لماذا تحتاج كوريا الشمالية إلى أسلحة نووية؟

نشر في 16-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 16-12-2013 | 00:01
No Image Caption
حتى مع افتراض أن الصين سوف تتلمس فائدة في الضغط على كوريا الشمالية للتخلي عن أسلحتها النووية، فإن السبب الوحيد الذي يدفع كيم إلى الوثوق بالصين هو أنها، بخلاف الغرب، لا تهتم كثيراً بالاعتبارات الإنسانية أو بالمحكمة الدولية.
 Robert Kaplan غالباً ما تطلق صفة "الجنون" على نظام كوريا الشمالية من وقت لآخر، وفي حقيقة الأمر، فإن كثيرين من المراقبين الخارجيين لا يكادون يصدقون وجود دولة مثلها مغلقة تماماً، ومزيج من الشيوعية والفاشية الوطنية، ومنعزلة عن العالم الخارجي إلى حد أن شبكة الإنترنت تقتصر فقط على قلة من أصحاب الحظوة والنفوذ.

ولا شك أن تعدد مظاهر الاستبداد في كوريا الشمالية، خصوصاً تلك التي تتعلق بالهالة الشخصية التي تحيط بقائدها كيم يونغ أون، والسياسات التجارية والزراعية التي قادت البلاد إلى شح شديد، جميعها عوامل تدفع المرء إلى الجنون، لكن هناك جانب رئيس واحد فقط، على وجه الخصوص، ليس ثمة جنون فيه: برنامج الأسلحة النووية في كوريا الشمالية... فهو يعكس صورة منطقية كاملة.

مصير القذافي

إذا تخلت كوريا الشمالية عن قدراتها النووية فقد تكون فقدت صوابها تماماً... لماذا؟ بسبب كلمة واحدة هي: ليبيا، وربما كان تصرف الولايات المتحدة إزاء ليبيا خلال العقد الماضي قد أقنع النخبة الحاكمة في كوريا الشمالية ألا تتفاوض على الإطلاق حول التخلي عن أسلحتها النووية. وذلك صحيح بغض النظر عمّا ستقوم إيران به.

في ديسمبر من عام 2003، أي بعد 9 أشهر على الغزو الأميركي للعراق عندما كان ذلك الغزو لا يزال يعد انتصاراً للقوة الأميركية، أعلن دكتاتور ليبيا معمر القذافي آنذاك عزمه على التخلي عن برامجه الخاصة بالأسلحة الكيماوية والنووية.

وفي حقيقة الأمر، التخلي عن كل ما لديه من أسلحة دمار شامل- وقال إنه سوف يفتح بلاده أمام عمليات تفتيش دولية، بغية التأكيد على إذعانه وانصياعه، صحيح أن البرنامج النووي الليبي لم يكن ديناميكيا تماماً، ليس حتى إلى ما يقارب البرنامج الإيراني، ولكنه كان موجوداً على الرغم من ذلك. وفي أي حال، نفذ القذافي ما وعد به- ومضت الولايات المتحدة نحو تطبيع العلاقات مع ليبيا في أعقاب عقود من العزلة الدبلوماسية الجزئية التي عاشتها البلاد، وقد أكد القذافي بمبادرته الطيبة هذه أن أجهزة المخابرات لديه قد ساعدت الأميركيين بكل طاقتها في سياق الشرق الأوسط الكبير.

وفي مطلع عام 2011 أطاح ما يطلق عليه "الربيع العربي" بنظامي الحكم في تونس ثم في مصر، لكن بمحرد ظهور الاضطرابات المناوئة للقذافي في ليبيا تخلت الولايات المتحدة عنه وعملت على تشجيع أعدائه- وتحت ضغط من الجماعات الإنسانية تدخلت واشنطن عسكرياً إلى جانب حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمساعدة ثوار ليبيا، وكان لذلك التدخل، من خلال اختيارها لأهدافها، غاية غير معلنة ترمي إلى اغتيال القذافي. وحسب ما حدث كان موت القذافي المروع نتيجة هجوم قام به حلف شمال الأطلسي على قافلة الزعيم الليبي- وقد أفضى ذلك إلى أسره من الثوار.

وكان ذلك الجزاء الذي تلقاه من الولايات المتحدة على تخليه الطوعي عن أسلحة الدمار الشامل، صحيح أن برنامج أسلحة الدمار الشامل لدى القذافي لم يكن يشكل تهديداً كبيراً غير أن وجوده كان يتسم بالرمزية إلى حد كبير، ثم سقطت ليبيا في خضم فوضى جزئية؛ فوضى زعزعت بقدر أكبر الأنظمة في إقليم الساحل المجاور.

غياب الضمانات

الدرس الذي تعلمه كيم يونغ أون من هذه القصة كان واضحاً: إذا كانت سلامته في ظل وجود الأسلحة النووية غير مؤكدة بشكل جلي فإنه سوف يصبح أقل أماناً إذا قرر التخلي عنها، وبعد كل شيء، لو أن القذافي استمر في بناء قدراته على صعيد أسلحة الدمار الشامل، ولو كان ذلك بصورة بطيئة، طوال السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق لربما كانت الولايات المتحدة ستتردد قليلاً قبل أن تقرر دعم ثوار ليبيا. وثمة قدر أقل من المخاطر في إطاحة نظام ليس لديه أسلحة دمار شامل من محاولة إطاحة نظام يمتلك مثل تلك الأسلحة. وكان أحد أسباب تردد إدارة أوباما إزاء محاولة إطاحة النظام السوري هو الخوف من وقوع ترسانة النظام الكيماوية في أيدي الثوار، وقد أطاحت إدارة الرئيس بوش بصدام حسين في العراق بغية منعه من امتلاك ما كانت تظنه أسلحة نووية.

قد يرد صناع القرار في واشنطن بالقول إن كوريا الشمالية لو أرادت التفاوض بحسن نية فقد يعرضون على نظامها ضمانات لبقائه. هذا هراء، وليس ثمة ضمانات في زمن التدخل العسكري الإنساني ووجود محكمة جنايات دولية تعمل وفقاً لتقارير من وسائل اعلام دولية متعاطفة، وببساطة إذا وقعت اضطرابات في كوريا الشمالية فإن الغرب سوف يكون أكثر تردداً إزاء مساعدة المنشقين إذا احتفظت بيونغ يانغ ببرنامجها النووي مما لو أنها تخلت عنه.

حتى ذلك سوف ينسب الكثير من الفضل إلى صناع السياسة في واشنطن، لأن البيت الأبيض، كما أظهرت ليبيا، ليس مسيطراً تماماً، وقد يعتزم الحفاظ على وعده إلى هذا الدكتاتور أو ذاك، ولكن بمجرد أن تطلب الجماعات الإنسانية اتخاذ إجراء عبر وسائل الإعلام يمكن أن تبدأ الجهات الرسمية ذات التوجه الواقعي بالخضوع والاستجابة.

وربما يتحدث صناع السياسة عن إعطاء كيم يونغ أون ممراً آمناً إلى دولة ثالثة، ولكن على الرغم من ذلك فإن محكمة لاهاي قد تبطل مثل ذلك الوعد، وليس من سبيل بعد الآن للهرب بالنسبة إلى شخص مثل كيم يونغ أون، وحتى بقدر أقل بالنسبة إلى أعضاء نظامه الذين خدموا في السنوات السابقة عندما كان النظام ضالعاً في عمليات إرهاب دولية. ومع الإقرار بأن احتفاظه بأسلحته النووية لن يشكل ضمانة، غير أن ذلك، على الأرجح، سيساعده بقدر أكبر من الوعود الزائفة من جانب الغرب.

لكننا في الغرب سوف نساعد كيم على تطوير اقتصاد بلاده والابتعاد عن الشيوعية. هذا صحيح ولكن ذلك على الأغلب سوف يجعل نظامه أقل استقراراً كما هي الحال عندما تتحسن الأمور، وليس عندما تسوء، وهو ما حدث في العديد من الثورات، وذلك لأن الثورات تندلع بقدر أقل نتيجة الفقر المدقع مما هي الحال في تصاعد التوقعات.

السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى زعيم مثل كيم- الذي يحكم عبر سيطرة واعية على الموارد والمعلومات والخوف من مخبرين، مثل جار أو قريب- هو أن يفتح نظامه، وأن يتخلى عن أسلحته النووية.

وكما أظهرت ليبيا، وبغض النظر عن الإذعان والندم الذي يتسم به دكتاتور إزاء أسلحة الدمار الشامل، فإن الغرب سيتخلى عنه بمجرد تعرضه لاضطرابات.

انهيار النخبة

لكن أليس هذا ما تفكر إيران في القيام به تماماً- التخلي عن قدراتها في صنع الأسلحة مع الاحتفاظ بقدرة نووية لأغراض سلمية فقط؟ لكن إيران ليست مثل كوريا الشمالية. والنظام في إيران ليس شمولياً، هناك توجد مراكز قوى مختلفة ووجهات نظر متباينة داخل البلاد، حيث تظهر وتدور مجادلات فلسفية وسياسية، وفي إيران مؤسسات حقيقية وهي تطرح سلطة تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى آسيا الوسطى. وقد يرى النظام الإيراني أن في وسعه البقاء والاستمرار من دون أن يعمد بالضرورة إلى تخصيب اليورانيوم لمستوى صنع أسلحة، أما حسابات كوريا الشمالية فتنطوي على قدر أكبر من المجازفة.  وفوق ذلك كله، لدى إيران نفط، أما كوريا الشمالية فلديها عدد قليل من الموارد المعدنية لكن مع القليل من البنى التحتية أو قوة العمل العصرية. وتعتبر كوريا الشمالية في عوز شديد عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات والمساعدات الخارجية، وهي تخشى أن تفضي تلك الحاجة الى اتكالية شديدة تقوِّض تماسكها وهويتها القومية. أما إيران، بشكل أو بآخر، فقد كانت موجودة منذ قرون بخلاف كوريا الشمالية، وهي نصف دولة مقسمة وحديثة العهد بشكل نسبي، وبالنسبة إلى النخبة في كوريا الشمالية فإن الهدف ليس بالضرورة وجود دولة قادرة على الحياة عبر الاستثمارات الغربية- إنها كوريا موحدة تحت قيادة كوريا الشمالية، ولكن انفتاح النظام سيفضي على الأغلب إلى عكس ذلك: انهيار النخبة في بيونغ يانغ وابتلاعها من قبل الجنوب.

حسناً، أليس في وسع الصين ضمان بقاء كيم إذا تخلى عن أسلحته النووية؟ ربما. وقد تستطيع بكين استضافته إذا سقط نظامه، وبكلمات أخرى فإن الصين وحدها التي تملك جواباً نظرياً- إن لم يكن رداً كاملاً- لمشكلة الأسلحة النووية الكورية الشمالية. وثمة درس هنا: حتى مع افتراض أن الصين سوف تتلمس فائدة في الضغط على كوريا الشمالية للتخلي عن أسلحتها النووية، فإن السبب الوحيد الذي يدفع كيم إلى الوثوق بالصين هو أنها، بخلاف الغرب، لا تهتم كثيراً بالاعتبارات الإنسانية أو بالمحكمة الدولية. كما أن بكين التي تكترث بقدر قليل نسبياً بحقوق الإنسان في رسم سياستها الخارجية ستكون- في هذه الحالة على وجه الخصوص- في موقع يمكنها من تحقيق المصلحة الكبرى.

back to top