تعاطفك لوحده كفاية

نشر في 10-12-2013
آخر تحديث 10-12-2013 | 13:01
 باسم يوسف من كان يتخيل أن يعاقبك الناس حين تحاول أن تظهر إنسانيتك أو أن تعبر عن حزنك أو ضيقك حين يتعرض بني آدم، أكرر "بني آدم"، للظلم بأي صورة؟

من كان يتخيل أن اعتراضك على مقتل "بني آدمين" أو حبس "بني آدمين" أو قمع "بني آدمين" بأي صورة يجعلك عرضة لاتهامات متعددة تتراوح بين الخيانة والكفر على حسب من يقوم بالحكم عليك؟

الآن أنت لا تستطيع أن تنعم بأكبر نعمة أنعمها الله عليك، وهي التعاطف مع إخوانك في الإنسانية، بدون أن تكون مستعداً بديباجة طويلة عريضة لتوضيح موقفك السياسي، حتى لا تتهم بالعمالة أحياناً، والزندقة أحياناً أخرى.

الموضوع ليس جديداً، هو قديم قدم الإنسانية، فحين تفكر في الحروب والمجازر والتاريخ الدموي لظلم الإنسان لأخيه الإنسان تدرك أن كل هذا لم يكن ممكناً إلا بطريقة واحدة فقط، وهي شيطنة أعدائك ونزع أي نوع من التعاطف معهم، يتساوى في ذلك من يقتل باسم الرب أو باسم أمن الوطن.

يمكنك أن تقرأ هذا الكلام بدون أن تقلق، ففي النهاية أنت لست الجندي أو الجهادي أو فرد الأمن الذي يضغط على الزناد، ويطلق الرصاص بلا رحمة على من يعتبرهم بشراً سابقين، لكن الحقيقة أن هذا يبدأ بين أناس عاديين، مواطنين مثلي ومثلك فقدوا كل تعاطف مع الآخر.

يبدأ الموضوع بنوع من الأنانية المفرطة، فأنت لا ترى غير الضحايا الذين يقعون على جانبك أنت.

يعني مثلاً إن عبرت عن ضيقك وغضبك بسبب حكم حبس بنات إسكندرية (اللاتي حصلن على البراءة لاحقاً) يبعث لك صديقك بصورة لجنود كرداسة الذين تم قتلهم ظلماً وبهتاناً ويقول لك "لو زعلان على دول، افتكر دول".

لو عبرت عن حزنك لمقتل الجنود في سيناء تنشر الصفحات الإخوانية صوراً من رابعة وتقول "لو زعلت على دول، افتكر الأول دول".

يتم اغتيال ضابط الأمن الوطني في كمين إرهابي فبدلاً من أن نترحم على روح إنسان، يتسابق البعض على نشر أسامي وصور الشهداء الذين وقعوا برصاص الداخلية، وكأن محمد مبروك مسؤول عن كل ضحايا الداخلية.

الموضوع لم يعد مجرد تذكير بمن قتلوا، الموضوع تحول لمتاجرة بهم لنزع أي محاولة تعاطف مع من بقي بيننا.

أنت لا تستطيع أن تبدي رأيك في أي شيء بدون أن يذكرك "الإخوان" برابعة واللي حصل في رابعة. "انت إزاي تضحك وتاكل وتشرب وتعيش وفيه ناس ماتوا في رابعة؟".

هم نفس الإخوان الذين شتموا جيكا ورفاقه وتشفوا فيهم حين قُتلوا في عهد مرسي، وهم نفس الإخوان الذين يتاجرون الآن بدمه ويطالبون بالقصاص للشهداء.

نفس الشهداء الذين كان يتغنى بهم صديقك قبل تلاتين يونيو، ويطالب بالقصاص من مرسي بسببهم، نسيهم صديقك، بل وبعد أن كان يعتبر أن شرعية مرسي سقطت بسبب من ماتوا في الشارع على يد وزير داخليته، هو الآن يعتبر أن نفس الحركات التي تتظاهر ضد نفس الوزير، حركات مندسة وعميلة وبلطجية.

هل تتذكرون المناحة التي نصبها البعض أيام أحداث بورسعيد؟ وكيف كانت القنوات التلفزيونية تصف من خرج ضد مرسي بالمتظاهرين، وتصف من ماتوا بالشهداء؟ قارن الآن بما يحدث في الشارع في التظاهرات، حتى التي لا يحركها الإخوان. نفس الحركات الشعبية التي خرجت ضد مرسي، وكانت تحتفي بها وسائل الإعلام، هي الآن حركات "تستاهل القتل".

ما نراه الآن في الحياة السياسية ليس مجرد عداوة أو خصومة سياسية بين أطراف متصارعة، فالكراهية المتبادلة متوقعة من الأعداء السياسيين، وينعكس ذلك على سعيهم لتعميق البغضاء بين قواعدهم وقواعد منافسيهم، ما نراه الآن هو تغلغل هذه الكراهية إلى الأشخاص العاديين، لقد تم نزع أي نوع من الرحمة والتعاطف مع من يفترض أنهم "بني آدمين".

الآن لا أستطيع أن أعبر عن غضبي مثلا لمقتل طالب في الجامعة أو ضيقي لحبس بنات صغيرة لرفعهن بعض البالونات، بدون أن أذكرك بأنني أكره الإخوان وأنهم تنظيم إرهابي، وأتذكر أولاً من مات من ضحايا الإرهاب في سيناء وكرداسة وبين السرايات، والأطفال الذين تم إلقاؤهم من فوق السطوح في الإسكندرية.

وفي المقابل لا يعتبر الإخوان أن هناك من يستحق الحزن عليه بعد رابعة، كل من يموت الآن هو تسديد لثمن رابعة، لا تستطيع الناس أن تحس بالحزن بسبب أي شيء طالما هناك رابعة، يبدأون كلامهم معك بهذه الجملة: "زعلت على ده ومازعلتش على اللي ماتوا في رابعة؟" لقد تم ابتذال مأساة رابعة في كل شيء حتى حين انهزم المنتخب الوطني بستة أهداف من غانا، استحرموا على الناس حزنهم لأن دايما هناك رابعة.

أصبح الكل متربصاً للكل الآن، غير مسموح لك حتى أن تحزن أو تتعاطف مع من يشاركونك هذه الحياة بدون تقديم كل ما يثبت أنك على نفس الخط الفكري والسياسي حتى يتم قبول حزنك.

عارف الجمل المتخلفة مثل: "ده مسيحي بس كويس؟" "دي مش محجبة بس محترمة؟" هو هو نفس الفكر الموجود الآن: "يا حرام ده مات بس هما ولاد كلب".

هل أصبحنا نوزع صكوك الرحمة والتعاطف مثلما يوزع المتطرفون صكوك الجنة؟ حين مات مانديلا وستيف جوبز وآخرون، اعتبر هؤلاء أن الترحم عليهم إثم كبير. حتى حين مات أحمد فؤاد نجم رأينا كيف دعت عليه صفحات الإخوان لأنه كان مؤيداً لتلاتين يونيو، وفي المقابل نحن نحمل كل أخطاء الإخوان لشاب لا يتعدى عمره العشرين عاماً داخل أسوار الجامعة ولا نهتم بقمعه أو موته. 

لنكن صرحاء مع أنفسنا، أنت لا ترى أي سبب للتعاطف مع أحد خارج دائرتك المؤيدة لآرائك، وإن كان هذا رأيك فهذا شأنك، لكن أن تصادر على حق الآخرين في التعاطف مع من مات ومع من تم حبسه ومع من تم قمعه، فلا أنت قبلت بالرحمة ولا تركتنا ننعم بها.

نحن لا ننكر أن هناك استقطاباً حاداً في المجتمع، لكن اللي بيحصل ده مش استقطاب، ده استهبال. وبصراحة إحنا كده رايحين في سكة نكد!!!

ما نراه الآن هو نسخة مصغرة مما حدث في دول قبلنا فقدت القدرة على التعاطف مع إخوانهم في الإنسانية فتبلدت مشاعرهم، فأصبح الموت ليس فقد خبراً يومياً بل عقاباً يستحقه من يختلفون معهم.

ربما تظن أن هذا المقال مثالي وغير واقعي، وصاحبه يعيش في يوتوبيا داخل خياله المريض، لا بأس، ولكن ألا ترى أن البلد الذي فجع في مقتل تسعة أشخاص يوم موقعة الجمل، وأدى ذلك في النهاية إلى إنهاء حكم مبارك، نفس البلد الآن لا يهتز له شعرة حين يقتل المئات في يوم واحد؟

القتل تحول إلى رقم، والمحبوسون مجرد ضرورة للأمن القومي، وكل طرف يتعالى على الآخر، معتبراً أن قتلاه أطهر وأشرف من الآخر.

أنت لست بحاجة لأن تبرر حزنك على من قتل، ولست بحاجة لأن تسبق ترحمك عليه بتوضيح موقفك انك حزين أيضاً على من قتلوا من طرفك، رفضك لقتل المئات في رابعة لا يتعارض مع غضبك لقتل جنود الجيش والشرطة في كمائن الإرهاب، حزنك على رفاقك في رابعة والحرس الجمهوري يجب ألا يجعل منك وحشاً بلا مشاعر لا يتأثر بقتل أطفال كل ذنبهم أنهم حضروا زفافاً في كنيسة.

في وسط هذا الجنون أنا لا أطلب منك أن تبدل موقفك السياسي أو أن تقلل تعصبك ناحية طرف ما، كل ما أطلبه منك أن تفعل ما تمليه عليك طبيعتك البشرية.

أنا لا أطلب منك أي شيء ولا حتى أن تتبرع ولو بجنيه، تعاطفك لوحده كفاية.

 

ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top