جيمس جويس شاعراً

نشر في 09-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 09-12-2013 | 00:01
No Image Caption
يُعرف عن الروائي جيمس جويس (1882 - 1941)، صاحب رواية {أوليس} أنه كان مولعاً بقراءة الأدب، وظل غرامه بالأدب متقداً وكتب قصته المعروفة «ديدالوس»
أو صورة للفنان شاباً مندفعاً.
 بيد أنه لم يعثر على ناشر يرضى بنشر كتابه، فانصرف إلى نظم الشعر، كَتَب مجموعة كبيرة من الشّعر الساخر أو الشّعر الذي يتميّز بروح الدعابة لا يعرفها القارئ العام، وذلك بحُكم ندرة نشرها وندرة ترجمتها. وكتب مجموعتين شعريّتين هما {موسيقى الحجرة} و}أشعار رخيصة} اللذين ترجمتهما الشاعرة الفلسطينية ريم غنايم إلى جانب ثلاث قصائد أخرى منفردة هي: «هو ذا الطفل» و{المحكمة المقدسة» و{غاز من موقد». (*)

بصمة الشاعر

جيمس جويس الذي يعتبر أن مهمة الشاعر ليست المشاركة في المآسي وإنما كتابتها، نشر أول مجموعة له بعنوان «موسيقى الحجرة»، كتبها قبل أن ينشر مجموعته القصصية «إيرلنديون من دبلن» ورواياته: «صورة للفنان شاباً» و{يوليسيس» بسنوات.

وبصمته شاعراً سبقت بصمته كناثر، وإن تزامن نشر القصائد وبعض القصص في الصحف والمجلات قبل أن ينشر أعماله المذكورة. تتكوّن «موسيقى الحجرة» من ست وثلاثين قصيدة على شكل أناشيد رخيمة وعذبة، مشحونة بقلقٍ عميق يغلب عليها الطابع الرومنطيقيّ والموسيقي... وينفرد فيها صوت الشاعر وحيداً في البراري والطبيعة متغنياً بالحبّ والحبيبة. نال جويس على هذه المجموعة إعجاب شعراء كبار مثل ت. س. إليوت وعزرا باوند.

واللافت في مسيرة جويس هو طريقة اختياره عناوين كتبه والمناسبات التي كتب فيها قصائده، فهو أطلق «موسيقى الحجرة» على مجموعته الأولى بطريقة عشوائيّة. فقد كان في سهرة له مع أحد أصدقائه في بيت سيّدة أرملة، قامت لتقضي حاجتها في مبولة حجرة النوم، ولما فرغت السيّدة من حاجتها أطلقت صوتاً يعبّر عن راحتها، فألهمت الشاعر بعنوان المجموعة.

ولا تكتمل قصة المجموعة في عنوانها، فنشرها كان أشبه بقصة كوميدية، إذ لم ينل جويس القروش البسيطة التي أمل في الحصول عليها من الكتاب. وقد تطلّب الأمر ست سنوات للناشر إلكين ماتيوس للتخلّص من مائتي نسخة من الكتاب، أيّ أقلّ من ثلاثمائة نسخة المطلوبة ليدفع لجويس مستحقاته. على الرّغم من أن المجموعة لم تحقق رواجاً كبيراً إلا أن الناقد أرثر سايمونس استقبلها بالمديح والكلمات الطيبة كما وعد.

القصائد غنائيّة ونجحت في أن تُلحّن على يد ملحّنين مشاهير من أمثال موبينيو بالمر الملحّن الإنكليزيّ الذي كتب لجويس – عندما كان يرقد في المستشفى- طالباً المصادقة على تلحين بعض القصائد.  

أشعار رخيصة

أما مجموعة {أشعار رخيصة» فمكوّنة من ثلاث عشرة قصيدة، عرضها جويس على باوند قبل نشرها طالباً رأيه فيها، فأجابه هذا الأخير: «مكان هذه النصوص هو في التوراة أو في ألبوم العائلة برفقة البورتريهات».

لكن جواب باوند الملتبس لم يثبط عزيمة جويس الذي  عرض مجموعته على شاعرٍ أميركي آخر كان يعيش مثله في باريس، هو أرشيبالد ماكليش فأُعجب بالقصائد، وقرّر جويس نشرها لدى دار «شكسبير وشركائه». أما الشاب الذي حمل هذه المجموعة إلى الدار فهو الكاتب الشهير صموئيل بيكت الذي افتُتن بشخصية جويس وكتاباته، فور وصوله إلى باريس.

جمعت مجموعة «أشعار رخيصة» في الوقت الذي كان فيه جويس منهمكاً في كتابة رواية «يوليسس»، ونشرت عام 1927. ويغلب عليها الطّابع الذّاتي والسيريّ وتمسّ مواضيع عاطفيّة ووجدانيّة تعكس حالة جويس على مدار سنوات. وعلى الرّغم  من أن قصائد هذه المجموعة لم تنجح في جذب النقاد، إلاّ انها عبّرت عن عواطف جويس وقت تأليفها. وقد تقاضى شلناً لقاء كلّ قصيدة (اثنا عشر بنساً) وجاء العنوان تعبيراً ساخراً عن المبلغ الذي تقاضاه جويس لقاء هذه المجموعة.

ثمة تُشابه بين قصائد هذه المجموعة ومجموعة «موسيقى الحجرة» من حيث مواضيع  الحب، والندم، والخسارة، وما إلى ذلك مع أقل غنائيّة. ولكن يطرأ تحوّل أو تحسّن على لغة هذه المجموعة وتتلاءم أكثر مع الطابع اللغويّ لجويس، مع غلبة الطابع القاتم والتشاؤمي على قصائد المجموعة، وتُبرز قدرة جويس على ابتكار الألفاظ المحدثة من خلال تركيب الكلمات أو المزج بين الكلمات ونحت تراكيب لغوية جديدة.  

أمّا «المحكمة المقدّسة» و{غاز من موقد» فهما قصيدتان تحويان على جرعة كبيرة من السخرية الموجّهة تجاه الكنيسة الكاثوليكيّة ومحاكم التفتيش وشعراء النهضة الإيرلندية والناشرين. ففي تناقض صارخ مع المثالية والعاطفية للأدباء الذين يسعون إلى إحياء التقاليد الإيرلندية، يقدّم جويس صورة أكثر حقيقية للواقع، مفترضاً دور الكاتب النزيه الذي يهدف إلى فضح النفاق الذي رآه في الأوساط الأدبية في دبلن (نفسي ستهب نفسي/ لقب المطهر).

ويلمح جويس من خلال عنوان قصيدة {هو ذا الطّفل} إلى عبارة فونتيوس بيلاطس {هو ذا الإنسان} مقدّماً  يسوع إلى الجمهور قبل أن يُصلب (من الماضي المظلم/ يُولد طفل،/ بفرح وأسى/ يتمزق قلبي).

كتب جويس هذه القصيدة عندما وُلد حفيده ستيفن وبعدما  توفّي والد جويس بفترة وجيزة. وتُبرز القصيدة حالة انتقال رجل (جويس) من كونه ابناً إلى كونه جداً وتمزّقه بين فرح الولادة وحزن الموت، مدركاً في النهاية ضرورة المصالحة والصّفح.  

جويس البوهيميّ الحالم، هو جامع الأضداد الذي يصعّب مهمّة الدّخول في دهاليزه. وتعتبر غنايم أن {ترجمة عالم جويس أشبه بالانتحار اللذيذ أو الموت المحمود، أو الانتصار بِعلامة استفهام}.  

*اختارتها وترجمتها وقدمت لها ريم غنايم وصدرت عن منشورات الجمل في بيروت.

back to top