ميكافيللية الجماعات المتطرفة من أفغانستان إلى سورية

نشر في 01-02-2014
آخر تحديث 01-02-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر تصريح بثينة شعبان الأخير في ما يخص طلب بعض الساسة "السنّة" في العراق من النظام السوري فتح الحدود السورية العراقية أمام الجماعات الإسلامية المتطرفة، وإجهاض العملية السياسية العراقية بعد عام 2003 يعتبر دليلاً واضحاً على مدى تورط النظام السوري مع الإرهاب العالمي والتنسيق الموجود بين الطرفين وعلى أعلى المستويات.

لو جردنا التصريح هذا من بعده السوري، وتناولناه من زاوية العلاقة بين الأنظمة الإقليمية والجماعات الأصولية بشكل عام، وتتبعنا مسيرة هذه الجماعات منذ بدايات تشكيلها في أفغانستان حتى يومنا هذا فسنلاحظ وجود علاقة جدلية بين الطرفين تتسم بالتعقيد في حيثياتها وبالبراغماتية في سرعة تحولاتها وفق استمرارية مصالح وأجندات الدول التي تستغلها او انتفائها.

فهي علاقة تستند إلى رغبة هذه الدول في تمرير مخططاتها من جهة ورغبة مقابلة لهذه الجماعات في استمرار وديمومة عملها وفق نظرة ميكافيللية إسلامية تبرر الوسائل للوصول إلى الغايات من جهة أخرى.

بدأت الميكافيللية الإسلامية في العصر الحديث بنشوء الفكر الجهادي في أفغانستان بتحالف الإسلام السياسي مع أميركا والغرب تحت إشراف عربي رسمي لإخراج القوات السوفياتية من هذا البلد، واستمر النهج ذاته بعد ذلك في كل تحركات التنظيمات الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك فقد مرت هذه الجماعات بثلاث مراحل رئيسية بدأت بأهداف وغايات "إسلامية" خاصة تبنتها وفقاً لقواعد فقهية إسلامية (حسب مفهومها)، لتنتهي أخيراً في أحضان استخبارات دول تحركها كيفما تشاء ومتى تشاء، ويمكن تصنيف هذه المراحل على النحو الآتي:

- المرحلة الأولى: وتبدأ من حرب أفغانستان حتى أحداث سبتمبر، تعاملت فيها هذه الجماعات مع الغرب وأميركا بوجود أهداف مشتركة بينهما مع حفاظها على نهج مستقل يعتمد على الفقه الإسلامي في مداهنة طرف والتفرغ للطرف الآخر دون الوقوع بالكامل في شرك أحدهما، وما ساعدها في المحافظة على استقلالية قرارها هو تمويلها الذاتي الذي كان يأتي غالبا من رؤوس أموال غير حكومية عبر شركات أو أشخاص.

- المرحلة الثانية: وهي المرحلة التي تلت تفجير برج التجارة العالمي، وهي مرحلة حاولت فيها أميركا والمجتمع الدولي تجفيف منابع الإرهاب "اقتصادياً"، فمنعت رؤوس الأموال الإسلامية من تمويل العمليات "الجهادية" لهذه الجماعات، ودخلت على خط التمويل استخبارات دول عالمية وإقليمية. وهنا اقترنت الميكافيللية عند هذه الجماعات بالوقوع وبشكل كامل ضمن المخططات الدولية وتحولوا من "مجاهدين" يعملون لأهداف شرعية حسب وجهة نظرهم إلى "مجاهدين" يتداخل عندهم الغاية "المقدسة" مع أهداف وغايات دول بدأت في تمويلهم.

وتعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل التي واجهت هذه الجماعات للأسباب التالية:

1- ارتباطهم باستخبارات إقليمية ودولية ورصد ميزانيات ضخمة لتمويلهم منحتهم حرية الحركة بين حدود دول المنطقة، لكنها في الوقت نفسه شتت التوجه المستقل الذي كانوا يتحركون وفقه سابقاً مما أدى بالنتيجة للدخول في المرحلة الثالثة التي سوف نتناولها لاحقاً.

2- أدت الميزانيات الضخمة التي وضعت تحت تصرفهم من بعض الدول إلى زيادة رقعة عملياتهم "الجهادية" حتى أصبحت تطال كل دولة تشهد توتراً سياسياً في الشرق الأوسط.

3- إن زيادة رقعة نشاط هذه الجماعات أدت الى سهولة اختراقها من قبل عناصر استخبارات عالمية للعمل ضمن صفوفها وتحريكها كما تشاء، بحيث لم يعد الأمر مقتصراً على تنسيقات استخباراتية كما كان في السابق. وبالتالي فقد أصبح من السهل على دول متضادة في المصالح مثل أميركا وإسرائيل من جهة وإيران وسورية ودول عربية معينة من جهة أخرى أن يكون لهم في داخل هذه التنظيمات قيادات تخطط وترصد وتنفذ باسم الجهاد في سبيل الله.

- المرحلة الثالثة: تبدأ مع بداية الأزمة السورية، فقد أدى تعدد مصادر تمويل هذه الجماعات واختراقها من قبل عناصر استخباراتية لدول متعددة إلى فقدانها مركزية القرار الشرعي فيها والمتمثل بقيادات القاعدة في أفغانستان، وأصبح القرار الشرعي لها منوطاً بقيادات ميدانية تتحرك وفق رؤى تقتضيها الظروف الذاتية المحيطة لكل مجموعة. وهذا ما يفسر الصراع المحتدم حالياً بين هذه التنظيمات في سورية وخروج قسم منها عن طاعة قياداتها السابقة في أفغانستان والمتمثلة في الظواهري لتتسلم القيادات الميدانية قيادة بعض هذه التنظيمات، كما هو الحال مع "جبهة النصرة".

إن فقدان مركزية القرار لهذه التنظيمات أعطت مؤشرات واضحة لأميركا والغرب على صعوبة السيطرة عليها وتوجيهها كلها لخدمة أجنداتها في المنطقة مستقبلاً، فقررت وبشكل جاد هذه المرة إعلان الحرب الإقليمية على الارهاب وبمساعدة دول مثل العراق اعتماداً على مبدأ وداوها بالتي كانت هي الداء. إن كانت أميركا والغرب قد أدركا خطورة هذه التنظيمات بعد أن انتفى الغرض منها، فقد ظل بعض رجال الدين المسلمين (بقصد أو بجهالة) مستمرين في تأييدهم لهذه الجماعات ودعوة الشباب المسلم المتحمس للجهاد ضمن صفوفها رغم الممارسات غير الإنسانية وغير الإسلامية التي تمارسها هذه الجماعات، والتي لم تعد خافية على أحد. فهل ستكون هناك صحوة ضمير وصحوة دين لدى هؤلاء للتراجع عما ظلوا عاكفين عليه لعقود من الزمن أم سيستمرون في تحمل مسؤولية قتل وسفك دماء طاهرة لشباب ساذج بدعوى الجهاد؟

* كردستان العراق – دهوك

back to top