الباباوات والقديسون والمنافسة الدينية

نشر في 11-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 11-04-2013 | 00:01
يعد انتخاب أول بابا غير أوروبي حدثاً طال انتظاره، فالمنطقة التي ينتمي إليها البابا فرانسيس، أميركا اللاتينية، تضم حالياً ما يقرب من نصف الكاثوليك في العالم (44% تقريباً)، لكن الكنيسة الكاثوليكية تخسر بشكل متزايد المنافسة مع الكنيسة البروتستانتية في تلك البقعة وفي أماكن أخرى من العالم.

لو نظرنا إلى الإحصاءات لوجدنا أن الأنغليكانية هي أسرع المذاهب نمواً على نطاق العالم من حيث تحول الناس إليه، وهو توجه يعكس الانتشار القوي للبروتستانتية في أميركا اللاتينية التي تدين تقليدياً بالكاثوليكية. كان البروتستانت في أميركا اللاتينية يشكلون فقط 2.2 % من السكان في عام 1900، بيد أن تلك النسبة زادت إلى 16.4% عام 2010، وهي الزيادة التي جاءت بشكل أساسي على حساب الكاثوليك الذين تناقصت نسبتهم من 90.4% إلى 82.3%..

تدرك الكنيسة الكاثوليكية هذه المنافسة، لكنها تواجه نقصاً حاداً في أعداد القساوسة، ونتيجة لذلك فإن إعداد القديسين وتأهيلهم أصبح وسيلة مهمة من أجل الاحتفاظ بالأتباع.

يعد اختيار بابا من أميركا اللاتينية استكمالاً لتحول سابق في التوزيع الجغرافي للقديسين الجدد، فمنذ أوائل القرن العشرين، وبشكل أكثر وضوحاً منذ باباوية جون بول الثاني (1978- 2005)، ضعفت الهيمنة التقليدية لإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية كأماكن للشخصيات الدينية المباركة، وهذا ينعكس في المرحلتين المتعلقتين بتأهيل القديسين وهما: أولاً التطويب والاعتراف (المرحلة الأولى من العملية وهي المرحلة التي تعكس الوضعية الحالية لجون بول الثاني)،  وثانياً، التقديس ودخول قائمة القديسين.

والفكرة الأساسية وراء هذا التحول هو استخدام القديسين المحليين من أجل إلهام الكاثوليك ومن ثم زيادة القدرة على مواجهة البروتستانت خصوصاً الإنجيليين منهم، وتنتشر هذه الظاهرة بشكل واضح في أميركا اللاتينية، كما أنها تنطبق أيضاً على أميركا الشمالية وآسيا وإفريقيا، نعتقد أن هناك نفس الدافع الكامن من وراء تسمية بابا أميركي لاتيني بهدف الوقوف في وجه التهديد المتزايد من الطائفة البروتستانتية في المنطقة.

وتعود فكرة استخدام القديسين لمنافسة الإنجيليين في أميركا اللاتينية إلى زمن بعيد، حين قام الرهبان الذين رافقوا القوات الإسبانية الغازية المنتصرة بتنصيب قديس شفيع في كل تجمع سكاني؛ لذا فإن تبجيل القديسين في أميركا اللاتينية أصبح جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المنطقة مقارنة بأوروبا، فضلاً عن الحاجة إلى مزيد من تأهيل القديسين في ضوء التناقص المستمر في أعداد القساوسة.

لقد وصف جون بول الثاني سنة 1992 المجموعات الإنجيلية في أميركا اللاتينية بـ"الذئاب المفترسة الذين يقومون بإغراء الكاثوليك في أميركا اللاتينية من أجل الابتعاد عن كنيسة روما"، كما استنكر المبالغ الضخمة التي تصرف على الحملات الإنجليلية التبشيرية التي تستهدف على وجه الخصوص الكاثوليك. إن مخاوفه من المنافسة البروتستانتية في أميركا اللاتينية كانت ولا تزال مفهومة خصوصاً في البرازيل وتشيلي وغواتيمالا وهي دول شهدت زيادات حادة في أتباع الطائفة الإنجيلية.

لقد قام جون بول الثاني بتغيير كيفية تصعيد القديسين بشكل دراماتيكي، وقام شخصياً بتطويب 319 شخصاً (غير شهداء) مقارنة بعدد إجمالي يبلغ 259 قديساً نصبهم 37 بابا سابقاً منذ عام 1585، كما قام أيضا بتطويب 80 قديساً مقارنة بإجمالي يبلغ 165 سابقاً. إن العدد الكبير من القديسين في عهد البابا بينديكت السادس عشر (2005- 2013) وهو 44 قديساً يعكس بشكل أساسي العدد الكبير من الأشخاص الذين تم تطويبهم في عهد جون بول الثاني.

كجزء من هذه العملية قام البابا بينديكت السادس عشر بشكل دراماتيكي بتقليص عدد السنوات التي يجب على الشخصيات المباركة تمضيتها قبل أن يتخرجوا من التطويب إلى القداسة، فعلى سبيل المثال جون بول الثاني أصبح شخصاً مباركاً بعد فترة ست سنوات فقط من وفاته.

وعلى جانب التنافس مع البروتستانت، فإن السمة الأبرز التي وسمت آخر اثنين من الباباوات هي الحد من الهيمنة الجغرافية التقليدية لأوروبا فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للشخصيات المباركة، ففي عهد جون بول الثاني وبنديكت السادس عشر فإن حصة التطويب للقديسين (غير الشهداء) من أميركا اللاتينية وصلت إلى 10.5%  و4.6% من أميركا الشمالية و3.9% من آسيا، و1.9% من إفريقيا، كما شكلت أميركا اللاتينية ما نسبته 9.8% من التقديس (غير الشهداء) مقارنة بما نسبته 6.6% لأميركا الشمالية و4.1% لآسيا و0.8% لإفريقيا. إن هذه النسب لا يمكن مقارنتها بالأعداد المحدودة جداً من الأشخاص المباركين من تلك المناطق الذين تمت تسميتهم من قبل الباباوات السابقين.

من المقرر أن يزور البابا فرانسيس البرازيل في يوليو لحضور "يوم الشباب العالمي"، وهناك اقتراحات بأن يزور دولاً أخرى في أميركا اللاتينية هذا العام بما فيها دولة الأرجنتين وطنه الأم.

وفي ضوء إحصاءات "منتدى بيو" للأديان والحياة العامة، فإن البرازيل تضم أكبر مركز للكاثوليك على مستوى العالم، ويقطن نحو 26% من كاثوليك العالم في البرازيل والمكسيك والأرجنتين مجتمعة، لكن يبدو أن أعداد الكاثوليك في أميركا اللاتينية قد استقرت بسبب تناقص أعداد المواليد والتحول من الكاثوليكية.

ويعني وجود أعلى نسبة من الكاثوليك في العالم في أميركا اللاتينية، مع تناقص حصتها من الملتزمين دينيا، أن فرانسيس يواجه معضلة استراتيجية؛ فإما أن يركز على استعادة أميركا اللاتينية للكنيسة الكاثوليكية، وإما أن يضع رهاناته طويلة الأمد على منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، حيث تفوق نسبة النمو السكاني النسبة الموجودة في بقية دول العالم، كما توجد فيها أسرع نسبة نمو للمذهب الكاثوليكي في تلك المنطقة... لذا يبرز تساؤل من أي منطقة سيأتي القديسون الجدد؟

*بارو، أستاذ في الاقتصاد من جامعة هارفارد وزميل بارز في "معهد هوفر" التابع لجامعة ستانفورد. وماكليري، زميلة أبحاث مسؤولة في معهد كيندي للإدراة الحكومية التابع لجامعة هارفارد وزميلة أبحاث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top