هل تتجه أميركا نحو اليسار؟

نشر في 13-11-2013
آخر تحديث 13-11-2013 | 00:01
لم يكن الأسبوع الماضي يدور حول مجرد قصة كفاح الحزب الجمهوري للانفصال والنأي عن التطرف فحسب، بل كان بمنزلة إحياء الاعتدال، أيضاً. كما أن انتصار الحزب الديمقراطي في نيويورك وفيرجينيا كان سمة جلية لانتصار نوعين مختلفين من النزعة التقدمية.
 واشنطن بوست شهدت الانتخابات التي جرت أخيراً لاختيار رئيس البلدية الجديد في نيويورك تحولاً في مركز الثقل في السياسة الأميركية، إذ تراجع الجمهوريون بشكل كبير لتبعد كثيرا عن تأثير "حزب الشاي"، وجرى انتخاب مرشح تقدمي متحمس رئيساً لبلدية تلك المدينة، كما انتخب أحد مرشحي الحزب الديمقراطي حاكماً لفيرجينيا بعد حملة أيد فيها الرقابة على السلاح واتسم بنزعة ليبرالية حيال قضايا اجتماعية.

كانت واحدة من النقاط المشرقة التي سجلها الجمهوريون إعادة الانتخاب المتميزة لكريس كريستي في ولاية نيو جيرسي، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى ابتعاده عن الجناح اليميني في الحزب الجمهوري وتحسين علاقاته مع الرئيس أوباما. وتضمن خطاب فوزه الحاجة إلى توجه السياسيين إلى أماكن لا تتوافر لهم فيها "الراحة"- تماماً حيث لا يريد "حزب الشاي" أن يذهب.

وفي المعركة المباشرة الدائرة داخل الحزب بشأن مستقبل الحزب الجمهوري، خسر مرشح "حزب الشاي" الانتخابات التمهيدية في ولاية ألاباما لمصلحة محافظ تقليدي بقدر أكبر. وبدا أن هناك اختلافاً لافتاً بين الفائز، برادلي بايرن، والخاسر دين يونغ... إذ قال بايرن إن أوباما ولد في الولايات المتحدة، بينما أشار يونغ إلى أن الرئيس ولد في كينيا.

ويذكرنا إصرار يونغ على مسألة "مكان ولادة" الرئيس أوباما بمدى انطلاق النقاش السياسي الأميركي يميناً بعد انتخابات سنة 2009 ومنتصف الفترة في 2010. لقد بدأ البندول بالعودة إلى الوراء.

ولم يكن الأسبوع الماضي يدور حول مجرد قصة كفاح الحزب الجمهوري للانفصال والنأي عن التطرف فحسب، بل كان بمنزلة إحياء الاعتدال، أيضاً. كما أن انتصار الحزب الديمقراطي في نيويورك وفيرجينيا كان سمة جلية لانتصار نوعين مختلفين من النزعة التقدمية.

بطل منتصف الطريق

ربما كان في وسع تيري ماك أوليف الفوز في فيرجينيا بوصفه بطل منتصف الطريق فقط المناصر للشركات وإدارة الأعمال في القضايا المتعلقة بـ"الوظائف"، لكنه كان ليبرالياً بشكل ثابت حيال قضيتي زواج المثليين والإجهاض، وعرض خصمه، كين كاشينيللي، كما لو كان شخصية محبة للانعزالية الاجتماعية.

والأكثر من ذلك، كان ماك أوليف صريحاً في موقفه ضد "جمعية الأسلحة الوطنية" NRA، ودعمه لفرض جملة من المعايير والتدابير الخاصة بسلامة اقتناء واستخدام الأسلحة، بما في ذلك ضرورة إجراء تحريات عن خلفيات المشترين. ولم يتزحزح تصنيف ماك أوليف المتدني على قائمة المرشحين المفضلين لجمعية الأسلحة الوطنية NRA، وهي مسألة يفاخر بذلك.

وقد كوفئ على صراحته، حيث كسب أصوات الضواحي خارج العاصمة واشنطن بصورة كبيرة، كما حقق شعبية طاغية وواسعة بين صفوف النساء. ولكن يتعين ألا تضيع قوة قضية مراقبة الأسلحة في خضم الحديث الضبابي الذي يدور أحياناً حول الوسطية والحلول التوفيقية. ربما يجب أن يعزز ذلك أنصار قوانين الأسلحة السليمة والمتزنة.

في مدينة نيويورك، حقق بيل دي بلاسيو الانتصار الساحق لذلك اليوم من خلال نوع آخر من الليبرالية- عبر شنه هجوماً شعبوياً على تصاعد حدة التفاوت وعدم المساواة. وصرح دي بلاسيو في كلمة الفوز التي تعتبر بياناً رسمياً للتقدمية الجديدة، بأن عدم المساواة "هو التحدي الحقيقي الماثل أمامنا في الوقت الراهن". وجدد دي بلاسيو دعوة حملته الانتخابية إلى إجراء زيادات ضريبية طفيفة من أجل تمويل الانفاق على برامج تعليم الأطفال الأكثر فقراً لمنحهم فرص الانضمام إلى صفوف الناجحين.

مدينة ليبرالية

تشتهر نيويورك بكونها مدينة ليبرالية إلى حد كبير، وهي بالفعل كذلك في العديد من المجالات، لكنها لم تدفع بالليبراليين إلى مجلس المدينة منذ عام 1989 حين فاز الديمقراطي، الذي كان من أنصار الفكر التقدمي والليبرالي. ومن المرتقب أن تمثل تجربة دي بلاسيو محطة اختبار للبلاد.

حاول المحافظون بسرعة تخفيف وقع الهزيمة قبل أسبوع من خلال المجادلة بأن حملات كوشينيللي على خطة "أوباماكير" في نهاية الحملات الانتخابية سمحت له بشكل تقريبي اقتناص الفوز من ماك أوليف في سباق تبين أن نتائجة كانت أقرب من التوقعات التي توصلت إليها استطلاعات الرأي.

لكن الدليل على تلك الحجة يظل هشاً. فقد أظهرت نتائج استطلاعات فيرجينيا التي أجريت على أبواب لجان الانتخابات بعد عملية التصويت، أن 27 في المئة فقط من الناخبين قالوا إن الرعاية الصحية كانت قضيتهم الأكثر أهمية، وانقسموا بنسبة 49 في المئة صوتوا لمصلحة كاشينيللي، و45 في المئة لماك أوليف. لكن في لحظة ما حينما تواترت تقارير إعلامية سيئة بصورة عامة عن "أوباماكير"، انقلب أمر تلك الفروق الضيقة بين المرشحين إلى أنباء إيجابية ومفاجئة بالنسبة إلى أنصار "قانون الرعاية المعقولة التكلفة"- خصوصاً أن ماك أوليف سبق له أن أيد بقوة وبصورة متكررة استخدام موارد توسيع برنامج المساعدات الطبية لتقديم تأمين صحي إلى أولئك الذين يقفون على حواف الفقر في فيرجينيا.

سوف يكون من الحكمة أن يهتم الجمهوريون بحقيقة أن ماك أوليف أعاد تشكيل نفس الائتلاف الذي تسبب في انتخاب أوباما لمرتين. وعندما خسر الديمقراطيون فيرجينيا في عام 2009، بقي أنصار أوباما في بيوتهم بأعداد كبيرة.

في هذه المرة من الانتخابات كان الناخبون الديمقراطيون هم الأكثر بشكل واضح، وارتفعت حصة الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية بصورة حادة. وفي الانتخابات النصفية المقرر إجراؤها في العام المقبل، لن يتمكن الجمهوريون التعويل على غياب حشود الديمقراطيين، وهو الأمر الذي ساعدهم كثيراً في عام 2010.

إن القول بأن هذه الانتخابات دفعت البلاد باتجاه اليسار لا يعني القول بحدوث تفويض مفاجئ نحو الليبرالية، بل الإصرار على أن الأرضية الأساسية في تيار السياسة الأميركية باتت أبعد كثيراً عن مواقعها التي بدت عليها قبل ثلاث سنوات- وإذا كان ثمة شعبوية جديدة في البلاد فإنها تتكلم الآن بلهجة تقدمية حازمة.

back to top