هنا وفي أماكن أخرى في متحف نيويورك للفنون المعاصرة

نشر في 13-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 13-08-2014 | 00:01
تظاهرة ثقافية حضارية عربية... رسالتها الانفتاح والحوار
لأن الوجه المضيء للعالم العربي غاب في السنوات الأخيرة تحت ظلام الحروب والفتن وأنهار الدماء المتدفقة في أكثر من بلد، أرادت {ليبان بوست} إظهار العالم العربي خارِج إطار الأحاديَّة والنمطيَّة وتَقديم صورَة تُغَلِّبُ التنوع وحِوار الحَضارات وذلك من خلال معرض {هنا وفي أماكن أخرى} الذي تنظمه في متحف نيويورك للفنون المعاصرة (يستمر حتى 28 سبتمبر 2014)، ويشارك فيه 45 فناناً تشكيلياً من 15 دولة عربية بينهم مجموعة من الفنانين اللبنانيين.

تعكس أعمال الفنانين العرب تجارب متنوعة من أجيال فنية مختلفة وتبرز أنماطاً جماليَّة من العالم العربي، تترافَق مع انعقاد طاولات مستَديرَة في ردهات المَتحَف تتخلّلها مداخلات تَحليليَّة ونَقديَّة للأَعمال المعروضَة.

يهدف المعرض بحسب رئيس مَجلِس إدارَة «ليبان بوست» ومديرها العام خَليل داود إلى توفير منبر دولي للفن التشكيلي العربي عموماً واللبناني خصوصاً، والمساهمة في انتشاره خارج العالم العربي كسلعة حضارية راقية، في مقابِل الوَجه المظلِم الذي يوشِكَ أن ينسينا أننا في عالَم عَرَبي منفَتِح ومتسامِح».

يضيف: «يؤسس هذا الحدث لثقافة احترام التنوّع والحرية وهذا بالتحديد أمضَى سلاح لمواجهة تَشويه حضارة العالم العربي».

الفنانون اللبنانيون المشاركون هم: ايتل عدنان، زياد عنتر، مروة أرسانيوس، رنا حماده، لميا جريج، مازن كرباج، هاشم المدني، مروان رشماوي، منيرة الصلح وأكرم الزعتري وفؤاد خوري.

مفاهيم جمالية

يندرج المعرض ضمن خطة متحف نيويورك للفنون المعاصرة لتوفير  مساحة لعرض أحدث الأعمال من أنحاء العالم، وتقديم جماليات جديدة للجمهور في الولايات المتحدة.

في هذا الإطار يقول ماسيميليانو جيوني، المدير المساعد في متحف نيويورك للفنون المعاصرة ومدير المعارض فيه، إن الجمع بين أجيال مختلفة من الفنانين، يهدف إلى تشكيل مراجع مفاهيمية وجمالية للعالم العربي.

يقتبس  المعرض عنوانه من فيلم «هنا وفي أماكن أخرى» (1976) للمخرجين الفرنسيين جان لوك غودار وجان بيار غورين وآن ماري ملفيل، في البداية  صمم ليكون فيلماً وثائقياً مؤيداً للقضية الفلسطينية لكن تطور إلى انعكاس معقد حول أخلاقيات التمثيل ووضع الصور كأدوات للوعي السياسي.

كان للفيلم تأثير على جيل كامل من الفنانين في أنحاء العالم العربي، باعتبار أنه يولي اهتماماً خاصاً لدور الفنان في مواجهة الأحداث التاريخية، وثمة مثال مؤثر من أشرطة فيديو قصيرة أنتجها مخرجون عصاميون منتشرون في أنحاء سورية، وأخرى لبشرى خليلي تكشف رحلات سرية للمهاجرين الذي يسعون إلى دخول أوروبا.

منهجيات مختلفة وأشكال غير تقليدية تندرج ضمن ريبورتاجات شخصية، مرتكزة على روايات تاريخية مهيمنة، تطبع أعمال الفنانين اللبنانيين على غرار فؤاد خوري الذي يوثق الحياة اليومية في بيروت خلال الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً، من خلال صور قادرة على ربط القصص بدقة مع الأوقات المضطربة.

هرير سركيسيان، لمياء جريج، حسن شريف، يعتمدون النهج التجريبي على المواد الأرشيفية، وإعادة كتابة الصدمات الشخصية والجماعية. صور الفنان السوري سركيسيان من الساحات العامة في المدن السورية، تصور مواقع مشابهة وأحداثاً لتلك التي عاشها عندما كان طفلا، أما لميا جريج  فتطرح سلسلة من الشهادات الفردية التي تذكر بجوانب الصراعات في لبنان ، بينما يعمل حسن شريف عن طريق تراكم المواد الفائضة والأشياء التي يعثر عليها، ويقدم الفنان العُماني علاء يونس رؤية بصرية مستنداً على مواد أرشيفية وكائنات من الثقافة الشعبية لتحليل النضال الفلسطيني داخل السياق التاريخي للعروبة.

حميمية الوعي

لفنانين آخرين وسائل تقليدية مثل الرسم والنحت يغوص من خلالها في أعماق الوعي وحميمية المشاعر، فتبرز في المعرض رسومات كثيفة وتأملية، تتابع الفنانة المصرية آنا بوغيغيان تجاربها الحضرية اليومية، وتستلهم أعمالها من ثورة يناير 2011 في القاهرة.

ثمة فنانون آخرون يستخدمون الصور كأدوات لاكتشاف الذات، فضلاً عن سجلات الأحداث الجارية، أو سجلات التاريخ الشخصي. للرسام السوري مروان، تأملات في الذات الداخلية من خلال البورتريه، ويبحث زياد عنتر في المحفوظات، والوثائق عن حقيقة ما، في حين شغل مازن كرباج يومياته مع رسومات حيوية ومعبرة، استلهمها من العدوان الإسرائيلي على بيروت في 2006.

الكاتبة والروائية والشاعرة والرسامة التشكيلية إيتيل عدنان تؤرخ في أعمالها للتغيرات الاجتماعية والسياسية في هذه المنطقة من العالم عموماً، وفي لبنان خصوصاً، لا سيما بعدما أفرزت الحرب مفاهيم وأنماطاً جديدة. تجمع إيتيل في أعمالها بين الكلمة المكتوبة أي النص وبين الخط واللون، في أسلوب رمزي سريالي.

أما أعمال المصورين هاشم المدني وأكرم زعيتر فتبحث في بناء الهوية والانتماء، فيما يطور آخرون وسائل تعبير جديدة مستندة إلى الدعاية ووسائل الإعلام وإلى مشاهد من الـ {يوتيوب} لتوثيق التظاهرات السياسية والتغيرات الحاصلة اليوم في خريطة العالم العربي وعلى أكثر من صعيد.  

باختصار يسلط  معرض {هنا وفي أماكن أخرى} الضوء على مدن محددة ومشاهد فنية تأكيداً على أهمية الحوار، وينير الأفكار والانتماءات ويكشف مناظر طبيعية اجتماعية وجمالية متعددة في مواجهة الصور البشعة التي تحفل بها وسائل الإعلام في أنحاء العالم.

back to top