أربيل تختبر أسوأ المخاوف منذ عهد صدام
أسئلة كبيرة عن جدوى التدخل الأميركي المحدود لوقف تنظيم «داعش»
منذ عصر الأربعاء الماضي، وأربيل تعيش خوفاً لم تجربه منذ عهد صدام حسين، فتنظيم "داعش" الذي تقهقرت أمامه قوات البيشمركة الكردية على أطراف الموصل المحاذية طوال الأسبوع الفائت، أثبتت أنها لا تعبأ بأي حسابات، بينما عجز المقاتلون الأكراد، حتى هذه اللحظة، عن إثبات أنهم يحققون انتصاراً، لكن القادة في كردستان يقولون، إن أي معركة قد تحصل في أربيل، ستعني انتحاراً للمسلحين المتشددين، رغم الاعتراف بأن تسليح البيشمركة ناقص، والنتائج الخطيرة لافتقادهم الغطاء الجوي المناسب.شعور حقيقي بالمباغتة بين الناس، أشعلته حرب إشاعات أطلقها بتفوق عالٍ "داعش"، على مواقع التواصل الاجتماعي، وجعل كثيراً من الجمهور يعتقد أن جيوش "الخليفة أبوبكر البغدادي" قد دخلت عاصمة كردستان، لولا أداء ذكي من حزب رئيس الإقليم مسعود البرزاني، فقد دفع بعدد من قادته إلى اصطحاب محطات التلفزة المحلية والذهاب إلى قلب بلدة مخمور (٣٠ كم جنوب أربيل) التي أشاع "داعش" أنه استولى عليها، كما طلب من أنصاره أن يخرجوا للشوارع حاملين علم كردستان، لتهدئة الرأي العام الذي بدا قلقاً، في مدينةٍ تعودت على السلام نحو عشرين عاماً وكادت تنسى الحرب، وتنشغل بالانفتاح الاقتصادي وأحلام المستقبل.
وما زاد الوضع النفسي سوءاً هو أفواج لا تنقطع من الأقليات الدينية، ظلت تلجأ إلى أربيل من أطرافها وتحملها المزيد من الأعباء المفاجئة، بينما لم يكن أحد يتوقع حتى قبل ثلاث أشهر، أن واحة الاستقرار الواعدة هذه ستكون في مواجهة مع سيناريوهات الانهيار الشامل، التي يكافح الأكراد لمنع حدوثه، ويستغيثون بكل حلفائهم في هذه اللحظات العصيبة.الصمت الأميركي المحيّر، دام خمسين يوماً منذ انهيار الموصل، وتواصَل بشكل مخيف مع اقتراب "داعش" من حدود كردستان، لكن مبادرة واشنطن بقصف التنظيم وتدخلها العسكري، أعاد التوازن النفسي للقوات الكردية وللسكان على حد سواء. والأمر دفع أربيل أيضاً إلى تبريد الخلاف جزئياً مع بغداد، وكلياً مع حزب "بي كي كي" أو المقاتلين الأكراد الأتراك الذين غضب عليهم البرزاني بسبب وقوفهم مع بشار الأسد في الأزمة السورية، ثم جاء وقت التكاتف القومي وحلت ساعته، فعبَر المقاتلون الأكثر شراسةً بين أكراد العالم، سفوحَ تركيا نحو العراق، ثم تجاوزوا الجبال السورية ليلتفوا على مشارف الموصل، ليخففوا الضغط عن بيشمركة البرزاني.ويقول قادة أمنيون أكراد إن "البيشمركة" تواجه صعوبة في التقدم بسبب مفارقة رهيبة تتمثل بامتلاك "داعش" مدفعية أميركية ثقيلة غنمتها حين انسحب الجيش العراقي من الموصل، وهي مدفعية دقيقة التسديد وضرباتها موجعة، وتنظِّم طائرات أميركية وعراقية منذ يومين طلعات، يقول مسؤولون أكراد، إنها فاعلة لتدميرها، ولقطع خطوط إمدادات المسلحين.ويعتقد لوبي نافذ في الكونغرس الأميركي، أن كردستان حليف موثوق ونقطة استقرار نادرة في منطقة استراتيجية تتهاوى أمام المتشددين الأكثر خطورة، وطالب إدارة باراك أوباما بالتحرك بفاعلية أكبر، وهي ضغوط بدأت تنجح بالفعل، وبدأت بغداد تدرك أن كردستان نجحت طوال سنوات أكثر من عرب العراق، في بناء الثقة مع القوى الغربية العظمى، ولذلك فإن أميركا لم تبادر إلى دعم بغداد بنفس مستوى الحماس الذي يجري اليوم مع الأكراد.وفي الوقت ذاته يحاول الأكراد اختبار الشعور القومي الواضح لتناسي الخلافات الداخلية، وإثبات أنهم مؤهلون لشراكة دولية في حفظ أمن المنطقة، ويتذكرون حين تسألهم الصحافة حول ما يجري، أنهم مروا بأوقات عصيبة أكثر طوال حروبهم مع صدام حسين، وتعرضوا للإبادة مراراً.ويتوقع الأكراد قتالاً شرساً، سيحسم الأمور على مشارف أربيل بعد إعلان أوباما أنه أعطى الأوامر لحماية أربيل بإسناد جوي أميركي، قائلين إنهم حشدوا أفضل قوات النخبة في البيشمركة، التي تحاول استدراج "داعش" نحو الوديان بعيداً عن المدن وحرب الشوارع التي تبرع فيها، وسط تساؤل كبير: هل ينجح تدخل جوي لايزال محدوداً من أميركا، في ردع "خليفة" داعش؟