افتتاحية : «هيئة السوق»... ليست رقابة فقط
حين تضطر غرفة التجارة إلى نشر مذكرة طويلة عريضة في الصحف تعترض فيها على قرار هيئة سوق المال المتعلق بقواعد الحوكمة على الشركات الخاضعة لسلطتها، فمعنى ذلك أنها استنفدت كل الوسائل المتاحة، وسئمت الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان، ولجأت إلى الرأي العام ليكون شاهداً على ما بلّغته.والمسألة ليست عرضية أو مجرد خلاف في الرأي بين طرف رسمي وآخر معني، بل هي مؤشر إلى خلل يستوجب التصحيح. فغرفة تجارة الكويت مشهود لها بالرصانة والحرص على المصلحة العامة. وهي مميزة على مستوى المنطقة سواء في دورها الاقتصادي الذي أدته بنجاح استثنائي أو في دورها السياسي الذي طبع الحياة السياسية في الكويت، وساهم في دفعها نحو الديمقراطية والتقدم. لذا فإن فشل المساعي للوصول إلى نقاش موضوعي مع الهيئة يعتبر بالتأكيد محطة سلبية أو ظاهرة سيئة يجب التوقف عندها.
ولا يخفى على أحد في الكويت أن الغرفة كانت من أحرص الناس على صدور قانون الهيئة، بل كانت من الداعين إليه، لذا كان يجب سماع رأيها والتعامل معه بجدية وموضوعية بعيداً عن أي شخصانية أو مواقف مسبقة، لأن الخلافات لا تصب إلا في مصلحة الداعين إلى الفوضى، وتتسبب في ضرر اقتصادي لن يسلم منه المتسببون فيه بالتأكيد.هناك ملاحظات كثيرة على قرار الحوكمة سواء لجهة الإلزام والتفصيل والتشدد، أو لجهة مخالفاته لقانون الشركات والدستور، وهي ملاحظات كان يجب التوقف عندها برحابة صدر، فلا مصلحة لأحد في مخالفة القوانين أو التوسع في التفسير أو تعقيد الشروط التي تلغي المرونة وتنعكس على عمل الشركات أو بنشر روح الارتياب. والانتقادات لا تعني التشكيك في أشخاص الهيئة، وهي كانتقاد الحكم القضائي الذي لا يعني بأي حال من الأحوال التشكيك في نزاهة القاضي. ليست انتقادات الغرفة منزلة، وكذلك الهيئة، لذا فإن التواضع مطلوب، وهو شرط لتحقيق مصلحة ما تمثله الغرفة وما تمثله الهيئة، علماً أن دور الهيئة أساساً هو أن تكون البيئة الحاضنة للسوق، وتعمل على تنميته بقدر حرصها على الرقابة ومنع التلاعب.جوهر المشكلة يتمثل في غياب آلية للنقاش وتقييم القرارات. وهو تقليد سيئ تخلقه الهيئة بلا مبرر، خصوصاً أن الكل جديد على الموضوع، حتى أعضاء الهيئة. فليس لأحد خبرة متراكمة في هذا المجال، والنصح ضروري، ومثله الانفتاح على الآراء المخالفة. ولابد من مساع حميدة يقوم بها من يستطيع لتضييق الهوة بين الهيئة ومنتقديها وتقريب وجهات النظر.وبينما تؤكد "الجريدة" أن الهيئة بذلت جهوداً كبيرة لترجمة مهامها على أرض الواقع وحققت إنجازات على هذا الصعيد رغم الصعوبات والمعوقات التي واجهتها، وانطلاقاً من حرصها عليها وعلى نجاحها، تقول لها اليوم إن مهمتك تنمية السوق وتطويره وممارسة الرقابة، وتريد أن تنجح هذه المهمة.لقد دافعنا عن استقلالية الهيئة إلى أقصى مدى، وسندافع عن حق أي طرف ذي قيمة ومصلحة في أن يكون صوته مسموعاً. والقائمون على الهيئة يعرفون أن صديقك من صدقك لا من صدّقك.