للخطوط الحمراء أهمية كبرى لمصداقية أميركا عالمياً

نشر في 08-09-2013 | 00:01
آخر تحديث 08-09-2013 | 00:01
No Image Caption
تُجمع مصالح الولايات المتحدة وقيمها على حد سواء على ضرورة محاسبة الأسد على أعماله، وبما أن الدبلوماسية السورية تتلقى اليوم الدعم للمرة الأولى من تهديد حقيقي باللجوء إلى القوة، فقد تسفر عن نتائج إيجابية ملموسة خلال الأيام العشرة المقبلة.
 Roger Cohen   تدرك أوروبا عموماً وبرلين خصوصاً أهمية «الخطوط الحمراء» الأميركية، فقد صمد غرب برلين، الذي علق طوال أكثر من أربعة عقود على عمق 160 كيلومتراً داخل منطقة الاحتلال السوفياتي، بفضل صدق التزام الولايات المتحدة بهذا الجزء من المدينة، وقد تجلى هذا الالتزام بوضوح خلال عملية الإمداد الجوي الذي ردّ به الحلفاء على الحصار السوفياتي عام 1948.

تحولت أوروبا المفككة إلى قارة متكاملة، وحرة، ومزدهرة تحت حماية مصداقية الولايات المتحدة، تذكر المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي أن أي اعتداء مسلح على أي عضو «سيُعتبر اعتداء على كل الأعضاء». وبدا هذا التهديد صادقاً كفاية ليردع أي هجوم سوفياتي على أوروبا الغربية.

علاوة على ذلك، لعبت المصداقية الأميركية في آسيا دوراً أساسياً في بروز الصين السريع والمسالم، ولا شك أن تبدلاً مماثلاً في القوى قلما حدث (هذا إن حدث أساساً) في تاريخ العالم بأسره من دون صراع كبير، إلا أن الصين تأخذ على محمل الجد التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وأستراليا، ونيوزيلندا، وهكذا شكلت الولايات المتحدة القوة الموازنة التي خففت توتر بروز الصين.

إنها مصداقية الولايات المتحدة التي تشكل قوة أوروبية وآسيوية وشرق أوسطية تصون الأمن العالمي.

في القارة الأميركية، شكّلت الأزمة، التي بدأت في أكتوبر عام 1962 مع حصول الرئيس جون كينيدي على معلومات تؤكد وجود مواقع صواريخ سوفياتية قيد الإنشاء في كوبا على بعد نحو 145 كيلومتراً عن شواطئ فلوريدا، اختباراً حقيقياً لمصداقية الولايات المتحدة. وعلى غرار الرئيس أوباما في المسألة السورية، أخذ كينيدي وقته قبل أن يعلن: «ستتبنى هذه الأمة سياسة تعتبر إطلاق صواريخ من كوبا ضد أي أمة في النصف الغربي من الكرة الأرضية اعتداء يشنه الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة ويتطلب رداً كاملاً موجهاً ضد الاتحاد السوفياتي». نتيجة لذلك، تراجعت موسكو في النهاية.

لا تشكل سورية اليوم جزءاً من إمبراطورية موسكو كما كانت كوبا سابقاً، وبخلاف أزمة الصواريخ الكوبية، لا تمثل سورية خطراً كبيراً يهدد الولايات المتحدة. رغم ذلك، يبقى بشار الأسد رجل موسكو، وقد تحوّلت سورية إلى امتحان دقيق للقوة الأميركية.

لا أحد، على حدّ علمي، قدّم سورية كهبة دائمة لعائلة الأسد، ولكن لنضع هذه المسألة جانباً الآن، وكذلك حماة والمئة ألف قتيل والمليونا لاجئ خلال الأشهر الثلاثين الماضية. صحيح أن من الصعب التغاضي عن جرائم قائد مستعد لقتل شعبه وتشريده، ولكن لنحاول ذلك لبرهة لأن سؤالاً عالمياً له أهمية بالغة برز أخيراً في الشأن السوري.

يتمحور هذا السؤال حول الحفاظ على مصداقية «الخطوط الحمراء» الأميركية التي تشكّل أساس النظام العالمي بعد عام 1945.

حدد أوباما خطاً أحمر جديداً بشأن استعمال الأسلحة الكيماوية في سورية، وأعلنت فرنسا أن «لا أحد بإمكانه إصدار الأمر بشن [اعتداء 21 أغسطس الكيماوية قرب دمشق] وتنفيذه غير الحكومة السورية». وتوصلت الولايات المتحدة إلى الخلاصة ذاتها، فيشير نوع الغاز والأسلحة والهدف والمعلومات الاستخباراتية والتاريخ إلى نظام الأسد.

أما عن الدافع، فحري بنا أن نسأل عما دفع الأسد إلى القبول بقتل الملايين من مواطنيه وتشريدهم.

أشار وزير الخارجية الأميركي جون كيري، متحدثاً عن الاعتداء الكيماوي، إلى أن سورية باتت حالة من «الفحش الأخلاقي»، ولا شك أن الأسد الرجل الذي يتحمّل المسؤولية الكبرى عن هذا الفحش.

لا تقتصر السياسة الخارجية على القيم، حتى إن هذه الأخيرة لا تشكّل ربعها، لكن السياسة الخارجية الأميركية التي تتجرد تماماً من القيم لا تعود أميركية، فعلاقة السلطة الأميركية بمكانتها الأخلاقية تماثل ارتباط القوانين بالحرية. كذلك ترتبط هذه السلطة ارتباطاً وثيقاً بمصداقية كلمتها، وفي سورية، اجتمعت هاتان العلاقتان الوثيقتان في السياسة الخارجية الأميركية: القيم والواقعية السياسية.

يُعتبر هذا الواقع اليوم جوهر المسألة المطروحة أمام الكونغرس. فكما ذكر السيناتور جون ماكين، سيشكّل رفض الكونغرس رد عسكري أميركي على استخدام الأسلحة الكيماوية «كارثة» بالنسبة إلى الولايات المتحدة ومصداقيتها في العالم، فإن تمكن الأسد من مواجهة الولايات المتحدة، فسيتجرأ الجميع على ذلك، خصوصا جمهورية إيران الإسلامية.

كان ردّ فعلي الأول تجاه قرار أوباما الرجوع إلى الكونغرس والتأخير الذي ترتب على ذلك أن خطوته هذه تعكس تردده المعهود، لكنني أعدت النظر في موقفي هذا: تشكّل هذه الخطوة إعادة موازنة ضرورية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر «لقوى الرئاسة غير المضبوطة» الخطرة التي تحدّث عنها أوباما، قوى فتحت الطريق أمام المساومة على «القيم الأساسية» الأميركية التي ألمح إليها هذه السنة.

تُجمع مصالح الولايات المتحدة وقيمها على حد سواء على ضرورة محاسبة الأسد على أعماله، وبما أن الدبلوماسية السورية تتلقى اليوم الدعم للمرة الأولى من تهديد حقيقي باللجوء إلى القوة، فقد تسفر عن نتائج إيجابية ملموسة خلال الأيام العشرة المقبلة.

لست واثقاً من ذلك، ولكن في مطلق الأحوال، على الكونغرس أن يضطلع بمسؤولياته على أكمل وجه.

بعد مرور ثلاثة أيام على أزمة الصواريخ الكوبية، ذكر الجنرال كورتيس لوماي من سلاح الجو الأميركي أن رفض الرئيس إصدار أمر مباشر بشن غارات جوية على الصواريخ السوفياتية سيئ «بقدر التهدئة في ميونخ»، لكن هذا الجنرال أساء الظن، معتبراً مشاورات كينيدي تردداً، فقد التزمت الولايات المتحدة بخطها الأحمر يومذاك، وعليها القيام بالمثل في سورية اليوم.

back to top