة والثأر والانتقام.

5. فنون السياسة كالتعرف إلى الأسرار، والتستر، وفسخ العزائم.

6. ضروب مختلفة من لطف التدبير.

 تاريخ العرب

الحكايات والأخبار التي يرويها المؤلف في الكتاب مستمدة من تاريخ العرب وأيامهم في جاهليتهم، ومن حوادث التاريخ الإسلامي، ومن تاريخ الروم والفرس. ومعظم هذه الأخبار حقائق تاريخية صحيحة المعلومات، أي أنها قد حدثت فعلاًً وأدى أبطالها دورهم في الحياة. عدا بعضها، وهو قليل جداً، مما يدخل في قسم الأساطير والخرافات التي توردها المؤلفات القديمة.

حسب عبد الباقي، فإنه من المؤسف أن الكتاب لا يتضمن سوى مقدمة مختصرة جداً، لا تبين سبب تأليفه، ولا تتعرض للظروف التي أملت عليها المؤلف تأليفه. لكن أغلب الظن عند عبد الباقي، أن الخطيب الإسكافي استهدف من حكاياته هذه وتبويبها، أن يضع أمام حكام عصره، حلولاً عملية لمشاكل جابهت أمثالهم في دول وأمم أخرى عبر تاريخها، لعلهم يعتبرون بها ويفيدون من نتائجها، مما يساعدهم على النهوض بمسؤوليات الحكم.

واللافت أيضاً في الكتاب، أن المؤلف التزم في سرد الحكايات والأخبار، في الأبواب المختلفة، منتهى الموضوعية. فلم يستطرد في بحثه أو يتبسط في روايته، ولم يقحم فيها تجاربه وخبراته أو مشاهداته، ولم ينتقد أو يعلق على أي قسم منها بما يمثل رأيه ووجهة نظره.

كذلك لم يذكر أي شيء عن نفسه، سواء ما يتعلق بنشأته وماضيه وحاضره، فالكتاب على هذا نموذج ممتاز للأسلوب الموضوعي المجرد من الكتابة والتأليف. ومعظم الأخبار التي تضمنتها أبواب الكتاب المختلفة، رواها المؤلف بسندها، وإن من روى عنهم يعتبرون من ثقاة الرواة. والواقع أن من روى عنهم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، يكادون أن يكونوا من الطبقة الأولى من حيث مركزهم العلمي ودرجة الاعتماد على روايتهم والثقة بها. وأقدم رواته عبدالله بن عباس وتابعه جابر بن زيد. وابن عباس، كما سمي حبر الأمة، حجة في شعر العرب وأيامهم، وأعلم الناس بآيات القرآن وتأويلها، كما كان جابر بن زيد من أئمة الفقهاء وثقاة المحدثين.

مواضيع وأبواب

تتوزع أبواب الكتاب حسب مواضيع عدة، مثل: في أوائل ما تحتاج الملوك إلى معرفته، في لطف التدبير في الحروب، في فتح القلاع، في لطف التدبير في فتح البلاد، في لطف التدبير في عقد الملك، في كسر العساكر بقوة الرأي لا بقوة المكاثرة، في كسر الجيوش بتفريق كلمتها، في التدبير على مفسد أو مستعص، في تسكين شغب وإصلاح نفار أو ذات بين، في التضريب والإغراء، في تدبير المنهزم، في لطف التدبير. كذلك ثمة مواضيع تتمحور حول المكائد على الأعداء، في مكايدة صغير لكبير، في دفع مكروه بقول، في دفع مكروه بمكروه، في دفع مكروه بلطف، لطف التدبير في دفع مكروه، في مداراة السلطان، في الانتقام من سالبي ملك، في الخلاص من نقمة من يعين على قطيعة الرحم بالقتل، في الفتك والأمر به أو الاحتراز منه، في جزالة الرأي. وتتشعب المواضيع أيضاً لتطاول مواضيع أخرى في مجال الملك، وبعض النصائح التي يقدمها المؤلف للملوك، كجزالة الرأي، وإظهار أمر وإخفاء غيره، والاطلاع على مكتوم، في درك ثأر وطائلة، في فسخ العزائم، في إنهاء خبر بلا تصريح، في مخاطرة الملوك بأنفسهم، في اللطف في حط منزلة، في دفع الفيلة، في دفع ظنة.

back to top