باسم يوسف... ربيع الإعلام العربي

نشر في 28-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 28-01-2013 | 00:01
No Image Caption
باسم يوسف جراح قلب تخرّج في جامعة كليفلاند، خفيف الروح لاذع اللسان، يتمتّع بذكاء حاد وقادر على مقاومة الظلم بالابتسامة... الأهم من ذلك كله أنه يخفف من هموم الناس من خلال تقديمه «البرنامج» الذي يحمل فيه لواء الدفاع عن المواطن في وجه استبداد السلطة، فتحوّل في فترة قصيرة إلى ظاهرة فريدة استقطبت الإعلام العالمي وظهر على شاشة «سي أن أن».
بدأ باسم يوسف حياته الإعلامية في موقع الـ «يوتيوب»، وعندما لمع نجمه استضافته الإعلامية منى الشاذلي في برنامج «العاشرة مساء»، فتحدث عن وجهه الآخر وظهرت خفة ظله الممزوجة بذكاء حاد وثقافة عالية وقدرة على التقاط اللحظة التي يمكن أن يصنع منها حدثًا إعلاميًا وما أكثرها هذه الأيام.

بعد هذه المقابلة، تلقى باسم يوسف عرضًا للعمل في قناة «أون تي في» لصاحبها رجل الأعمال نجيب ساويرس، فقدم «البرنامج» الذي يعالج القضايا التي تعصف بمصر بطريقة ذكية وخفيفة الظل، وتجاوز الخطوط الحمراء مرات وواجه حربًا شعواء من القوى الإسلامية، مع ذلك استمرّ بالاستهزاء والتهكّم.

يبدو أن «أون تي في» لم تعد تتسع لباسم يوسف، فاتجه نحو الـ{سي بي سي»، القناة التي تملك سطوة إعلامية وإمكانات مادية، فاستقطبت أولى حلقاته ردود فعل وبدأ التهكم على زملائه في العمل، مثل عماد الدين أديب ولميس الحديدي وخيري رمضان، ما دفع عماد الدين أديب إلى رفع قضية قدح وذم ضده، لكن يبدو أن القيمين على القناة استطاعوا رأب الصدع بين القادم الجديد وزملائه.

خطاب مباشر

 يعتمد باسم يوسف في «البرنامج» على الطريقة المباشرة في التخاطب مع الجمهور، فهو يقدم برنامجه على خشبة مسرح «راديو»، والجمهور الذي يشاهد الحلقات ليس من الكومبارس الذي يُدفع له مال، بل يأتي بمحض إرادته وبسعادة وحماسة، لذلك يتجاوب مع يوسف بشكل عفوي وحقيقي بعيدًا عن توجيهات مدير المسرح والمخرج، ويخرج ضحكات طنانة ورنانة تعبر عن الكبت والغضب مما يحصل من حوله.

 لا شك في أن هذه الحالة الخاصة لم تكن لتأخذ فرصتها لولا وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت تعطي زخمًا لتلك المواهب، في ظل البرامج الحوارية التي تزدحم بها الفضائيات العربية وافتقار الأخيرة إلى هذه النوعية من البرامج، واعتمادها على «اسكتشات» أصبحت في غالبيتها كليشيهات مكررة بشكل مملّ ولم تعد توفر متعة للمشاهد أو تخفف عنه.

هذه النوعية من البرامج شبه المعدومة في العالم العربي لا تحتاج إلى خفّة ظل فحسب، إنما إلى ثقافة واسعة وسرعة بديهة وقدرة على السيطرة على جمهور لا يخضع لمنطق المال بل لمنطق العقل، وهذا ما نحتاجه عبر شاشتنا في الوطن العربي بعد عقود من البرامج الانتقادية المملة.

ظاهرة إعلامية

 

تابع الدكتور وليد الراعي (اختصاصي في علم النفس العيادي) ظاهرة باسم يوسف على الـ «يوتيوب» بعدما سمع عنه، ويقول مقارنًا بينه وبين البرامج الانتقادية الساخرة: «يحترم باسم يوسف عقل المشاهد ويشكل حالة من التفلت من الكبت الذي يتحكم بالمشاهد منذ سنوات، لذلك لم تقتصر شهرته على العالم العربي بل امتدت إلى أوروبا.

يضيف: «تمت استضافته على شاشة «سي أن أن» الأميركية كظاهرة إعلامية عربية، وعندما تابعته عبر «يوتيوب» وجدت أن هذا الرجل وصل إلى العامة مثلما وصل إلى الخاصة، لأنه يدرك أن شعبية البرامج الفكاهية تأتي أولاً وأخيرًا من الطبقات الوسطى وما دون، فعندما يصبح أي برنامج انتقادي فكاهي المتنفس الوحيد للمشاهدين عندها يكون قد بلغ هدفه».

بدورها ترى الدكتورة سلوى المراغي (استاذة في علم الاجتماع) أن المواطن العربي سئم انتقاد مواضيع معينة مثل الفساد والغلاء، وبات تقليد الشخصيات السياسية شكلاً نمطيًا مملا، وتضيف: «يحتاج المشاهد إلى من يخاطب عقله ويرفّه عنه في الوقت نفسه من خلال انتزاع ضحكات طنانة رنانة نابعة من تعليقات في منتهى الذكاء يفهمها العامة والخاصة».

حضور فني

اليوم وفي ظل الربيع العربي يتوق المواطن العربي إلى من يخاطب عقله بذكاء، ويصفق لمن ينتقد الحالة التي يعيش فيها بمنتهى الاحترام لقدرته على استيعاب ما يدور من حوله.  

يذكر أن الفنانين يحرصون على الحضور إلى المسرح لمشاهدة برنامج باسم يوسف ويجلسون مع المشاهدين، كما حصل مع أصالة نصري وآسر ياسين وهاني شاكر فيما شارك أحمد السقا في تقديم إحدى الحلقات، وقدم نفسه كشاعر عامية من الدرجة الاولى. كذلك استضاف «البرنامج» عمرو واكد المعروف بنشاطه السياسي منذ اندلاع ثورة يناير.

إذًا نحن أمام حالة جديدة فرضت نفسها وأصبحت في فترة وجيزة حديث الناس، ووجد فيها المشاهد العربي ظاهرة ظريفة لطيفة تغييرية انتقادية غير تقليدية، فأحبها واعتبرها لسان حاله، لذلك حصدت هذا النجاح كله وأصبح يوسف عنوانًا لمرحلة إعلامية جديدة تشبه إلى حد بعيد الطريقة الغربية القريبة من الديمقراطية واحترام عقل المشاهد.

back to top